لأنني مسيحي ...أؤمن بالثورة السورية
السبت, 16 يوليو 2011
قبل ثمانية أشهر، إلتقيتُ به في مكتبه ، فراح يشكو إليّ أحوال
المسيحيين في لبنان والمنطقة.
أسهب في الحديث عن "الواقع المسيحي المأزوم" في الإدارات والمؤسسات
العامة، قبل أن ينتقل الى البحث في المصير، متحدثا عن أمور تتمحور
حول المسيحيين في مصر والعراق وسوريا وغيرها.
إستمعت إليه وسألته عن الأسباب اللبنانية، فقال لي إن المعادلات
التي كرستها الوصاية السورية في لبنان، لم تتبدّل!
فهمتُ على الفور أنه مناوئ لقوى الرابع عشر من آذار و"موال" من دون
"دق النفير" للعماد ميشال عون.
فالعونية الجديدة ، لم تعد تملك ما تحتمي به سوى الإسهاب في الحديث
عن الطائفية، لتبرير ما تقترفه من انحرافات مشينة.
وقبل شهر ، إلتقيت به صدفة، ففاتحني بموضوع الثورة السورية، فرآني
مؤيدا ومعجبا بها ومتمنيا نجاحها، فرد عليّ بقوة: " أنا لا أفكر
بالنظام في سوريا، بل أهتم بالمسيحيين فيها وتأثير ما يحصل هناك
علينا كمسيحيين في لبنان، إنظر ماذا يحدث في مصر، بعد الثورة، إنظر
ما حصل في العراق، فنحن كمسيحيين بخطر إن أصاب نظام بشار الأسد أي
خلل."
ضحكتُ، ونويتُ الرحيل، فأوقفني، طالبا مني تحديد موقف مما قاله.
ضحكتُ وقررت أن أنفّذ قراري بإكمال مشواري، فبدا أكثر إصرارا على
سماع تعليقي على موقفه.
تأملتُ فيه. تنفستُ نفسا عميقا. وسألته: هل تذكر أننا التقينا، في
مكتبك، قبل ثمانية أشهر تقريبا؟
أجابني: "نعم ، صحيح."
سألته: " هل تذكر أنه يومها لم تكن الثورات العربية قد اندلعت
بعد؟"
أجابني:" بالتأكيد".
سألته:" هل تتذكر الموضوع الذي حدّثتني به ، يومها؟"
بدا أنه قد نسي، فذكرته:" يومها، حدثتني عن وضعية المسيحيين في
لبنان وسورية والعراق ومصر، وقلت لي إن الوجود المسيحي في الشرق في
خطر."
لم يُعلّق.
أكملتُ حديثي:" عفوا، يا صديقي، أنا لا أؤمن بمخاوفك على
المسيحيين، لأنه مهما تبدلت الظروف فنوعية كلامك لا تختلف. قُل ،
أنا أؤيد بشار الأسد، بسبب رهاناتنا السياسية، ولا تجعل المسيحيين
رهينة لطموحات الفريق السياسي الذي تواليه.ولهذا السبب، أعذرني، أن
لا أتحدث معك في هذا الموضوع، فأنت لا تطلب نقاشا، بل أنت تطلب مني
أن أوقّع لك على مهدئ لهذا التناقض الصارخ فيك. تناقض يجعل وجدانك
على خصومة مع مصالحك. أنا شخصيا، تخلّيتُ عن مصالحي، منذ فترة غير
قصيرة، ولم أعد أريد سوى الدفاع عن مبادئي، وقد علمتني الحياة، أن
المبدأ وحده يحمي!"
وحركتُ رجلي اليمنى، لأتابع مشواري، فقال لي:"حسنا لماذا لا
نتحاور؟"
أجبته وكنت قد حركت رجلي اليسرى:" الحوار يحتاج الى قواعد واضحة،
وهذه القواعد لا تتوافر لديك ولديّ. أنت خائف على المسيحيين منذ
ولادة مصالحك، وأنا متفائل بمستقبل المسيحيين ، منذ وأدتُ كل صلة
لي بأي إدارة وظيفية في لبنان."
أكملتُ مشواري، ورحتُ أفكر بالمسيحيين.
راجعتُ تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا، فوجدتُ انها تكبدت
خسائر لا تعوّض ، بسبب اعتقاد المسؤولين عنها، أن مجد هذه الكنيسة
ودورها مرتبطان بقوة الملوك والأباطرة، فإذا بها تسقط سقوطا مدويا،
مع الثورات التي أنتجتها آلام الفقر والجهل والجوع!
