الوجه الآخر
لقرار أوباما
فارس خشّان
على الرغم من الإحباط الذي أصاب كثيرين من المتحمسين لتوجيه ضربة عسكرية
الى نظام بشار الأسد، إلا أن قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي قضى
بالحصول على موافقة مجلسي الشيوخ والنواب، لتنفيذ هذه الضربة بالتعاون مع
حلفاء آخرين، وعلى رأسهم فرنسا، قد تكون له أوجه إيجابية، وقد يؤدي الى
مسار خال من السلبيات التي كان يهجس بها، هؤلاء المتحمسون أنفسهم!
قبل ساعات من الضربة ، بالتوقيت الذي كان محددا لها، كان المتحمسون لها،
يتحدثون عن خشيتهم من أن تكون مجرد ضربة رفع عتب، ولا تُحدث تغييرات
ميدانية من شأنها أن تضعف نظام بشار الأسد، كما يتمنون، وهو الأمر الذي
سيعطي الرئيس السوري، مبررا ليكون أكثر عنفا وعدائية!
وقد عقدت اجتماعات كثيرة، على أكثر من مستوى، من أجل دراسة الأسلوب الواجب
اتباعه، ميدانيا، للتخفيف من حدة الإحتمالات السلبية، وبدا أن الرهان
الأكبر، هو على الميدان، أي على الجيش السوري الحر، الذي وضع خطة عاجلة-
ولكن غير مضمونة- لحصد إيجابيات من الضربة العسكرية " الخاطفة والمحدودة".
وكان واضحا للجميع، أن باراك أوباما ذاهب الى الضربة العسكرية، وهو مكبّل،
الأمر الذي جعله يكثر من إرسال الضمانات الى "حلفاء النظام"، حتى يضمن عدم
حصول مضاعفات لا يريدها لضربة لا يستطيع عدم القيام بها!
كان مكبّلا، باستطلاعات الرأي العام الأميركي التي لا تعطي أكثرية مؤيدة
للضربة، وكان مكبّلا، بإعلام، بدا هاجسه في السنة الأخيرة على الأقل،
انتشار الراديكاليين في سوريا، ولا سيما منهم المرتبطون بتنظيم القاعدة،
وليس جرائم بشار الأسد، وكان مكبّلا بنهج فكري أرساه ضد التدخل العسكري في
الخارج مما أحيا " الإنعزالية الأميركية"!
ولهذا بدا كثير من المتحمسين للضربة العسكرية غير مطمئنين لنتائجها، حتى ان
البعض ذهب الى حد اعتبار أن الضربة العسكرية ستكون أسوأ من اللاضربة!
ولهذا السبب، وعلى الرغم من صيحات الإنتصار التي رفعها الأسديون، منذ قرر
أوباما العودة الى المجلسين، فإن الآتي، من الآن حتى حلول عيد ميلاد بشار
الأسد، المصادف للذكرى السنوية لهجوم الحادي عشر من أيلول، لن يكون بسيطا
على الإطلاق، وقد تكون له انعكاسات أكثر كارثية على النظام السوري ورئيسه!
لندقق بما سوف يكون:
منذ بدأ حديث الإدارة الأميركية عن إمكان توجيه ضربة الى نظام بشار الأسد،
بسبب استخدامه الكيميائي، على نطاق أوسع، ضد شعبه في غوطة دمشق، إرتفع
مؤيدو ضربة أميركية ضد سوريا- الأسد، أكثر من عشر نقاط. وهذه نسبة، من
المتوقع أن ترتفع أكثر، وبوتيرة سريعة، لأن وسائل الإعلام الأميركية، على
اختلافها، سترفع الملف السوري وما قام به نظام الأسد ضد شعبه، الى مرتبة
الإهتمام الاولى!
ومن يعرف طريقة تكوين الأميركيين لقراراتهم، يستطيع الجزم، بأن وسائل
الإعلام تلعب دورا حاسما في هذا المجال.
ودخول باراك أوباما، للمرة الأولى، الى مضمار إعلان العداء لبشار الأسد
ولنظامه، مع اتخاذ موقف حاسم بوجوب توجيه ضربة عسكرية ضده، لما فيه مصلحة
الولايات المتحدة الأميركية وصدقيتها وتفوقها، سيدفع بالكثيرين الى تحديد
موقعهم، من سوريا!
ومعلوم أنه منذ اندلاع الثورة السورية، اتخذ باراك أوباما مواقف " رخوة" من
بشار الأسد، ومواقف " مبهمة"، لا بل كان ، حتى الأمس القريب، وكلما تحدث عن
سوريا، أثار مخاطر التدخل العسكري على بلاده، متجنبا كل إشارة الى
إيجابياتها.
هذه المرة إختلف الوضع.لقد حسم موقفه. هذا يعني أنه أتى بناخبه الى جانبه.
وفي حال تمكن من أن يجذب ممثلي الشعب الى جانبه أيضا،وفق المتوقع، فهذا
يعني أنه سيذهب الى الضربة العسكرية، واثقا بشعبه وتاليا بنفسه، مما يُحصّن
الضربة العسكرية من جهة، وتداعياتها المستقبلية، من جهة ثانية!
وفي هذا السياق، لن يكون أوباما مكبلا بالمخاوف من ردات الفعل السلبية،
سياسيا وميدانيا، ويتيح له التقليل من تعليمات " الحذر" التي، تنتج، في
الدول الديموقراطية، انعدام الفاعلية.
وبناء عليه، فإن باراك أوباما، القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، لن
يكون مع قرار إيجابي من الكونغرس في ظل نسبة إيجابية من الرأي العام
المؤيد، هو نفسه باراك أوباما الخائف من محاسبة سياسية لتفرده بالقرار، ولا
من غضب شعبي، لأنه قام بما لم يكن حائزا على موافقة الرأي العام!
ووفق المراقبين، قد يكون مستحيلا أن يلقى أوباما في الكونغرس مصير رئيس
الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مجلس العموم البريطاني، لأن هناك فرقا
في تحضير الرأي العام لقرار الضربة.
أوباما بنى قضية متكاملة مع أدلتها وحدودها وأهدافها ومداها وأسبابها
الموجبة قوميا،وجذب الإهتمام إليها وطلب التصويت عليها، بعد إعطاء النقاش
مداه. كاميرون، استدعى النواب من عطلتهم، وطرح عليهم موضوعا مفاجئا نسبيا،
في ظل رأي عام كان يطرح الأسئلة من دون أن يحصل على أجوبة، ولا سيما منها
المتعلقة بمصلحتهم من وراء الذهاب الى ...الحرب!
وهذه السلوكية الأوبامية، قد تترك انعكاسات حادة على بشار الأسد!
لنتخيّل بشار حاليا!
إنه كالمتهم الذي كان ينتظر الحكم الذي سيصدره القاضي بحقه.
وصل القاضي. بدأ قراءة الحكم. كان المتهم واثقا بأنه حكم سيدينه بتردد
وبعقوبة مخففة. كان في وضعية التقبل. فجأة، أدانه القاضي بشدة هائلة، ولكنه
أعاد فتح المحاكمة، وطلب من الأفرقاء العودة الى مرحلة المرافعات!
هذا المتهم، يعود الى مقر إقامته. محاموه يطمئنونه،رفعا للمعنويات، بأن ما
حصل لمصلحته، ولكن هو يعجز عن النوم، فالإدانة وقعت، ولكن من يضمن أن
العقوبة لن تتشدد. هو في السابق، كان واثقا من عجز المجتمع الدولي، حتى على
مستوى إفرادي، من التدخل العسكري في سوريا، وكان واثقا بأن نقل التهمة الى
جبهة النصرة، أعفاه من كل إدانة.
الموضوع اختلف. كل البنيان الدعائي الذي بنى عليه ثقته بالبراءة والإعفاء
من العقاب تهاوى. الآن، ثبتت التهمة عليه. إدانته أصبحت أمرا واقعا.هو
ينتظر حاليا، العقوبة!
بالنسبة إليه، ليس في هيئة المحكمين التي هي الكونغرس، من يرافع لمصلحته.
هناك غير مهتمين، وهؤلاء، بسبب وصول الموضوع الى أولوية الإهتمام، سيهتمون.
هناك من يؤيدون اوباما الذي انتقل من حالة اللا إهتمام الى حالة التورط،
وبالتالي هم كذلك. وهناك الصقور الذين يطالبون برأسه!
هذه الفترة عصيبة على المتهم!
كان يفضل أن تقع عليه العقوبة التي يتوقعها، في ظل شكوك بتجريمه، لأنه
سيكون قادرا على تمييز الحكم، والإستفادة لاحقا من "ظلم" العقاب من دون
قناعة شاملة!
في الفترة الفاصلة، لن يعرف بشار الأسد طعم النوم، على اعتبار أن مرحلة ما
بعد العقوبة، ستكون أقصى عليه من العقوبة نفسها!
بالنسبة للأميركيين الذين يتأثر بهم كثيرون في الرأي العام العالمي، سيكون
مضطرا أن يتصرف بعد القرار، على أساس أنه هو من أصحاب السوابق، وليس
الإدارة من ممارسي الظلم.
إذا كان لدى بشار الأسد من يعرف التاريخ، سيخبره أن أوباما مثله، مثل
الرئيسين الأميركيين في الحربين العالميتين الاولى والثانية. طالما امتنعا
عن الدخول في الحرب، ولكنهما حين حزما أمرهما، حسما اتجاه الكونغرس و...
الحرب أيضا!
أما المعارضة السورية- بشقيها السياسي والعسكري- فإن فترة الإرجاء ستكون
لمصلحتها تحديدا،لأنها ستعطيها المجال لإعادة درس خطة الإفادة من الضربة،
والتهيؤ لها، معنويا ولوجستيا وتدريبا وتسليحا!
للمرة الأولى، وقبل التاريخ المتوقع للضربة المرجأة بثلاثة أيام، أبلغ "
الإئتلاف" السوري المعارض عن اتخاذ قرار، على مستوى أكثر من دولة أوروبية
وعربية، بتزويد مقاتليه أسلحة طالما سعى إليها، وأن هذا القرار، يجري
تنفيذه فورا!
ولكن التنفيذ الفوري، يُخرج الأسلحة موضوع القرار من مخازنها، ولا يوصلها
الى أيدي الثوار الذين جرى اختيارهم، بدقة، إلا بعد أيام!
وهذا يعني، أن إرجاء الضربة قد يكون في مصلحة المعارضة، لأنها ستكون قد
تمكنت من إيصال السلاح الجديد الى وحداتها المقاتلة، مما يعينها على التحرك
الميداني،وفق خطة أعيدت دراستها وجرى استيعابها، للإستفادة استراتيجيا، من
الضربة التي ستتسبب، على الأقل، بالإرباك الشديد لوحدات بشار الأسد
وميليشيات الحرس الثوري الإيراني.
ولكن، يبقى السؤال : ماذا لو لم يوافق الكونغرس الأميركي؟
هذا لن يحصل، يؤكد كثير من العارفين بصناعة القرار في الولايات المتحدة
الأميركية.
ولكن، لنتخذ أفضل سيناريو عند بشار الأسد، وهو عدم الموافقة!
طالما، أنه كان يعتبر ان الضربة لن تنتج شيئا يضر به، بل سيخرج منها أقوى،
فهذا يعني أن عدم حصول الضربة العسكرية، بشروطها السابقة، ليست لمصلحته.
وفي هذه الحالة، فإن تمادى في الإجرام، فهو يدرك أن العين الدولية ، أصبحت
حمراء، وكل الرؤساء في الدول الأساسية، سيستفيدون من أي تماد ميداني، من
أجل العودة الى قرار ضربه!.
وتكبيل يديه عن التمادي بالإجرام، يعني التوقيع على عجزه في حسم الحرب
المفتوحة على المعارضة لمصلحته، كما يعد نفسه، مما سوف يتسبب بخسارته على
المدى المتوسط.
وفي هذه الحالةأيضا، فإن التعويض على الخسائر البرلمانية، سيكون من خلال
دعم غير مسبوق للجيش السوري الحر، تسليحا وتمويلا، مما يقدم لهذا الجيش قوة
غير متوافرة لديه حاليا لمواجهة الترسانة التقليدية الموضوعة في مواجهته،
الأمر الذي سيؤدي في المدى المتوسط الى تقدمه!
وفي انتظار القرار الأميركي الكبير، فإن الجيش السوري الحر سوف يعزز
ترسانته النوعية، وبشار الأسد سوف تتجدد عليه عروض مغادرة السلطة، وفق
تسوية مقترحة حاليا على الروس!
وفي هذا ثمة حاجة الى استذكار القول القرآني الخالد:وَعَسَى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
)البقرة:
|