ماذا لو قتلوه..؟
الأربعاء, 04 أبريل 2012
قبل أيام، وبعد لقاءات جمعتني بشخصيات سياسية عدة، كنتُ أفكر بكتابة رسالة "نقدية" صادقة الى "الحكيم"، على اعتبار أنه أصبح أقوى سياسي مسيحي في لبنان، ومن نخبة تحوز على احترام عربي ودولي، ويتم التعاطي معها على أساس أنها رقم صعب في المعادلة اللبنانية.
لكنني، وبعد تفكير، تراجعت عن الفكرة واعتبرتها تجاوزا لحدود القلم، فهذه القوة لم تتأت إلّا من ذهاب سمير جعجع الى حدود قبول التضحية بذاته، فهو يجتهد الى حد الإرهاق، وهو يتخّذ خيارات "إستشهادية" في زمن لبناني "معجوق" بالإنتهازيين، وهو يكتسب شرعية التمدد من زمن كان المستقوون عليه ينتظرونه تحت المشنقة ليشدوا برجليه فيتأكدوا أنه مات.. حقا مات.
وهكذا، وفيما كان عقلي مشغولا بتمدد جعجع لبنانيا وعربيا ومدى إلحاح الحاجة إليه في هذه المرحلة بالتحديد، في سياق طموح لا يحبط، في الوصول الى لبنان- الحلم، نجا من رصاصتين قاتلتين، كان مقدرا لهما أن يفجّرا دماغه!
تأمّلت بشظايا الرصاصتين التي وضعها على مكتبه في أثناء عقد مؤتمره الصحافي بعيد جريمة محاولة الإغتيال، وأصابتني قشعريرة شبيهة بتلك التي أشعر بها كلما حسبت أن يد القتلة تمكنت من الوصول الى سعد الحريري، وإلى وليد جنبلاط أيضا (على الرغم من استقراري عند نقطة الإعتراض على بعض مواقفه وسلوكياته !)
ودوّى سؤال كبير، في عقلي: ماذا لو قتلوه؟
أدركني دوار شديد، وأنا أحاول أن أقرأ واقعنا اللبناني، بلا سمير جعجع!
من دون سمير جعجع، رأيت مسيحيي لبنان الحالمين بوطن سيّد وحر ومستقل ومعافى، موزّعين على زعامات مناطقية مستضعفة، في حين يذهب الإئتلاف الذي يترأسه العماد ميشال عون ويقوده "حزب الله" ويعضده النظام السوري، بالوطن الى الجحيم الذي نسعى، بكل قوة، لئلا نقع فيه!
من دون سمير جعجع، رأيت مستوى الشجاعة قد أصيب مجددا بنكسة هائلة، ذلك أن الشخصيات السياسية التي لا تستطيع أن توفّر حماية لها، ستتدسس رؤوسها كلما خرجت بموقف "جعجعي"، فمن يصل الى معراب، يستطيع بسهولة أن يصل الى أي مكان آخر!
من دون سمير جعجع، رأيت سعد الحريري كلّما قدم ساقا للعودة الى لبنان، يمسكون بساقه الثانية حتى لا يعود، فلائحة الأهداف واحدة ومعروفة!
من دون سمير جعجع، رأيت وليد جنبلاط يعود الى "الواقعية"، حتى بالتعاطي مع النظام السوري، طالما أن فكرة خروجه من كليمنصو، غير مطروحة لديه!
من دون سمير جعجع، رأيت التحالف الذي ننتقده ليتحسّن، ونهاجمه ليبدع، ونحرّضه ليتماسك، في مهب الريح، في حين أن التحالف الذي يقوده "حزب الله" ويموّله ويسلّحه، يقوى ويتعملق، ولا يجد في مقابله سوى شخصيات ينصحها بأن تنتبه على نفسها!
من دون سمير جعجع، رأيت عشرات آلاف المسيحيين يقاطعون صناديق الإقتراع، والشأن العام، وكثير منهم يعود فيوضب حقائب الهجرة!
من دون سمير جعجع، رأيت ربيعا عربيا يفتقد معتدلوه الى قوة مسيحية، ويرقص متطرفوه مع ترهات الخائفين، حتى يبرروا تطرفهم واستئثارهم وعدائيتهم!
من دون سمير جعجع، وبفعل ما فرضوه من معادلات علينا، بعد فترة من اغتيال رفيق الحريري وشهداء "ثورة الأرز"، لأبقونا صامتين ننتظر تحقيقا أخرسا وعدالة عاجزة، يتكلم عنها حسن نصرالله ويتمرجل من خلفها قتلة يسرحون ويمرحون، ومن بعدهم أبناؤهم وأحفاد أحفادهم، وكل من يمكن أن ينجبوه على امتداد 300 سنة!
هذا لو قتلوه... لكن جاذبية زهرة دفعته الى الإنحناء قبل أن يدفعه أزيز الرصاصتين الى الإنحناء!
إنها الزهرة التي في قلب كل سيادي..
إنها الزهرة التي في عقل كل وطني..
إنها الزهرة التي في قبضة كل من يحمل شعار 14 آذار..
إنها الزهرة التي تتدفأ في فيأة الأرز..
إنها الزهرة التي يقدمها كل طفل لأمه، وكل حبيب الى معشوقته، وكل طالب الى معلّمته..
إنها الزهرة التي سنبحث عن بذورها لننثرها في كل دار وفي كل حديقة..
إنها الزهرة التي نبتت على أضرحة شهدائنا لتحمي كبارنا..
إنها الزهرة التي أهدانا إياه الربيع ليبقى ربيعنا ربيعا، مهما قست عليه عواصف من يريدونه خريفا أو شتاء.. |