عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية

فارس خشّان

 تعريف: فارس خشّان كاتب ومحلل سياسي لبناني

 


قدر اللبنانيين مع هكذا نصرالله

الأربعاء, 26 أكتوبر 2011

أفهمنا الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أن الرئيس السوري بشار الأسد باق- أقلّه- حتى النصف الثاني من العام 2012، وأن حزبه يتهيّأ لمرحلة ما بعد الأسد لبنانيا وسوريا، وبالتالي فإن كل رهان على سقوط النظام السوري، لدى "الفريق الآخر في لبنان" هو اشتباه ووهم!

وفهمنا من نصرالله ، قولا وممارسة، أن "حزب الله" يتبع تكتيك "داوني بالتي كانت هي الداء"، فهو، بمواجهة الخطر الإسرائيلي يعتمد السلوكيات الإسرائيلية في الدعاية وفي التسلح وفي عسكرة المجتمع، وهو بمواجهة الخطر الأميركي يعتمد الخطة الأميركية لناحية الإستكبار والهيمنة وفرض المشاريع، وهو بمواجهة الركن الثالث من "ثالوث الخطر"، أي "الحركات التكفيرية التي تعتمد القتل والعنف نهجا"، يعتمد السلوكية نفسها، وهذا ما يمكن استنتاجه من قراءة نصرالله للنيات، وإطلاق أحكامه التخوينية على خصومه، وإنزال جماهيره الى الساحة للرد على إهانة تلفزيونية وغزو البلاد في 7 أيار 2008 ، والتهديد بغزوة مماثلة كلما وقف أحد بوجهه، ووصول التحقيقات في ملفات إرهابية عدة ، ومن بينها ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الى توجيه الإتهامات الى كوادر عليا في "حزب الله" بتنفيذ الجريمة.

وأقنعنا نصرالله بأنه بدأ بتطبيق الأنموذج الإيراني في لبنان، فمثله مثل سيّده السيد على خامنئي، تكرّس مرشدا أعلى للجمهورية اللبنانية، بحيث يفرض توجهاته على رؤساء الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الوزراء والوزراء والمؤسسات العسكرية والأمنية والسلطة القضائية، من على شاشة وهو يبتسم لـبتول تذوب ذوبانا في من استضافها طارحة للأسئلة البسيطة والتي ليس بينها إلا تلك التي وافق "المرشد" على الإجابة عنها سلفا.

وأرانا نصرالله كيف تكون الأنظمة الأوتوقراطية ، فهو عبر الشاشة، يبرئ ويدين ويقيم محاكم وانظمة قضائية ويوزع الهبات ويمنع التمويل و"يبيّض" عميلا ويسوّد وطنيا.

ببساطة، فإن  المتهم بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن بريء، لأنه ألقي القبض عليه وليس معه لا مسدس ولا متفجرات، وببساطة فكل أعداء إيران و"حزب الله" متورطون لأن قلوبهم لا تخفق لإرادته، بل هم يهيمون حبا بإسرائيل، وببساطة فإنه ممنوع تمويل المحكمة لأن "حزب الله" يعتبرها باطلة، جملة وتفصيلا!

 وقدّم لنا نصرالله نظامه المثالي، فإلى نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، هناك النظام السوري، حيث يضطر الشعب على حب القائد ألذي يتخذ مواقف لمصلحة "المقاومة"، وبناء على هذا النموذج يجد نصرالله حكومة لبنان في أبهى تجلياتها، فهو يجد في كل ما قامت به، عملا غير مسبوق ، على الرغم من أن أعمالها "مسبوقة ومسبوقة ومسبوقة" ، بدءا بخطة الكهرباء المكررة المعادة وصولا الى تقديم مشروع قانون الموازنة.

ولسوء الحظ ، فإن حسن نصرالله لا يتمتع بالمصداقية، بل بالقدرة.

مصداقيته ، على مستوى ما يثيره من طروحات وما يطلقه من تهديدات معدومة، فهي سقطت مع عدم السير بأي ملاحقة قضائية بالإستناد الى وثائق ويكيليكس، وهي سقطت مع تناسي ملفات شهود الزور، وهي سقطت مع غياب الحديث عن العملاء مع انكشاف فايز كرم و"جواسيس" إسرائيل في ماكينة "حزب الله"، وهي سقطت مع اعتماد جهاز الدعاية التابع له روايات مستعارة من فبركات الدعاية المخابراتية السورية.

وغياب المصداقية يجعل من "حزب الله" حرفا غير مقروء، فهو يتحدث في مكان ولكنه يفاوض في مكان آخر، وهو يهادن في مكان ويتآمر في مكان آخر، وهو يدّعي تعففا عن السلطة ولكنه يعمل للإمساك بكل السلطة.

