الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

ادغار يزبك

edgard@email.com

نحن شعب أرادوا الغائه

17/9/2004

السادة مجلة فينيسيا الاخبارية المحترمة

السادة اسرة التحرير

 بداية نشكر مجلة فينيسيا على رسالتها الصحفية التي تقوم بها على أكمل وجه، وهذا ما يتجلىّ في تنوّع وغنى مواضيعها كما بنقلها الواقع اللبناني واهتماماته بشقيه المقيم والمغترب، مما يجعلنا نترقب نحن المقيمين اسبوعيًا صدورها الكترونيًا، كما نرسل لحضرتكم رسالتنا هذه متمنين من حضرتكم نشرها على صفحاتكم الكريمة.

وشكرًا

قرأنا في العدد رقم 36 بتاريخ 9 ايلول 2004 مقال للدكتور سعدي المالح بعنوان ”متى يعود الموارنة الى جذورهم السريانية“ اصابنا هذا المقال المشكور بحسرة ولكن لم يضرب بنا اليأس، لماذا ؟

لأننا نعرف مشكلتنا ونعمل على حلّها.

 بداية نكرر حقيقة مخيفة اختصرها سكرتير الخارجية الاميركية الراحل كورديل هال بقوله ”إذا أردت أن تلغي شعبًا تبدأ أولاً بشل ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه، ثم يكتب له طرفاً آخر كتباً أخرى ويعطيه ثقافة أخرى ويخترع له تاريخًا آخر... عندها ينسى هذا الشعب من كان وماذا كان والعالم ينساه أيضًا...“                

  مشكلتنا او قضيتنا أننا شعب، أرادوا الغائه، فبدأوا بتنفيذ مخطط يقضي بتغيير هويته، عبر محو ذاكرته وكتابة تاريخ أقل ما يقال عنه بأنه مزوّر، وأصبحوا بالمراحل النهائية من مخططهم، ويتضح ذلك عند قرأتنا لمقال الدكتور المالح فعنون قائلاً ”متى يعود الموارنة الى جذورهم السريانية“ معبرًا عن غصته، ويقول في صلب الموضوع ”لكن الموارنة فقدوا بالتدريج الهوية القومية السريانية...“ طبعًا فقدوا هذه الهوية تدريجيًا ولكن ليس نتيجة قرار اتخذوه بأنفسهم او بسبب حبهم لنهضة الحضارة اللغوية العربية أو بسبب توقهم لهوية جديدة، بل نتيجة أحداث تاريخية أصابة منطقتهم وكانت مفصلية عليهم نورد بعضها على أهميته:

 كما هو معلوم فان البلاد الممتدة من سوريا ولبنان وفلسطين وصولاً الى العراق كانت تعرف ببلاد الآراميين، ومع بدء البشارة المسيحية تَنَصَّر قسم من شعوب هذه البلاد فأصبحوا يعرفون بالسريان؛ مع بداية القرن الرابع الميلادي بدأت البدع بالظهور بين المسيحيين مما أدى الى عقد العديد من المجامع المسكونية، كان أهمها المجمع الخلقيدوني الذي إنعقد في العام 451 بهدف تنظيم الكنيسة ومحاربة البدع، كل ذلك أدى إلى إنشقاقات طالت جسم الكنيسة، على خلفية لاهوتية، ولكن بالحقيقة أتت جراء نعرات قومية وطنية هدفها مقاومة المستعمر الأجنبي (الروم).

  في القرن السابع كانت المنطقة منقسمة لعدة كنائس قومية: الأقباط في مصر، كنيسة الشرق (الأشوريين) في بلاد فارس، الأرمن في أرمينيا والسريان في بلاد السريان وهم بدورهم يقسمون الى سريان أرثوذوكس وسريان موارنة؛ في هذا الجو من التشتت والانقسامات والضياع إضافة إلى الحروب الطاحنة الخارجية، حدث الغزو العربي الاسلامي، هذا الحدث المفصلي في تاريخ المشرق دفع بعض الرازحين تحت النير البيزنطي للترحيب بهذا الغزو، فأتت النتيجة كارثية: الذبح أو الأسلمة، الاقتلاع والترحيل أو العيش بالذمّية، وآخرين دفعهم ايمانهم الى النضال والمقاومة رغم محاولات الإلغاء والتعريب ومحو للثقافة واللغة، فحافظوا على ثقافتهم ولغتهم وتقاليدهم، هم سكان جبل لبنان ومن لجأ إليه من طالبي الحرية والإيمان.