راجعتُ تاريخ الكنيسة المشرقية، فوجدتُ أن انحدارها، بدأ مع انحدار
رهاناتها على الغزاة والفاتحين وعلى الطغاة .
راجعتُ تاريخ الكنيسة في العراق، فوجدتُها كانت راضية بديكتاتورية
صدام حسين، غير آبهة بما يقترفه من جرائم وما يسببه من ويلات
لشعبه.
راجعتُ تاريخ الكنائس في سورية، فوجدتُ أن المسيحيين فيها تناقصوا
من 25 بالمائة قبل حكم حافظ الأسد الى 4 بالمائة اليوم، فيما كثير
من الشباب المسيحيين السوريين هربوا من بلادهم، بسبب القمع، ولجأوا
الى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، لأنهم تجرأوا وانتقدوا
القمع الذي يمارسه النظام ، على مدوّنات إلكترونية، كاشفين أن عددا
غير قليل من المسيحيين اعتقل لسنوات بتهمة الإنتماء الى ...
"الإخوان المسلمين".
وراجعت تاريخ المسيحيين الحديث في لبنان، فوجدتُ أنهم صدقوا في
العام 1976 أسطورة تحالف الأقليات التي تنبعث حاليا في الرابيه،
فاستقدموا الجيش السوري الى لبنان، غير آبهين بأن سورية هي التي
صنعت الحرب في لبنان، لأنها قررت بعدما فشلت في الأردن، أن تحوّل
لبنان إلى جبهة بديلة لصراعها مع إسرائيل. يومها صدّقت القيادات
المسيحية أن النظام السوري يؤمن بحماية المسيحيين، لتستيقظ ذات
يوم، وتكتشف أن لا هم لهذا النظام سوى ضرب المكونات السيادية
للبنان، فضرب الجميع من دون استثناء. قتل كمال جنبلاط فصمت الدروز
بفعل "حكمة" وليد جنبلاط. ضرب المسيحيين هنا وهناك وقتلهم وشردهم
إلى أن جاءه اليوم الذي تمكن فيه من فرض "مسيحييه" في السلطة وفي
الإدارة وفي القضاء وفي الدبلوماسية وفي الأمن، صانعا سلسلة عجائب
، بحيث بات "رسل جميل السيد" يحدثون المسيحيين عن المسيحية. ضرب
السنة، فقتل مفتيهم وكبارا منهم."صادم" أحزابه بعضها بالبعض الآخر،
فدخل الى بيروت منقذا.هدّم طرابلس ،مرة بحجة إخراج ياسر عرفات
منها- مكملا بذلك مهمة اجتياح العام 1982- ومرة بحجة "تحريرها من
الإسلاميين". ضرب الشيعة، حتى تمكن من تطويع "حزب الله" الخارج من
رحم "أمل" السورية ليكون موطئ قدم لإيران على تخوم إسرائيل.ومنذ
رحيل حافظ الأسد، سلّم ابنه بشار، الآتي بلا خبرة ، لإدارة شؤون
أكبر لاعب إقليمي، فاستسلم لـ"حزب الله"،وسلّم لبنان، مهمّشا كل
الطوائف وفي مقدمتها المسيحية، لحزب غارق في طائفيته حتى
..."المنار".
وفي مراجعتي لهذا التاريخ الحافل بالعبر، فهمتُ أكثر لماذا أؤيد
الثورة السورية.
فهمتُ ان المسيحي الذي بنى ذاته على أساس تحدي أفواه الأسود
الجائعة، يستحيل أن يزدهر إذا أصبح مناصرا لهذه الأسود.
فهمتُ أن المسيحي الذي بناه من أتى لينقذه من تسلط الخطيئة ،
يستحيل أن يحميه الشيطان.
فهمتُ ان المسيحي الذي يناصر ديكتاتورا، سيرحل مع حاشية الديكتاتور
عندما تطيحه ثورة التحرر.
فهمتُ ان المسيحي الذي لا يساند مظلوما ، سيقبع لوحده مظلوما.
فهمتُ أن المسيحي الذي لا يزور معتقلا، سينهي عمره في السجون.
فهمتُ أن المسيحي الذي لا يعطي كل ذي حق حقه، لن يجد له يوما أي
حقوق.
فهمتُ أن المسيحي الذي يمتنع عن الفعل الصالح ...يستحيل أن يكون
مسيحيا.
ولأنني مسيحي ...أراني أناصر، وبلا تحفظ، الثورة السورية! |