حان وقت الخيانة
الثلاثاء, 10 يناير
2012
عندما وصلتني نسخة من
كتاب " وقت للخيانة"* للإيراني المنشق رضا خليلي، قبل أكثر من سنة، قرأتُ
منه بضع صفحات فقط، وأهملته، بمجرد أن توقفت عند تأكيده أن " الحرس الثوري
الإيراني" في سياق تعاطيه مع القواعد الشعبية الإيرانية، يعمد إلى اغتصاب
الفتيات القاصرات، قبل إعدامهن، حتى يحرمهن من الجنة، لأن الجنة محفوظة
للعذراوات !
كان اعتقادي يومها بأن هذا الكتاب سيسمح لموجة سلبية بأن تجتاح نفسيتي،
الأمر الذي أحاول دائما تجنبه، على مختلف المستويات، فمحاولة تحاشي هذه
الطاقة السلبية المستوردة ، تبعدني عن أنواع محددة من القراءات، كما عن
أنواع محددة من الصداقات والمعارف، بل دعتني، في كثير من الأحيان، الى قطع
علاقات مع عدد من الأشخاص!
لكنني، وبعد الكلام عن كشف شبكات تجسس أميركية في كل من لبنان وإيران،
تذكرتُ هذا الكتاب المركون في زاوية مظلمة من مكتبي، فسحبته الى قائمة
قراءاتي، على اعتبار أن من كتبه هو الآخر إيراني تجسس لمصلحة وكالة
المخابرات الأميركية على " الحرس الثوري الإيراني" من موقعه كرئيس لدائرة
المعلوماتية في هذا الجهاز المتحكم بالواقع الإيراني!
وقد استحوذ هذا الكتاب على كل اهتمامي، منذ بدأت أتوغل بصفحاته، فأهملت
لقاءات وواجبات، حتى أتفرّغ له، لا بل أنني سمحت له أن يرافقني الى بعض
المواعيد الضروريةّ!
في هذا الكتاب يروي رضا خليلي، وهو إسم
وهمي تلطى وراءه بطله، حتى لا يعرض معارفه واصدقاءه المقيمين في إيران أو
الذين بمتناول " الحرس الثوري الإيراني"، للخطر،(يروي) قصة إيران، كما
عاشها، منذ ما قبل الثورة، حين كان طفلا، الى ما بعد الإنتفاضة التي جرى
قمعها، مع إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسا للجمهورية الإسلامية!
ولعلّ الحجر الاساس في هذا الكتاب، يكمن في
سرد الأسباب التي دفعت رضا خليلي- وهو شارك بحماسة منقطعة النظير في الثورة
الإيرانية التي قادها الإمام روح الله الخميني، وجعلته يترك الولايات
المتحدة الأميركية حيث كان يتلقى دروسه الجامعية، للعودة الى طهران- الى
تقديم نفسه طوعا ليعمل لمصلحة الـ"سي.آي.إي"!
ويكشف الكاتب في سياق رواية مسبوكة في قالب السيرة الذاتية كيف أن " الثورة
الخمينية" خانت الثوار، من خلال علاقة ثلاثة شباب شاركوا معا في إنجاح هذه
الثورة: هو وصديقا طفولته ناصر وكاظم: هو ، من موقع الإعتدال. ناصر من موقع
المؤمن الليبرالي. وكاظم من موقع المتديّن الملتزم!
يؤكد رضا خليلي في رواية سيرته الذاتية أن التحوّل الاساسي في نظرته الى
الثورة، بدأ مع ذهابه الى معتقل "إيفن" الذي نقله الخميني من معتقل يستعمله
الشاه ضد معارضيه الى معتقل يستعمله الخميني للهدف نفسه!