 مع الحكم الاموي والعباسي والفاطمي والمملوكي والعثماني تم تعريب وأسلمَتْ جميع بلدان المنطقة أما من بقي فيها من مسيحيين عومل كذمّي، فكان مواطن من الدرجة الثانية، يدفع الجزية، محروم من حقوقه المدنية والسياسية، ممنوع من ممارسة الوظائف العامة حتى أنهم ألبسوا ملابس خاصة وكان ممنوع عليهم بناء الكنائس أو ترميمها وعليهم تلاوة صلواتهم بصوت منخفض؛ في هذا الوقت كان لبنان النقطة الوحيدة التي يوّجد فيها مسيحيين أحرار، فلم يدخر المحتل جهدًا من أجل تغيير هذا الواقع، فبدأت القبائل العربية منذ العام 758 بإستيطان الشاطىء اللبناني من أجل نقل المعركة الى الداخل وهذا ما حصل فعلاً واوصلنا الى ما نحن عليه الأن.

 في نهاية القرن الحادي عشر بدأت الحملات الصليبية بهدف تحرير الأراضي المقدسة، واكبها تعاطف المسيحيون معهم فساندوهم بمحبة أخوية، دفعوا ثمنه غاليًا بعد إنسحاب الصليبيين من تهجير جديد وحملات عسكرية مؤلمة على جبل لبنان متتالية الى أن قام المماليك في العام 1305 بحملتهم الكبرى التي ادت الى سقوطه.

 مرحلة السقوط هذه تميزت بتلاحم وارتباط وثيق بين الكنيسة والشعب مما مكنهم من تخطي الظلم الذي قاسوه وتجاوز المحنة؛ ومع الحكم العثماني تابع السريان الموارنة نضالهم وصولاً الى العام 1526 حين عقدت بين الملك الفرنسي فرنسوا الأول والسلطنة العثمانية معاهدات ذات طابع اقتصادي وتجاري وسياسي وديني، هذه المعاهدات جعلت فرنسا مؤتمنة على حماية الكاثوليك في السلطنة، شهدت هذه المرحلة نهضة عند المسيحيين في جميع الميادين روحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، أطلّوا على العالم وشكلوا علامة فارقة في هذه البقعة المظلمة منه، إن بطريقة عبادتهم أو تقاليدهم وحتى علومهم، فتَمَّيز لبنان وطبع بهم فكانوا أعمدته الأساسيين مع الامارة المعنية والشهابية؛ ومن خلال بوابة لبنان توافدت الإرساليات إلى الشرق وقامت برسالتها، وكانت مساهمتهم أساسية بتطويره على جميع الصعد.

 بعد هذا العرض التاريخي نرى لماذا لم يندمج السريان الموارنة بمحيطهم العربي المستحدث، ولم يقرّوا بإنتمائهم العربي، فهم لم يفقدوا هويتهم نهائيًا ولم يرتضوا بشيء آخر يلصق زورًا بهم، فنراهم ما زالوا مميزين في هذه البقعة من العالم، يتكملون ولو بالقدر اليسير لغتهم السريانية ليس فقط اثناء الذبيحة الالهية، بل أيضًا في حياتهم العادية.

  أما عن تساءل الدكتور المالح ”وفي العقود الاخيرة ركزت الأحزاب السياسية المارونية على الهوية المسيحية أكثر من الانتماء القومي...“ فذلك مردّه لكون الهدف أو العنوان الرئيسي للحرب الأخيرة التي شُنت على لبنان هو تغيير هويته عبر اقتلاع المسيحيين منه، لذلك وقف هؤلاء وقفتهم التي عودوا العالم عليها كمسيحيين من كافة المذاهب، بل أكثر من ذلك مسيحيين من كافة الدول المشرقية (ولا ننسى تشجيع المرحوم بطريرك الكلدان روفائيل الأول بيداويد لأبناء طائفته بالنزول والدفاع عن لبنان) فصمدوا لمنع تحقيق هذا الهدف، وبالنسبة لهم جميعًا هويتهم الدينية هي أساس هويتهم القومية، اذ أنهم سميوا سريان بعد تنصرِّهم فأصبحتا كلمتين متلاصقتين، وبعد الحرب المستمرة زيولها ليومنا هذا ما زال هناك مقاومة والكثير من محاولات الاستنهاض لكنها محاولات فردية غير منظمة مع أن البعض آثر الاستسلام واليأس وذلك مردّه إلى ”المنتصر هو الذي يكتب التاريخ“ ونحن لم ننتصر؛ لكن الشيء الايجابي الملفت، رغم ذلك، هو النمو المضطرد لحقيقة الأصل السرياني الواحد لكافة طوائف مسيحيي المشرق من سريان أرثوذوكس وأشوريين وسريان موارنة وكلدان وسريان كاثوليك، انتجت لغاية الآن مجموعة مؤلفة من كل هؤلاء هدفها نشر التاريخ الحقيقي وتعليمه وتشجيع تعلّم اللغة السريانية والعودة الى الجذور ثقافيًا، قوميًا، فنيًا وتراثيًا...

                 واخيرًا نشكر لك دعوتك أيها الدكتور الفاضل متمنين للعين أن ترى والأذن أن تسمع.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها