إنفلونزا الخنازير وباء جديد يدق ناقوس الخطر
090428
أستاذ في علم الأمراض وأخصائي بايولوجي الدم
مستشفى براكوبس الجامعي- بروكسل-
في السنوات الماضية إنتشر مرض فايروسي قاتل ومعدي ينتقل من الطيور
الى الإنسان سميّ بمرض " إنفلونزا الطيور " حيث أصاب الكثير من
الناس وفي بقاع مختلفة من العالم. كان هذا المرض حصيلة تحورات جينية
حصلت في كيان فايروس إنفلونزا الطيور حيث أصبح قادرا على إصابة البشر
والإنتشار بينهم. لم يهدأ بال العالم من هذا المرض المخيف ولم
تستكن منظمة الصحة العالمية من إجراءاتها وتحوطاتها من أجل السيطرة
عليه وإحتوائه حتى حصلت ضجة إعلامية كبيرة اليوم معلنة ولادة مرض
جديد معدي وفتاك سميّ بـمرض " إنفلونزا الخنازير". تنتقل فيه
فايروسات الإنفلونزا من الخنازير الى الإنسان ومن ثم من الإنسان الى
الإنسان وتسبب له أعراضا مرضيّة حادة قد تكلفه حياته.
أكدت منظمة الصحة العالمية على لسان رئيستها السيدة " مارغاريت شان"
على وجود إصابات وحالات مرضية ووفيات بسبب هذا المرض الوبائي الجديد
الذي يتميز بشراسته وإمكانية فتكه بالإنسان حتى الوفاة، مما يثير
الفزع بين الناس ويجعل السلطات الصحية المحلية والعالمية في حالة
تأهب ومراقبة. ظهرت الإصابات الأولى بهذا المرض في المكسيك وذلك ضمن
ثلاث مواقع معلومة وهي : الموقع الأوّل في العاصمة المكسيكية "
مكسيكو ستي" حيث أعلن عن وفاة 20 شخصا جراء هذا المرض في أول بيان
صدر عن الجهات الصحية المكسيكية. والموقع الثاني في الوسط وبالتحديد
في "سان لويس بوتوسي" حيث أعلن عن 24 إصابة بينها 3 حالات وفاة،
والموقع الثالث في مدينة "مكسيكاني" الواقعة على الحدود المكسيكية
الأمريكية. كما أن هناك ما يزيد عن ألف وستمائة حالة مشتبه بها
وتنتظر نتائج التحاليل المختبرية، بينما تتوارد الأنباء على أن
أعداد الإصابات والوفيات بهذا المرض في تزايد مستمر مع مرور
الزمن.
يبدو أن هذا الوباء قد تسلل من المكسيك الى الولايات المتحدة
الأمريكية حيث أكتشف عدد من الحالات غير قاتلة في مدينة كليفورنيا.
كما أن ثمة حالات مشتبه بها في مدينة تكساس ونيويورك ، حيث أحتجز 75
طالبا يشكون من علامات المرض لحين التحقق من نتائج فحوصاتهم. كما
أظهرت التحاليل المختبرية بأن نوعية الفايروس المسؤول عن المرض في
الولايات المتحدة هو نفسه الذي يسبب وباء إنفلونزا الخنازير في
المكسيك. وهنا تثار الأسئلة حول طبيعة هذا المرض وإمكانية إنتشاره في
سائر بقاع العالم خصوصا بعد توارد الأنباء عن حصول إصابات وحالات
مشتبه بها في كل من كندا ونيوزلندا وأسبانيا وبريطانيا وفرنسا
والسويد والدانمارك والبرازيل وبيرو وكولومبيا وإسرائيل وأستراليا
وغيرها من الدول. الأسئلة التي تطرح من قبل الناس تدور حول طبيعة هذا
المرض وحول نوعية الفايروس المسؤول وسبب شراسته، وعن طرق الوقاية منه
وإمكانية العلاج إن حصلت الإصابة. الخنازير، كالإنسان وكسائر
الحيوانات الأخرى، قد تصاب بمرض " الإنفلونزا " وهو مرض تسببه
فايروسات خاصة. هذه الفايروسات لا تنتقل من الخنازير الى الإنسان
إلاّ في حالات نادرة حيث يصاب بها الإنسان خصوصا المزارعين والمربين
لهذه الحيوانات، فتظهر عليهم علامات مرض الإنفلونزا التي تتشابه
تماما مع أعراض الإنفلونزا الموسمية المعهودة التي تصيب الإنسان وهي
: إرتفاع درجة حرارة الجسم، النحول العام ، فقدان الشهية للطعام،
صداع شديد وآلام في العضلات والظهر ، إضافة الى التقيؤ والإسهال في
بعض الأحيان أو إلتهابات في المجاري التنفسية تتميز بالسعال وضيق
النفس. تمتد أعراض المرض الى بضعة أيام ثم يشفي منها المريض عادة
وينتهي الأمر، حيث لا ينتقل المرض بعدها من المصاب الى إنسان آخر.
الذي حصل في المرض المعدي الجديد هو أن الفايروس المسؤول عن إنفلونزا
الخنازير والذي يرمز له بـ " أي/ أش1 أن1" قد تحوّر وأصبح بتركيبة
جديدة غريبة تحمل ثلاث صفات جينية وهي : جينات فايروس إنفلونزا
الطيور + جينات فايروس إنفلونزا الخنازير وهي على نوعين + جينات
فايروس إنفلونزا الإنسان . هذه التركيبة الجديدة جعلت هذا الفايروس
الهجين ذو شراسة وتأثير فتاك على الإنسان، حيث أن المصاب يشكو من
أعراض أنفلونزا شرسة تتسم بإلتهابات رئوية حادة قد تؤدي بحياة
المريض. كما أن هذا النوع من الفايروسات الهجينة ينتقل من إنسان الى
إنسان ويصيب الشباب الذين يتمتعون عادة بمناعة قوية ولا يشكون من أي
مشاكل صحية. وهذا ما يعطي إشارة تحذير حمراء توحي بخطورة هذا المرض
وإمكانية إنتشاره في سائر بقاع العالم. لقد صرّح بهذا الصدد " داف
دياغل" مسؤول قسم السيطرة والوقاية من الأمراض في الولايات المتحدة
الأمريكية حيث قال : " لأوّل مرة نرى فايروسا متحور يمتلك ثلاث أصول
متباينة"!
ربما يتساءل البعض : كيف تتم السيطرة على هذا المرض المعدي إذن؟.
الجواب هو أن السيطرة التامة على مثل هذه الأوبئة ليست مهمة سهلة
وكما أشارت رئيسة منظمة الصحة العالمية أمام الصحفيين حيث قالت بـ
"أننا قلقين فالموقف خطير ويتطلب الإسراع في إحتوائه والسيطرة عليه".
ففي هذا الشأن لابد أن نبيّن بعض النقاط العامة التي ربما تلعب
دورا رئيسيا وهاما في إحتواء وتحجيم الأمراض السارية والمعدية كمرض
إنفلونزا الطيور أو الخنازير أو غيرها ومنها :
1- مكافحة الأمراض المعدية والفتاكة هي مسؤولية الجميع وليست مسؤولية
محددة بطرف واحد من الأطراف. تبدأ هذه المسؤولية بالفرد نفسه
وبالعائلة وتمر بالمجتمع ككل وتلعب الحكومات والمنظمات الصحية
المحلية والعالمية دورا هاما في السيطرة على هكذا أمراض. التوعية
والتثقيف الصحي وإتخاذ أساليب الحيطة والحذر والترقب هي ضروريات
مبدئية يمارسها الجميع من أجل كشف الحالات المرضية الجديدة والتعامل
السريع معها من أجل تجنب العدوى.
2- التخلص السريع من الخنازير المصابة أو المشتبه بإصابتها أو
القريبة من الخنازير المصابة، وعدم لمسها أو الإقتراب منها أو أكل
لحومها وإخبار السلطات الصحية المحلية بوجود حالات إصابة مشتبه فيها
من أجل التخلص منها وبالسرعة الكافية . اللحوم المطبوخة لا تحتوي
عادة على هذا الفايروس الذي يموت بدرجات حرارية تفوق 75 درجة مئوية
3- إجراء التحاليل المختبرية على الحالات المشتبه بها بين البشر وعزل
المرضى في مستشفيات خاصة وتقديم العلاج اللازم لهم وهو (في الوقت
الحاضر) نفس الدواء المستخدم في معالجة مرض إنفلونزا الطيور أي ما
يسمى بـعقار " تاميفلو " وكذلك عقار الـ " ريلينزا". كما يجب إستخدام
هذه الأدوية فقط عند حدوث المرض أو الإشتباه به وليس كحالة وقائية كي
لا تحصل مقاومة مكتسبة عند الفايروس الذي قد لا يتأثر بالدواء عند
إستخدامه في الحالات المرضية الحقيقية.
4- في المناطق الموبوءة يجب غلق الأماكن التي يزدحم فيها الناس
كالمدارس والجامعات والنوادي والملاهي والمطاعم وأماكن العبادة
لتجنب إنتقال العدوى بين الناس
5- لبس الأقنعة الواقية في الأماكن المزدحمة كالأسواق والشوارع
ووسائط النقل، وتجنب المصافحة والتقبيل أو إستخدام أواني وصحون
الغير، كما يجب غسل الأيادي بالماء والصابون عدة مرات في اليوم
الواحد وعدم البصاق في الأماكن العامة لأن مثل هذا الفعل قد ينثر
الفايروسات في الفضاء التي تدخل بدورها الى المجاري التنفسية للأصحاء
أثناء عملية التنفس
6- التطعيم ضد المرض ضروري من أجل زيادة مناعة الجسم ضد هذه
الفايروسات الهجينة ولكن توفر الكميات الكافية للقاح الجديد يتطلب
بعض الوقت الذي يتراوح بين 4 الى 6 شهور، وقد يستخدم اللقاح ضد
الإنفلونزا الموسمية كبديل مؤقت لحين توفر اللقاح الصحيح، لكن أكثر
الأطباء يشكون في فعالية ذلك ولا يرون فائدة منه
7- هذا المرض لا يستثني الدول الإسلامية إذا ما أنتشر بين الدول،
رغم غياب الخنازير من المزارع والحقول والأسواق فيها، لأن هذا المرض
المعدي صار ينتقل بين الناس بسبب وجود الفايروس المتحور الجديد، وليس
بالضرورة أن ينتقل من الخنزير الى الإنسان فقط. فعلى السلطات الصحية
أن تتخذ إجراءات الحيطة والحذر من أجل التعامل مع هذا الوباء أن إمتد
إليها، وأعني توفير كميات مناسبة من الأدوية المضادة للفايروسات،
تهيأة مستشفيات العزل وتزويدها بما يلزم، توفير الأقنعة الواقية،
مراقبة المسافرين والقادمين من الدول الموبؤة، نشر الوعي الصحي بين
أبناء المجتمع والتنسيق مع منظمات الصحة العالمية المهتمة بهذا
الشأن. |