ذهب الى هناك من أجل رؤية صديقه ناصر الذي اعتقل مع شقيقته ( 16 سنة)
وشقيقه. ومع وصوله، وبعد دقائق جرى إعدام شقيقة صديقه رميا بالرصاص، في حين
روى له ناصر، الذي بدت عليه كل علامات التعذيب والإنهيار، أنه لم يعد قادرا
على تحمل رؤية شقيقته وشقيقه، وهما يجري تعذيبهما أمام عينيه من أجل أن
يعترف بأمور لم يرتكبها، كمناصر لـ" المجاهدين" ، الذين تحالف الخميني معهم
لإنجاح الثورة ومن ثم انقلب عليهم من أجل الإسئثار بالسلطة!
ولكن ناصر، على الرغم من توسط كاظم الصديق المشترك الثالث، وهو يشغل موقعا
محترما في " الحرس الثوري الإيراني" عجز عن إنقاذ ناصر وشقيقه اللذين جرى
إعدامهما لاحقا، مما تسبب بانهيار والديهما اللذين كانا صديقين لعائلة رضا!
وبفعل هذه العملية، إهتم رضا كليا بما يحصل في معتقل "إيفن"، بعد دخوله في
مرحلة حزن شديد، وهنا جعلته زوجته يلتقي بفتاة إسمها روى، كانت معتقلة في
هذا المكان، ولكن روى خافت منه، فلم تخبره شيئا، لتعود بعد أيام وترسل له
كل ما لديها، في رسالة، تقول له فيها كيف يجري اغتصابهن وتعذيبهن.
وأكدت له أنها تمكنت من أن تخرج من المعتقل، بفعل إعجاب أحد الملالي بها
واشتراطه عليها أن تكون بتصرفه جنسيا بعد خروجها من المعتقل.
وتقول إنها وافقت على ذلك، ولكنها لم تكن تعرف أن معتقل رغبات هذا الرجل هو
أقسى من معتقل "إيفن".
وبعد أيام انتحرت روى!
ومن ثم يروي رضا خليلي ما فعله "حزب الله" الإيراني في المجتمع، لجهة تأديب
النساء غير المشودرات ومهاجمة المنازل التي تحتفل وتغني وتسهر !
ويجري مقارنة بين الخطب الثورية للخميني حين كان يعد بالحرية وإبعاد رجال
الدين عن السياسة، وبين الممارسة الفعلية!
ويكتشف رضا أن إيران ما قبل الثورة ، على الرغم مما فيها من مظالم، كانت
أفضل بكثير من إيران الثورة!
وهنا قرر رضا أن "يخون"!
كان في اعتقاده بأن تزويد الأميركيين بمعلومات سرية عما يجري في إيران سوف
يسمح للولايات المتحدة الأميركية بفعل شيء ما من أجل تحرير إيران سيطرة
المالي!
وهكذا عاد الى كاليفورنيا التي كان فيها طالبا جامعيا بحجة مساعدة عمّته
المريضة في ترتيب أوضاعها، مما مكنه من إجراء اتصالات قادته الى وكالة
المخابرات الأميركية، حيث عرض عليهم التطوّع!
وعاد الى إيران جاسوسا، حيث راح يزايد في انتمائه الى الثورة الإسلامية حتى
يغطي مراقبته اللصيقة لكل ما يجري، كاشفا كيف أن المجتمع الإيراني في
حقيقته يعادي هذه الثورة فيما المنتمون إليها يؤيدونها بشكل أعمى ، ويغطون
عمليات القمع والقتل والإغتصاب والفساد، التي حوّلت إيران الى دولة تحكمها
عصابة من أجل عصابة ، وذلك باسم الله ولكن بسلوكيات الشيطان!
ومن هذا الموقع، يخبر رضا خليلي الكثير الكثير، لينتهي الى إعلان إحباطه من
الولايات المتحدة الأميركية التي لم تفعل شيئا لمصلحة الشعب الإيراني، مما
يدفعه، بعد وصوله الى الولايات المتحدة الأميركية الى قطع العلاقة الوظيفية
مع مخابراتها، لأن هدفه من الدخول في الجاسوسية كان المساعدة على تحرير
بلاده من حكم الملالي ، ولكنه لم يتمكن، بفعل رفض السياسة الأميركية، تثمير
تضحياته الكبيرة، في تحقيق الهدف المرجو!
من يدقق بمفاصل هذا الكتاب، الذي أتمنى تعريبه وإدخاله الى حيث يمكن إدخاله
من الدول العربية، وتوفيره للقارئ اللبناني من خلال شبكة الإنترنت، يستطيع
أن يدرك وحدة الحال بين إيران عشية الثورة الإسلامية وغداتها، وبين لبنان
في ظل نمو قوة "حزب الله" وأجهزته الأمنية والدعائية وعلاقاته التحالفية
التي لا يمكن فصلها عن العلاقات التحالفية التي أقامها الخميني مع
المجاهدين قبل أن يحوّلهم الى... منافقين!
ومن يبحر في هذا الكتاب يدرك الأسباب التي يمكن أن تدفع أقرب المقربين من
قيادة "حزب الله" الى التعامل مع وكالة المخابرات الأميركية، فهؤلاء لا
يبحثون عن مال إضافي في انقلابهم السري على أغنى التظيمات، بل يبحثون عن
طريقة ليتحرروا من سطوة رجال دين يخافون على امتيازات ما كانوا ليحلموا
بمثلها لولا "حزب الله، ومن سطوة السيطرة على الأحلام بالتعذيب، ومن سطوة
سرقة الفرح، ومن سطوة التنكيل بالأحباب، ومن سطوة السلاح على الأنفاس، ومن
سطوة الفساد على التعليم، ومن سطوة سرقة المراهقين الى ... الباسيج!
ومن يتعمّق في هذا الكتاب يدرك أيضا وايضا أن المعبود الحقيقي لدى "الحرس
الثوري الإيراني" وتاليا لدى "متفرعاته" ومن بينها "حزب الله" اللبناني، هو
القوة العسكرية !
ومن يقرأ في هذا الكتاب يدرك أن المراهنات على قوى الخارج لتحرير الداخل هو
وهم مطلق، لأن الخيار الوحيد هو أن يناضل الشعب من أجل الحصول على ما
يستحقه، فيدفع بذلك، بـ"الجملة" ما يمكن أن يتكبده بـ"المفرق" من عذابات
وقتل وقمع ومعتقلات وحرمان!
إلا أن أكثر ما يلفت في هذا الكتاب، لجهة اللحظة الراهنة، أنك تكتشف في
ثناياه أن نظام بشار الأسد ليس سوى فرع آخر من "الحرس الثوري الإيراني".
تعابيره هي تعابير هذا الحرس، بحيث يبرر قتله لمعارضيه بمقولة إيرانية "
تلوّثت أياديهم بالدماء". شبيحته هم أقرب الى الباسيج الإيراني.
في هذا الكتاب وفرة من الوقائع المذهلة. هي تروي قصة شعب إيراني جرى التحكم
به، في لحظة تطلعه الى الحرية المطلقة، ولكنها ، تعتبر في لبنان بمثابة
ناقوس الخطر. صحيح أن "حزب الله" يتمدد ولكن الصحيح أيضا أنه لم يتمكن بعد
من السيطرة المطلقة على العباد، مما يعني أن بدء عملية حقيقية لوضع حد له
ممكنة، وذلك بمواجهة دعايته السياسية والمجتمعية والترهيبية وفضح حقائق ما
يعيشه المواطن تحت سطوته- وهي بدأت تتكشف من خلال بعض المقالات الصحافية
التي خطتها أقلام جريئة جرت محاصرتها تلفزيونيا وإذاعيا- وليس بحوار يتوسله
"حزب الله" لكسب مزيد من الفرص لبسط سطوته أكثر فأكثر على بلد يمكن أن
يستيقظ في لحظة غفلة على فقدان روحه! |