الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


جليل الامم: قصة الجنوب المناضل ضد الطمع والجهل

تشرين الاول 2003

رحلات العذاب والقهر

 

 

الجنوب جزء من لبنان عزيز علينا نحن أبناؤه لا بل عزيز على الكل....
الجنوب وقد كان دوما مدخل القضايا الكبرى وباب الأحداث، ما هي حقيقته في المرحلة الأخيرة من تاريخ لبنان؟ وهل كان بالفعل مظلوما أم ظالما؟ وهل كان أهله خونة مجرمين، أم أبطالا شرفاء؟ أسئلة لا بد أن تسأل يوم يكون الحكم قد فتح أبواب التشفي بالناس، وأصدر الأحكام الغيابية، وجرم من جرم دون وجه حق. وها هم أبناء الجنوب يحسبون، كنصف لبنان، خونة أو خوارج، فيجري عليهم قانون النفي، بالتهويل أو الترهيب، بالأحكام الغيابية أو التهديد، وبكافة الأحوال يهجرون إلى خارج البلاد ليكبر أبناءهم وهم يتساءلون ما كان ذنب آبائنا لنظلم نحن فنعيش في المنفى أو الغربة؟ ومن كان أفضل منهم في الوطنية فليرجمهم بحجر...

قصة الجنوب طويلة بدأت مع بدايات التاريخ، فهو موطن صور وصيدا وعمقهما، وهو جليل الأمم ومسارح الآموريين والآراميين والكنعانيين، وقد تهلن بعد الاسكندر يوم ردم هذا البحر وقضى على منعة صور، ثم تنصر مع تلامذة المسيح الهاربين ليجدوا الملجأ فيه، وتشيع بعض أبنائه مع أبي ذر الغفاري الصحابي الذي نفاه معاوية، واستقبل الصليبيين وحارب في صفوفهم حتى انتقم منه المماليك ومنعوا السكن فيه من البحر و حتى عمق أربعين كيلومترا، ففرغت البلاد وبارت الأراضي وغطى الشوك طرقه وأكملت الأيام هدم بيوته، ولكنه عاد ليعمر مع زوال حكم المماليك وبدايات المعنيين واستقر أكثر مع فخر الدين فأزهرت البلاد وتزينت بالقرى والمزارع، ولكن ليذوق بعد ناصيف النصار وتفاهمه مع ضاهر العمر، ظلم الجزار، فتعود السخرة ويكثر الطياحة والهاربون، ومع جمال باشا ينزل الظلم من جديد وتضرع القلوب إلى الخالق ليرفعه، فيفعل، ليقوم لبنان الكبير، ولكن ليس بالسهل وقد هاجمته العصابات من كل حدب وصوب باسم الدين أو الدنيا، باسم السياسات الدولية أو مشاريع الهيمنة، وباسم المؤامرات والشعارات. هاجموا أهله ليرسموا الحدود، فكانت دماء أهله هي الحدود، هاجموا قراه وهجروا بعضها، ولكن من بقي أبقى الجنوب لبنانيا...

ومرة أخرى جاءت الريح من فلسطين مع الثورة الكبرى في 1936 وزاد القلق وتخوف الناس، ولكن الحرب الكبرى والصراع بين القوى العالمية أوقف المشاكل الصغيرة وخال الناس بعدها أن كل شيء سيستقر، لكن الحقد زاد مع فلول العائدين من أفران هتلر المفتشين على مكان يستقرون فيه، فعادت من جديد حركات العنف لتزرع الخوف في سهول فلسطين وينتقل هذا مع الهاربين إلى روابي الجنوب ليسكن الجنوب ويبني له مقرا فيه، وتصبح أيام الجنوب أيام الشح والقلة، ويستند ظهره إلى ذلك الحائط المغلق الذي كان في يوم من الأيام مصدر رزق وعمل وتجارة، وتغلق في وجهه أبواب لبنان فلا يزوره زائر إلا بتصريح، فيقبع في النسيان إلا يوم يقرر أحدهم أن يناوش الجيران فيتصدر واجهات الإعلام، ولكن ليبقى أهله يعانون من الضيق والحرمان...

ثم يقرر العرب أن يحاربوا ويبدأ التحضير لمأساة جديدة، فيسقط الجولان والضفة والقطاع وسيناء كلها، وينقلب القرار ضد لبنان الذي لم يحارب ولم يخسر، ليصبح أرض حرب دائمة وخسارة مستمرة، فيطرد كل الخوارج والمتحمسون وكل حامل سلاح ومعتنق لمبدأ أو شعار وكل من تهابه أنظمة الجوار إلى لبنان، ليصير مركز الثورة العالمية ومقر عصابات العنف والإرهاب. فيلتقي الشمال والوسط وبيروت وكل مكان فيه، بالجنوب، في المعاناة والحرمان، ويتساوى اللبنانيون مع مخيمات الفلسطينيين، بالعنف والحقد والثورة، وتضيع الدولة وأجهزتها بضياع القرار وقصر النظر، ويتخيل بعض رجال الدين أنها حرب على الإسلام فيتبنون الثورة لتحرقهم مع هشيم البلد كله، ويخال زعيم الجبل الدرزي الذي لم ينس مقتل بشير جنبلاط أن الأوان قد آن لينتقم ويحكم البلد، لكن نار الغدر عينها تأكله وتخلخل الجبل كله، وتدور الدوائر على الكل ولا يعود زعيم يرى حلا فالحقد وكثرة السلاح وانهيار مؤسسات الدولة أعاد جميع الفئات إلى حلقات صغرى لتنطوي على نفسها وتتمسك بغريزة البقاء.

ولم يختلف الوضع في الجنوب عن كل لبنان. وعندما قسم الجيش وانسحبت فلول الدولة، أصبحت المنظمات هي الحكم، وأزلامها يعيثون بالأرض خرابا. وصارت حياة الناس هي الأهم، فالرزق سائب والبلاد من دون رأس والعصابات تدخل البيوت وتقطع الطرق وتقتل الناس. وصار الكل يفتش عن حماية نفسه؛ الأفراد والمجموعات، ومن استطاع الهرب قد فعل. ولكن أين يهرب من حشر بين حائط "العدو" ونار"أهل البيت"؟ فما كان من هؤلاء، وعندما ضاقت عليهم الآفاق، إلا القتال حتى الموت، وهكذا كان... ولكن الجدار لان، وفتح "العدو" بابا دخلت منه المساعدات الطبية أولا، ثم دخل الماء والرغيف قبل أن يدخل أي شكل من أشكال السلاح أو الذخائر... وصمد الجنوب، وقد يكون صموده هذا ما ساهم في تخفيف موجة الحقد على لبنان فبدأت أشكال من الحلول أو الهدن تعرض هنا وهناك. وسارت المشاريع السياسية من الردع إلى التفاوض، ومن وقف النار إلى الدويلات، ومن القبول بالأمر الواقع إلى كل أشكال الرفض التي تتلون من الخارج لكن داخلها واحد. وفي هذه وتلك بقي الجنوب وبقي أبناؤه رافعي الرأس غير متنازلين عن الكرامة ولا متناسين الوطن وهمومه، ولكنهم ومن قلعتهم العنيدة انتظروا طويلا ذلك الليل الذي يلفه متأملين بالفجر الجديد وبرحمة السماء. وقد حاولوا تنظيم أمورهم لما طال الانتظار لتستمر الحياة، لكنهم لم يتركوا مجالا يرتبطون فيه بالأهل هناك ألا وطرقوه، ولا طريقا إلا وسلكوه، وقد ربطتهم كل المناطق في يوم من الأيام بالعاصمة، فقد سلكوا الساحل تحت رحمة الفلسطينيين، وسلكوا البقاع تحت رحمة السوريين، وسلكوا الجبل تحت رحمة الدروز، وسلكوا البحر وأهواله، وها هم اليوم يعيشون قهرا تحت رحمة حزب الله الأيراني، الذي لم يهوى لبنان مرة، ولا قتل له شاب في سبيله، بل في سبيل أئمة طهران وثورتهم العالمية، في سبيل أن يكون تشيعهم أقوى من سنية العرب، ولا دخل للبنان وأهله المستضعفين إلا في دفع فاتورة الغي التي يقبض ثمنها متاجرون بحياة الناس في ظل تفاهم مصالح سوريا والإمبراطورية الشيعية الجديدة التي تحاول فرض نفسها بأرواح هؤلاء. ويفرح العلويون النصريون بأنهم يتحكمون بسنة الشام ويلهونهم بالحقد الذي زرعوه في قلوبهم ضد لبنان وكأن الزمن لا يفنى والأيام لا تدور...

للجنوب قصة طويلة سوف نرويها لكم على حلقات لكي يعرف من لا يعرف من هم هؤلاء الأبطال الذين لم يكن لهم شرف الإفتخار، بالرغم من كل المعاناة، والذين لم يتهربوا مرة من فاتورة الدم في سبيل الكرامة وحفظ حق الوطن وشعبه، والذين لم يتاجروا بالناس ولا تاجروا بالطائفية ولا قسموا وصنفوا أو فرضوا مفاهيم أقلية على أقلية أخرى أو حاولوا أن يفلسفوا الأمور ويدعون بما ليس لهم. ولكن الوطن كله كان دوما جرحهم وشفاهم كما قال في ذلك شاعرهم:

إيـه لبـنـان جرحـنا وشفـانا          هل لجرح على الزمــان شفـاء
هبة الريح في مغانيك رصد          وانسـيـاب النسـيم فـيـك حـداء
نحـن صـغنـاك مـن نســيج          موشـى طـرزته أنامل عذراء
وحملـناك فـوق كـل حـدود          حيث رحنا وضـاقت الأرجاء 
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها