الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

ادغار يزبك

edgard@email.com

 "هيئة الثقافة السريانية" ثورة مؤقتة أم ثروة دائمة؟

16/12/2005

بقلم: هنري بدروس كيفا

 

الصيف الفائت وأثناء تحضيري لمحاضرة بعنوان "هويتنا الآرامية عبر التاريخ" تعرّفت على أعضاء " هيئة الثقافة السريانية" الذين أبدوا إهتماماً وحماساً كبيرين بموضوع المحاضرة وساعدوني من ناحية التجهيز والمكان وإلخ ...

اليوم وخلال وجودي في لبنان , سنحت لي الفرصة أن أتعرف عليهم عن كثب . فلقد دعاني الأخوة في الهيئة إلى المشاركة في إحدى الحصص التعليمية للغة السريانية . فلبيت الدعوة بكل سرور ولكم كانت دهشتي كبيرة لدى مشاهدة عطش ولهفة الشباب اللبناني المسيحي للتعرف إلى لغة أجدادة " السريانية " .

خلال الدرس أثر إنتباهي بعض المواضيع وأهمها :

أ-لقد إندهشت كثيراً , إذ أن أعضاء هيئة الثقافة السريانية ليسوا " ضليعين أو معلمين محترفين " باللغة السريانية لكنهم يحاولون بشتى الوسائل المتاحة لهم من كتب وقواميس وكمبيوتر لتعليم اللغة السريانية مجاناً تعلموها مجاناً يعلموها , المدهش أن البعض منهم لا يزال يتقدم في تعلّمها بهدف تعليم الآخرين .

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا , هو : كم من الأخوة السريان الآراميين الذين يجيدون اللغة السريانية , يعملون لتعليمها , ونشرها ؟

أتمنى على كل سرياني آرامي يجيد اللغة أن يعلمها بين الأوساط السريانية التي أستعربت ونسيت جذورها الآرامية .

ب- كان الطلاب من الجنسين , وعددهم إثنى وعشرين أي على عدد أحرف الأبجدية السريانية , وهم في رعين الشباب بحيث تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشر والخامسة والعشرين  

ج-قبل البدء بالدرس , ضجة خفيفة وهمسات , وما أن يدخل المدرّس حتى يخيم الصمت   على قاعة التعليم . إحترام فائق لهفة للعلم عطش للمعرفة : الأفواه مقفلة , الآذان صاغية , العيون مسمّرة بالمدرّس . يتعلمون الأحرف السريانية بلذة . طُلب منهم كتابة أسمائهم ولأول مرة فشرع كل منهم يكتب إسمه بلغة أجداده وكم كانت فرحتهم كبيرة إذ استطاع كل منهم القيام بما طلب منه

. د-يُقال إن شبابنا غير منضبط , لكن هؤلاء أظهروا عكس ذلك , إذ أبدوا إنضباطاً كبيراً ,  أبدوا إستعدادهم للتضحية بأوقاتهم لتعلّم لغتهم الأم وتراث أجدادهم " من له أذنان سامعتان فليسمع " .

لا يسعني هنا سوى أن أقدم احترامي وتقديري لهؤلاء الشباب الذين يظهرون القدوة لمتعطشي العودة إلى جذورنا . 

هـ-وكم هو عتبنا كبير بحيث أصبح القداس السرياني بأكمله لا يحتوي سوى " الكلام الجوهري " باللغة السرياينة . في وقت يزدادا عدد الكنائس التي تفضل تلاوة صلاة " الأبانا " بلغة أبائها السريانية . يجب التوقف عن " تعريب " القداس والصلوات والتراتيل السريانية . فكيف نحافظ على تراثنا ولغتنا وألحاننا السريانية إذا عرّبنا القداس ؟

و-أمنيتنا أن يتعلّم أطفالنا أيضاً لغة أجدادهم المقدسة ! ولما لا يتعلموها في المدارس ساعة واحدة أسبوعية تكون كافية , البرنامج الدراسي يسمح بذلك , المشكلة ليس مشكلة وقت أو إمكانية لكنها مشكلة الرغبة . علماً أن التلامذة في أوروبا يتعلمون اللغات القديمة كاللاتينية واليونانية وغيرها فلما لا يتعلم أطفالنا لغة المسيح المقدسة . إليس من المنطق أن يتعلّم أطفالنا لغة أجدادهم وهم صغار ؟

ز-أعضاء " هيئة الثقافة السريانية " , يحاضرون دائماً عن تاريخ شعبنا وهويته ولغته السريانية , ويتابعون كافة المحاضرات والنشاطات التي تتعلق بتاريخنا ومصيرنا .

إيمانهم بالتاريخ الأكاديمي يجعلهم يناقشون الموضوع بكل علمية فهم لا يكتفون بالمعرفة فقط – بصراحة أن أغلبية المثقفين السريان يعتبرون أن المعرفة وحدها كافية – أما هم فلا , بل يحاولون جاهداً العمل على إظهار الحقيقة كما هي . 

-طلب مني الأخوة في " هيئة الثقافة السريانية " أن أحضر إجتماعم الدوري فلبّيت الطلب مسروراً .