وبفعل امتلاكه لوسائل تنفيذ مخططاته، فهو يحلّل لنفسه ما يحرّمه عن الآخرين. هو ، على سبيل المثال لا الحصر، يتدخل بالشأن السوري لمصلحة نظام الأسد ولكنه يربك الآخرين إن فكروا بالتدخل لمصلحة الثورة السورية ضد نظام الأسد. هو "يفلسف" وقوفه الى جانب المعارضة البحرينية، بحيث لا تعود مناصرته لها، مناصرة على قاعدة طائفية، ولكنه يتهم غيره بالفتنة الطائفية إن وقف الى جانب الأغلبية السورية. هو يفتح الحدود اللبنانية لمصلحة نظام الأسد، ولكن الويل والثبور وعظائم الأمور لمن يأوي معارضا أو ثائرا أو يقيم معه اتصالا.

قدرة نصرالله عالية، فهو، ولأنه  يقود حزبا يملك وسائل التنفيذ، فإن من يخاصمه يتحوّل الى خائف، ومن يهدده يصبح على لائحة الشهداء المحتملين.

لبنان مع نصرالله كهذا، لن يستفيد من أي ربيع عربي، مهما أخضر ومهما أزهر، فكلما أشرقت الشمس في مكان غيّمت عندنا، وكلما اخضرت في مكان تصحّرت عندنا، وكلما زهّرت في مكان اصفرت أوراق الشجر عندنا.

لبنان مع نصرالله كهذا، سيبقى بعكس السير عن العرب. يوم كانوا بلا حريات كنا نعيش فائض حرية، ويوم تصلهم الحرية ستختنق الحرية عندنا. ويوم كانوا بلا انتخابات كنا نمارس حق الإقتراع ونتفنّن بقوانين الإنتخاب، ويوم ينتخبون ، فإننا سنذهب الى نظام الإستفتاء لمصلحة سلاح "حزب الله". ويوم كانوا يختنقون اقتصاديا وخدماتيا، كنا ننتعش، ومع انفتاحهم على العالم، سوف نختنق.

اللبنانيون مع نصرالله كهذا، لا خيارات كثيرة أمامهم. الثرثرات لا تنفع، فهو ثرثار أكثر من كل الزعماء، والمنابر لا تغيّر مصابا فهو منبري أكثر منهم، والكاريزما لا تصنع التحوّلات، فالكاريزما عنده أقوى من التي عندهم.

خيارات اللبنانيين للحد من خطر مخطط نصرالله محدودة. مواجهته تحتاج الى انضمام لبنان الى الربيع العربي، ولو كانت الكلفة كتلك التي يدفعها ثوار العرب. ثورة الأرز هي ثورة جرى إجهاضها، بالتسويات والتحالفات والشوق الى السلطة والحاجة الى النفوذ والإستسلام للمخدرات اللفظية. ثمة حاجة الى ثورة جديدة.

ثورة لن يصنعها السياسيون بل الشعب التوّاق الى هذا اللبنان الذي يحلم به.

ثورة لا يخاف فيها المسالمون من "البلطجية" و"الشبيحة" و"القبضايات" و"الزعران"، فيتراجعوا، كما تراجع هؤلاء الذين نزلوا مرتين الى الشارع لدعم الثورة السورية واندثروا.

ثورة لا تكون بالنيابة عن غيرنا بل بالأصالة عن أنفسنا لمصلحة أحلامنا. السوري لم يتثورن  من أجل اليمني، واليمني لم يتثورن  من أجل المصري والمصري لم يتثورن من أجل التونسي، و"الغاضبون" في وول ستريت و850 مدينة في العالم لم يتثورنوا من أجل حق المرأة السعودية بالترشح والإقتراع وقيادة السيارة، والليبي لم يتثورن من أجل حقوق البحريني، ولبنان لا يتثورن من أجل السوريين بل من أجل إنقاذ ذاته، من سطوة السلاح على الحريات وعلى الأرواح وعلى القرار السياسي وعلى سلامة المجتمع.

الربيع العربي ينادينا. لا يستطيع اللبنانيون، وحالتهم مزرية، أن يكتفوا بالإفتخار بثورة الأرز التي أجهضت وطواها الزمن، تماما كما يفتخرون في عصر الثورة الإلكترونية  والإبداع الفني باكتشاف الفينيقيين للحرف واللون الأرجواني.

الربيع العربي ينادي اللبنانيين ، لأنه دون ذلك، فإن نصرالله وأمثال نصرالله، سيقضون عليهم، ويتحولون الى بقعة مصحّرة  في الحديقة العربية، تماما كما كانوا يوما واحة في الصحراء العربية

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها