معلولا وأحفاد تجّار الهيكل!
في العام 1990 ، شنّ العماد ميشال عون حربا ضد " القوات اللبنانية"، دارت
رحاها في المناطق المسيحية، وكانت الضحايا، حجرا وبشرا ومقامات، مسيحية
بامتياز!
في العام 1990، شنّ مناصرو العماد ميشال عون هجوما على الصرح البطريركي في
بكركي، حيث عاثوا بالمقر خرابا، واعتدوا على البطريرك الماروني، في حينه،
مار نصرالله بطرس صفير، وأهانوه!
في العام 1990، شنّت كتائب الأسد هجوما على الأديرة في اجتياحها لمناطق
سيطرة عون، فقتلت رهبانا وخطفت آخرين، ممن لم يعد أحد يذكرهم!
لن نزيد!
هذه الوقائع التاريخية الثابتة، تخرج تلقائيا الى الواقع، وأنت تسمع وترى
وتقرأ كيف يهوج العونيون، بدءا بإعلامهم وصولا الى باسيلهم، في الحديث عن
قرية معلولا السورية، التي شملتها، في الأيام لأخيرة ، الحرب الدائرة في
سوريا، بين الثوار،من جهة ، وبين النظام- حليف عون و قاتل رهبان بيت مري
وخاطفهم، من جهة أخرى!
من يستمع الى هذه الموجة العونية، يظن، لوهلة، أن وراءها فعلا من يخشى على
المسيحيين ومستقبلهم!
ولكن، عندما تُزال الأقنعة عمّا فعله خائفو اليوم،بالمسيحيين، بالأمس
القريب ، يمكن للجميع أن يدركوا أنّ سلالة تجار الهيكل لم تنته بعد، بل هي
حيّة تُرزق!
في واقع الأمر، قضية معلولا ليست قضية مسيحية، بل هي قضية سورية!
ومأساة انضمامها الى الحرب، بمواقعها التاريخية وبإنسانها، لا تختلف كثيرا،
مهما حصل- أو بالأحرى إن حصل- عن مأساة جامع خالد بن الوليد في حمص، أو
السوق الأثري في حلب، أو غوطتي دمشق، وكل ذلك على سبيل المثال لا الحصر!
وأهالي معلولا وغيرهم من مسيحيي سوريا، لم يتعاطوا، يوما مع واقعهم السوري
على أساس أنهم مسيحيون، وليس أدل على ذلك، وقوفهم وراء الجيش الأسدي، حين
كان يقصف، بلا رحمة، في لبنان، مدنا مسيحية بامتياز، كالأشرفية وزحلة، وذلك
أيضا على سبيل المثال لا الحصر!
ومسيحيو سوريا، على مرّ النظام الأسدي، لم يتناقص عددهم بمستويات
دراماتيكية، لأسباب عبثية، فالإضطهاد طاول المعارضين منهم، كما طاول أي
معارض ينتمي الى طوائف أخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا بد من ذكر
التنكيل بميشال كيلو وجورج صبرا، وبعدهما بعهد الهندي ورفاقه الشباب، ممن
انتقدوا أداء الحكومة على الإنترنت، وباتوا الآن لاجئين سياسيين، في أوروبا
والولايات المتحدة الأميركية!
ومن بين أهالي معلولا، توجد مجموعات تؤيد الثورة السورية، وقد جرى التنكيل
بهؤلاء، في وقت كان يستخدم بشار الأسد هذه القرية، مستغلا خصوصيتها
الطائفية في هذا الزمن المذهبي، من أجل أن يُلحق خسائر بثوار منطقة
القلمون، ويشد الحصار على حمص من خلال التحكم، عبرها، بطريق حمص- دمشق!
ولقد انتهى الهجوم الأول للثوار، من دون أي تعديات تذكر على أهالي البلدة
الأبرياء- وليس على ثلاثة من عملاء النظام الذين كانوا يكتبون تقارير عن
أهلهم إن أيّدوا الثورة- وانسحبوا من البلدة، مطالبين بتحييدها، لكن النظام
أعاد جيشه اليها، وأعاد استخدامه لها، من دون أن يوفر لها الحماية اللازمة
من عودة تولّاها، هذه المرة، الراديكاليون الإسلاميون وحدهم!
والراديكاليون الإسلاميون الذين يشكلون نسبة من الثوار، هم ضد الضربة
الأميركية مثلهم مثل بشار الأسد ومثل ميشال عون، وتاليا، فهم لا يأبهون إن
وصلت رسالة الى الغرب للتراجع عن الزخم الذي يتوالد لمصلحة الضربة
العسكرية!
لو كان الخائفون عل مسيحيي معلولا جديين في مخاوفهم، لما كانوا، في ظل خروج
البلدة سالمة من الهجوم الأول، قاموا بالتحريض الذي قاموا به ضد الثوار
عموما وضد الراديكاليين الإسلاميين عموما، بل كانوا استغلوا صلاتهم المتينة
ببشار الأسد، ليقنعوه بتحييد هذه البلدة، لا بقصفها، ولا بالدخول اليها
مجددا، ولا بإعلان نشوة قتل العشرات من الثوار!
ولكن هؤلاء لا يأبهون لمعلولا، ولا لناسها، ولا لمقاماتها المقدسة، إذ ينصب
همّهم على كيفية استغلال مآسي الأبرياء في معركة التحريض المذهبي والطائفي،
كما في معركة منع الغرب من ضرب بشار الأسد الذي لم يتوان، عن التعامل مع
ناسه، بالغاز الكيميائي القاتل!
معلولا في القلب، كما كل القرى والمدن السورية!
وخلاصها من خلاص سوريا، الذي يستحيل أن يكون في ظل بطش ديكتاتور لا يعرف
الله بل يستغله، مثل بشار الأسد!
أما مستقبل المسيحيين، فلا يؤمنه الشواذ التاريخي المتمثل بحكم ديكتاتوري،
لأن المسيحية، بدأت على قاعدة تصحيح الشواذ!
أساسا، مشكلة المسيحية الوجودية سببها الإعتماد على ما يناقض طبيعتها
الحرة!
في الغرب، دفعت الكنيسة ثمنا غاليا لدعمها الأباطرة، وفي الشرق تتكرر
الخطيئة نفسها!
من يخشى ، فعلا على مسيحيي الشرق، عليه أن يُنقذهم من قيادات تنطق باسمهم
لتتاجر بهم، لأنّ سوط الناصري، وهو يضرب تجّار الهيكل في أورشليم، لن يتوقف
عن العمل، وهو يرى، كيف يتاجر الديكتاتور، باسمه!
|