كلَبجة نصرالله -
الأسد و"إبداع" الداعوق
الأحد,
18 مارس 2012
لا ينسى الأمين العام
لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في أي إطلالة له، ذكر المواقع الإلكترونية
بالسوء.
هذا يحصل ، منذ العام 2010.
ومنذ العام 2010، وبحجة إعادة النظر في قانون المطبوعات ، كما في قانون
الإعلام المرئي والمسوع، وضعت لجنة الإعلام والإتصالات النيابية برئاسة
النائب في كتلة "حزب الله" حسن فضل الله يدها على هذا الملف، في محاولة لم
تنجح بعد، لـ"قوننة" هذا القطاع الإعلامي الحر.
ومع انطلاق الثورة السورية، حذا الرئيس السوري بشار الأسد حذو نصرالله
بالتهجم على المواقع الإلكترونية، وراح يضغط من أجل " السيطرة عليها" ،
بعدما تمكن السوريون، بواسطة برامج تقنية مختصة، من خرق الحظر المفروض على
المواقع الإلكترونية " المعادية".
ومنذ بدأ تململ الأسد، لوحظ أن وزير الإعلام اللبناني وليد الداعوق، الذي
اختاره الرئيس نجيب ميقاتي ، قد سارع الى وضع يده على هذا الملف، مقدما
مشروعا " مسلوقا"، من أجل "قوننة" المواقع الإلكترونية " خدمة للحرية" !
إذن، في مقدمات " الأسباب الموجبة" الحقيقية لقوننة المواقع الإلكترونية،
تبرز صورتا حسن نصرالله وبشار الأسد، وكلاهما صاحبا تجربة سيئة للغاية، مع
كل أشكال من أشكال حرية التعبير، ولهما في ذلك صولات وجولات، فالأول ثابت
أنه أحرق مقرات إعلامية، والثاني أثبت أن الحرية تساوي الإعتقال التعسفي.
ومن هذه " الأسباب الموجبة" الحقيقية، يمكن بدء النقاش، في مساعي "قوننة"
المواقع الإلكترونية.
وفي النظر الى "النص الداعوقي " الموضوع بمشاركة عبد الهادي محفوظ، يتضح أن
الهدف الوحيد، هو، وضع " كلَبجة" بيد الإعلام الإلكتروني، من دون أي مسعى
تطويري، ومن دون أي مقابل إيجابي.
مشروع القانون يريد أن يوثّق المالك والمسؤول، من دون أي اهتمام بمعايير
مهنية عند هؤلاء، إذ يكفي أن يكون المرء غير محكوم عليه، ليكون مسؤولا.
توثيق المالك والمسؤول يهدف الى إيجاد مرجعية، يمكن " استدعاؤها" والتحقيق
معها وإلزامها بنشر "رد" ومحاكمتها.
أما مرجعية المساءلة فهي قانون المطبوعات، الموضوع لصحف ومجلات يستحيل
إصدارها، لولا توافر رأس مال تشغيلي كبير، وسوق إعلانية معقولة، ودعم سياسي
هادف.
في المقابل، تقدم وزارة الإعلام للمواقع الإلكترونية حفظ الملكية والأدبية
لمنتوجاتها الإعلامية، في وقت تشكو كبريات الصحف من "سرقة" موادها، من دون
أن تجد من يحميها.
ماذا يعني ذلك عمليا؟
إنه ، بكل بساطة، يعني إقفال المواقع الإلكترونية التي تقف وراءها إرادة
التعبير بحرية عن الأفكار والآراء، ونشر الأخبار التي تخضع ، عادة وفي
وسائل الإعلام " الكلاسيكية"، لمراقبة سياسية أو أمنية أو سياسية أو
رأسمالية.
ذلك ان أكثر من لجأ الى التعبير بوسائل إلكترونية، هم أولئك الذين عانوا
الأمرين، من " مراقبة ذاتية" أو من مراقبة " الأمر الواقع"، ولا يملكون، في
ظل الشغف الى الإستقلالية، موارد مالية كافية، لإصدار وسائل إعلامية متعارف
عليها.
ولا يبحث جميع العاملين في هذا القطاع التعبيري، عن حماية أحد، لأنهم في
الأساس يعتبرون لجوءهم الى التعبير الإلكتروني، حاجة إنسانية معنوية وليس
مورد رزق، على اعتبار أن "مورد الرزق" يتحكم به رأس المال التشغيلي، مما
يجعل الحرية مقيّدة ..مجددا.
ولا يبالي العاملون في المواقع الإلكترونية بالحماية الفكرية والأدبية، فهم
اساسا لجأوا الى الشبكة العنكبوتية، لينشروا أفكارهم وأخبارهم وليعمموها،
لا ليحصروها.
ويدرك جميع العاملين في الحقل الإعلامي أن مسألة مراعاة قانون المطبوعات
مسألة دقيقة وباتت تعني "الرتابة" وباتت تعني " الجمود" وباتت تعني "
القولبة" وباتت تعني ..الموت المهني.
ذلك أنه ليس اسهل من أن يدعي أي شخص بجرائم القدح والذم، وليس أسهل من أن
يصف أي شخص الأنباء المنشورة ، خارج التصريح، بأنها أخبار كاذبة.
ووفق طريقة عمل محكمة المطبوعات، فليس أسهل من أن يتهم الصحافي بهذه "
الجرائم"، ذلك أن القضاء لا يتجاوب مع فتح تحقيقات، بوسائل الإستقصاء
المعتمدة، ليؤكد صحة أو عدم صحة الأنباء، إنما يتجاوب مع من يدعي بأن
الأخبار التي تناولته هي أخبار كاذبة.
كما أنه ليس أسهل من أن تعتمد محكمة المطبوعات معايير متفاوتة وبسيطة لتتهم
الصحافي بالذم والقدح، متجاوزة السياق الطبيعي الذي ترد فيه وحقيقة أن
الحياة السياسية مشوبة بعيوب القادة الذين يمتهنون القدح والذم و..أكثر.
والمشكلة في هذا السياق، لا تبرز في عقوبات السجن المباشر، إنما في
الغرامات المالية التي يمكن، في حالة المواقع الإلكترونية الحرة، أن تقود
"المدوّن" الى إقفال موقعه وإلى الدخول الى السجن ، بسبب عجزه عن دفع
الغرامات.
وإذا عدنا الى السوق الإعلانية في العالم العربي عموما وفي لبنان خصوصا،
نكتشف أن الميزانيات الإعلانية المخصصة للمواقع الإلكترونية متدنية جدا،
وأحيانا منعدمة، لا بل أن العلاقات الشخصية والسياسية هي التي تسمح بحصول
موقع إلكتروني على إعلان، في غالب الأحيان.
ولا يمكن الركون الى " القانون" في سياق الحماية، لأن القانون رهن باللحظة
السياسية، وفي هذا السياق، يمكن في لحظة توافق سياسي معيّن، أو في لحظة
حصول طرف على الأكثرية المقررة، أن يدخل نصا بسيطا على القانون، يعطي
الدولة حق حظر المواقع الإلكترونية غير الخاضعة لقانون الإفلاس والسجن.
وفي هذه الحالة، لن يكون سوى الإنتاج اللبناني بخطر.
ذلك أن هناك قدرة عالية على التفلّت من رقابة الدولة اللبنانية كما من
رقابة قضاتها، باللجوء الى المواقع العالمية، للتعبير عن الذات، وبلا أي
حدود.
التعبير في مواقع التواصل الإجتماعي، وبأسماء مستعارة، يمكن أن يتجاوز كل
حدود. فالأسماء المستعارة يمكن أن تشتم ويمكن أن تفبرك الأخبار، و"الشاطر"
يعرف من فعل ذلك.
كما أنه يمكن إنشاء مدوّنات توفر مساحاتها مواقع عالمية، وبأسماء مستعارة،
تعتمدها حاليا أجهزة المخابرات، كما كانت عليه الحال مع " فيلكا إسرائيل".
هي تنشر ووسائل الإعلام الرسمية تسوّق( فعلها "حزب الله" والنظام السوري)،
والمسؤولية تائهة، فيما المستفيد يبقى الموقع الإلكتروني العالمي الذي وفّر
المساحة للنشر.
ومع ذلك ، يسأل "طوباوييو" لبنان: هل أنتم ضد التشريع والقوننة؟
هذا السؤال يدل على "سخافة"!
سخافة ، لأن أحدا لا يستطيع، في عصرنا هذا أن يقونن الحرية. فاحتكار رأس
المال للفكر ولّى الى غير رجعة. وحدها ميزة لبنان في الإنتاج الإبداعي...
تتراجع.
سخافة، لأن ليس في لبنان أي مراعاة للقوانين، فهل "حزب الله" يراعي الدستور
بسلوكياته المسلحة، قبل أن يراعي القانون؟
سخافة، لأن الخطر على الحرية، يكمن في استعمال المواقع الإلكترونية أسماء
مستعارة، فتكون متفلتة من أي حساب معنوي، ذلك أنه بمجرد أن التصق اسم صحافي
بأي موقع إلكتروني، يكون هناك نقاش كبير في المجموعة العاملة ، من أجل
احترام الحد الأدنى من معايير الصدق والمهنية.
من هنا، يتضح، بشكل لا لبس فيه، أن "المشروع الداعوقي" هو مشروع في خدمة
شكاوى نصرالله- الأسد، وهدفه أن يفقد لبنان منصة جديدة من منصات التعبير
الحر، ويخضع الجميع لإرادة مخابراتية يتقنها كل من "حزب الله" ونظام بشار
الأسد.
وبالنهاية، ثمة من يلجأ الى سلاح الكلمة والموقف ليرد عنه، ولو في معادلة
غير متكافئة، سطوة السلاح والقوة.
ولعل الساعة الحقيقية لتفكير جدي بقوننة الإعلام الإلكتروني،تبدأ بعد تلك
اللحظة التي يصبح فيها السلاح المنتشر في لبنان، مقوننا وخاضعا للإرادة
الدستورية.
وحتى تلك الساعة، فهذا التشريع يشد لبنان في اتجاه معاكس للريح التي تهب
على الشرق الأوسط !
|