أنظمة زينب
الحصني
الجمعة, 07 أكتوبر 2011
تابعت- كما
الملايين- بدقة موضوع زينب الحصني، الشابة السورية التي اختفت، في تموز
الماضي، وأعلنت وفاتها ، في آخر أيلول الماضي، قبل أن تبعث حيّة على شاشة
التلفزيون السوري، في تشرين أول الحالي !
ولاحقتُ، على الشاشات وعلى يوتيوب على غوغل وعلى الفايس بوك وعلى تويتر
وعلى ألسن العارفين والمعارف والأصدقاء، كل ما فعله النظام السوري في هذه
القضية، ليُظهر أن المعارضة وإعلامها والإعلام المتعاطف معها والمنظمات
الإنسانية والحكومات الغربية، على أنهم إما متآمرون وإما مضللون وإما جهلة،
في حين أن هذا النظام مظلوم ومفترى عليه، فهو بريء...بريء...بريء!
ولوهلة كدتُ أنضم الى من صدقوا رواية النظام وأبدأ بتلاوة فعل الندامة، على
كل ما بدر مني من مواقف مناوئة للرئيس السوري بشار الأسد ولنظامه ولأجهزته
الأمنية، على اعتبار أنها نتاج تضليل المضللين !
ولكن التعمق في الإطلاع على خبايا هذا الملف، حرمني من نعمة الإستغفار،
وأغرقني أكثر فأكثر، في جحيم الإقتناع، بأننا نعاني مواجهة مفتوحة مع
"الأبلسة"!
وقضية زينب الحصني هي "الأبلسة" بعينها!
فجأة تختفي فتاة -مطارد شقيقاها- وهي في طريقها الى التسوّق للعائلة. تبدأ
عملية التفتيش عنها، ولكن لا حياة لمن تنادي. ثمة من يؤكد أنها موجودة عند
الأمن السوري. وبعد أسابيع قاسية يقدم هذا الأمن على استدعاء والدتها،
ويسلّمها جثة محترقة ومبتورة أعضاء منها، ويبلغها بأنها جثة ابنتها زينب.
تنهار الوالدة، بمجرد وصول الجثمان الى المنزل. ترفع الصوت. يستدعي شقيقها
رفاقه الثوار ويطلعهم على ما حصل لشقيقته، فيتم تصويرها وإرسال الأفلام الى
الإعلام وإلى المنظمات الحقوقية العربية والدولية. يفجع الجميع بما
يشاهدون. ترتفع أصوات التنديد. تصبح زينب مثلها مثل حمزة الخطيب رمزا من
رموز الثورة.
يغذي النظام هذه الحملة عليه، بالسماح للموالين له ، بتأكيد مقتل زينب،
ولكن على أن ينسبوا الفعل الى "المجموعات الإرهابية المسلحة"، مما يعطي
مصداقية عالية لهذا الملف !
في اللحظة التي يتأكد فيها النظام السوري أن إسم زينب أصبح على كل شفة
ولسان، يُظهرها على التلفزيون، لتروي أنها حية ترزق وأن الإعلام كاذب مغرض
وأنها كانت مختبئة عند أقرباء لها، وأنها لم تستطع، عند إعلان مقتلها،
التواصل مع عائلتها لأن هؤلاء الحريصين عليها يمنعونها خوفا على حياتها،
ولكنهم يسمحون لها بالذهاب الى الأمن السوري لتفضح زيف الإدعاءات المغرضة !
زينب التي تظهر في المقابلة التلفزيونية ولهانة بوالدتها، كانت ، وفق ما
يمكن الإستنتاج مما قالته ، أعجز من أن تطمئنها على نفسها باتصال هاتفي.
وأقرباؤها الحريصون عليها، كانوا أقسى من أن يضعوا والدتها بحقيقة وضعية
ابنتها!
بدت زينب الحصني المقتول شقيقها والمطلوب رأس شقيقها الآخر والمفجوعة
والدتها، خالية من كل إنسانية ولا تفكر إلا بمصلحة النظام السوري.
والنظام السوري، في تقديمه لزينب الحصني، لم يبد آبها بها، فموضوع العثور
عليها حية ، لا يعنيه سوى على أساس أنه قنبلة ستفجر ما تتمتع به المعارضة
واعلامها والإعلام المتعاطف معها، من صدقية عالية لدى الرأي العام.
غاب عن هذا النظام أنه بتقديمه لزينب الحصني يقدم أدلة تفضحه هو، كنظام خال
من كل مسؤولية ومن كل إنسانية !
مسؤولية النظام تبدأ بأن أجهزة أمنه هو، هي من سلمت جثة محترقة ومشوهة الى
عائلة مدعية أنها هي الإبنة المفقودة. وعلى افتراض براءته من تركيب ملف
مزوّر، فهو متورط بالجهل المانع لأهلية الحاكم، لأنه في عصرنا هذا، أصبحت
معرفة هويات اصحاب الجثث، أسهل من القتل، بدءا بالتصوير الشعاعي وصولا الى
فحص الـ"د.أن.آي".
وهذا النظام متورط باحتقار الإنسانية، فهو، وعلى افتراض براءته أيضا، لم
يظهر أي اهتمام بهوية الِشابة التي قدم لها هوية خاطئة. وهي شابة لها
بالتأكيد عائلة تفتش عنها، ولها أم تبكي عليها، ولها أخوة حائرون وتائهون !
كل همّ النظام السوري تقديم أدلة على ما يريد إقناع الآخرين به: مظلوميته !
لم يسارع الى استرداد الجثة التي دفنت على أساس أنها زينب الحصني، من أجل
القيام بأي فحوص طبية ومخبرية، هي المبتدأ والخبر ، في كل عمليات الطب
الشرعي الضرورية والملزمة !
قصة زينب الحصني هذه، تختصر أسباب الثورة التي اندلعت في 15 آذار 2005!
فالظالم تمادى حتى طال كل المقدسات. إستولى على الحقوق ومدّ يده على
المقدسات. الحياة أغلى من الرفاهية ولكنها أبخس من الروح. الجسد يخضع
لمستلزمات الغرائز وفي مقدمها غريزة البقاء ولكنه ينهار أمام الروح، عندما
يتم استنزاف مكوناتها المنبثقة من العزّة الإلهية، ومن بينها الكرامة
والشرف والمحبة !
تجربتنا المرة،مع النظام السوري و"أشقائه"، تتعمّق كل يوم وجرحنا يكبر كل
يوم، ودمنا ينزف كل يوم، وعجزنا يؤلمنا كل يوم، وحياتنا تتآكل كل يوم،
وروحنا تجرنا الى الثورة كل يوم !
وقصة زينب الحصني، ليست في سوريا فقط ، بل هي في لبنان أيضا، لا بل بدأت
فيه !
بدأت فيه وأنجبت لنا جيلا من السياسيين والقادة الروحيين والدبلوماسيين
والإعلاميين والمحازبين، خاليا من الروح! كرامته في مصالحه! إنسانيته في
مناصبه!
كملف زينب الحصني هو التعاطي مع ملفات الإغتيالات!
كملف زينب الحصني هو التعاطي مع المعارضين السوريين اللاجئين الى حمى بلاد
الأرز!
كملف زينب الحصني هو التعاطي مع السيادة الوطنية !
كملف زينب الحصني هو التعاطي مع دور العائلات الروحية !
كملف زينب الحصني هو التعاطي مع سلاح يستقوي به حزب على شعب !
كملف زينب الحصني هو التعاطي مع دوس الصالح العام !
كملف زينب الحصني هو الإعتراف بالشرعية الدستورية للحكومة الحالية !
وكشركاء في ملف زينب الحصني يكون كل واحد منّا إن صدق أن الطريق الى الجنّة
ممكنة في أحضان إبليس! |