كنا جالسين نتحدث وإذ بهم يقفون فجأة , فهمت أن عليي الوقوف أنا أيضاً , وكم كانت دهشتي كبيرة عندما بدأوا بتلاوة صلاة " الأبانا " باللغة السريانية . وعلمت لاحقاً بأنهم لا يبدأوا إجتماعهم قبل تلاوة " الأبانا " وطبعاً بالسريانية .

كم تمنيت أن تكثر في مجتمعنا السرياني الجمعيات والهيئات التي ترعي بتعلم اللغة والثقافة الآرامية كما تفعل " هيئة الثقافة السريانية " .طوال الاجتماع بقيت ساكناً استمع إلى مناقشاتهم ومشاريعهم . كنت بين الحين والآخر أتأملهم, معظمهم غير متأهلين وغير مرتبطين مما يسمح لهم بالعطاء دون حساب أو مقابل . فلا شك أن إرتباطاتهم المستقبلية سوف تبعدهم عن ميادين العطاء . لقد حملوا مشعل اللغة والهوية السريانية الآرامية عالياً . قهم أشبه بفريق رياضي له محبيه ومشجعيه . فالرياضي يحمل المشعل لمسافة , ويسلّمها لآخر وهنا نحب أن نؤكد لإعضاء " هيئة الثقافة السريانية " أن الكثيرين من الشباب السرياني الغيورين سيحملون بدورهم ذلك المشعل . فيا سريان العالم تابعوا وشجعوا " هيئة الثقافة السريانية " وكل هيئة أو مجموعة تعمل لتعليم أو لنشر تاريخنا العلمي .

أخيراً السؤال هو ما تأثير " هيئة الثقافة السريانية " في المجتمع المسيحي اللبناني ؟  

لا شكّ أن المجتمعات المسيحية تكره عبارة " ثورة " فهي تنظر إلى الثورات بعين مشككة , ألم تأكل الثورة الفرنسية أبنائها ؟

ألم تعمّ البلدان النامية ثورات تحت راية النهضة والتطوّر لكنها في المقابل حوّلتها إلة مجتمعات أشد تخلفاً ! ؟

أما " هيئة الثقافة السريانية " هي ثورة من نوع آخر فهي ثورة فكرية ترفض التقاليد البالية والتاريخ المزيف .

إنها ثورة فكرية فاعلة رافضة أن تذوب هويتنا وتعمل على إحيائها . بعض المجموعات ترفض التزويب والتعريب ولكنها للأسف تكتفي بترداد عبارة " نحن لسنا عرباً " بينما " هيئة الثقافة السريانية " تعمل لإحياء الهوية السريانية الآرامية وكما يردد الدكتور اندره كحالة في كتاباته العديدة إذا سألت شاباً أرمنياً عن قوميته فهو لا يقول " أنا لست عربياً " بل يقول بكل بساطة " أنا أرمني ". 

لا بدّ من الانتظار لمعرفة مدى تأثير " هيئة الثقافة السريانية " في المجتمع المسيحي اللبناني , فالزمان وحده كفيل بالسماح لنا بمعرفة ما إذا كانت هي ثورة دائمة أم غيمة صيف عابرة . ولكن في كل الأحوال هي " ثروة " لمجتمعنا المسيحي لأنها بعيدة عن السياسة والمآرب الشخصية .

ملاحظات أخيرة :

1- معظم أعضاء " هيئة الثقافة السريانية " ينتمون إلى الكنيسة السريانية المارونية . 

2- يشدد الأخوة على أنهم ليسوا الوحيدين على الساحة , فهم يذكرون جهود الأب جورج كامل الذي يعلّم اللغة السريانية في كنيسة مار يوسف برج حمود , وكذلك وجود   " جمعية أصدقاء اللغة السريانية " ومركزها في منطقة الروضة , وهم على تعاون وتنسيق دائمين مع جميع المهتمين باللغة السريانية .

3- يتمنى الأخوة العمل مع قناتي " تيلي لوميار " و " نور سات " من أجل نشر المعلومات الصحيحة عن هويتنا وتراثنا ولغتنا السريانية .

4- حالياً , لديهم مشاريع عديدة , لا يمكنني الأفصاح عنها حالياً فرجاءً تابعوا نشاطاتهم المستقبلية .

5- إلى ساميا , جانيت , طوني , اندريه , أمين , ادغار , جورج , رامي , جهاد , جوزف والآخرين ...

أرجو منكم أن تسامحوني فأنتم مفخرة لنا , ونحن متأكدون إنكم لن تناموا على أمجادنا الغابرة . فإن تضحياتكم اليوم هي خطوة أولى في رحلة الألف ميل , ونحن متأكدون أنها ستخلق جيلاً جديداً من الشباب الذي سيحمل مشعل هويتنا السريانية عالياً مثل ما تفعلون الآن .

ربما بعد عشرين أو ثلاثين عاماً تستطيعون أن تفتخروا بأنكم حملتم هذا المشعل وبأنكم أول من شقّ الطريق , تابعوا ثورتكم الفكرية الشباب السرياني يراقبكم ويتمثل بكم .

شكر العالم كله لا يعبر عن شكرنا لكم .

رابطة الأكاديميين السريان الآراميين تقول لكم كلمة واحدة " شكراً " .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها