الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


الذئاب في ثياب الحملان

 

3/1/2005

عند السوريين، عادة، عدد من الخطط الجاهزة لمواجهة الاحتمالات المختلفة، فهم بمواجهة المظاهرات السلمية أرسلوا مظاهرة "السواطير" المشهورة، وحاولوا يوم لم يقدروا على منع مظاهرة السيادة والاستقلال في الثاني والعشرين من تشرين تأليف مظاهرة "المليون" الفاشلة، هذه الوسائل معروفة للجميع، وافتعال التخريب والقتل في صيدا أو طرابلس، وفي بيروت أو البقاع، أمور تعود الناس أن يعرفوا مصادرها، والتهديد بحزب الله وبالفلسطينيين وبإعادة أجواء الحرب، يعرفها القاصي والداني، ويعرف الكل أنهم من كان وراء هذه الحرب أصلا، إذا من المؤكد أنهم من يوقفها ومن يعيدها، فهي لم تكن مرة لبنانية إنما نفذت دوما باللبنانيين وعلى اللبنانيين.

الجديد القديم هو اللجوء إلى استعمال بعض السياسيين اللبنانيين، لإعادة تعويم سوريا وقيادتها، يوم فقدت كل مصداقية على الصعيد الدولي والوطني. وها هو الحسيني والحص يعودان، عن قصد أو تحت الضغط، لتجميل صورة المحتل والطلب منه أن "يرحم" لبنان بتدخله في قانون الانتخابات، أو يبرر بطولاته ويسعى له أن يستمر في "التواجد" في مناطق لبنانية، ما يعني الاحتلال تحت ستار الانتقاد والطلب برفع تدخل الأجهزة، وكأن هذه يمكن ضبطها أو وقفها أو أن السيادة والاستقلال يمكن تجزئتهما.

الرئيس الحسيني، الذي يعتبر نفسه من ضمن المعارضة، هو معارض فلكلوري، يدخل في خانة المعترضين على المكاسب، وليس المعارضين لشأن وطني، وهو، في كلامه الصريح بدعوة السوريين إلى التدخل في شأن لبناني داخلي، كأنما يعيد كلام الرئيس الهراوي الغير موزون يوم قال بأن اللبنانيين لم يبلغوا بعد سن الرشد، وبالتالي فإن سوريا هي الوصي عليهم، وقد كلف هذا الكلام، الغير مسؤول، الشعب اللبناني، سنوات من القهر والذل، ومليارات من الديون التي تنعم بها بعض المحاسيب، ليدفعها أجيال لبنان المستقبل، ديونا لم نعرفها قبل حكم الأزلام هؤلاء. وله نقول: من يمنع مجلس النواب، الذي تعتبر أحد نوابه، من وضع قانون انتخاب يوافق عليه اللبنانيون؟ وهل توجهك للرئيس الأسد دلالة على أن المشكل عنده؟ أما كلامك على إجماع اللبنانيين على عدم معاداة سوريا فهو صحيح، لأن اللبنانيين لا يرغبون بمعاداة أحد، لا سيما جيرانهم، ولكن هذا الجار قد جار كثيرا وتدخل أكثر من المسموح به في حق الجيرة، وإذا كان السوريون قد انتقدوا تدخل اللبنانيين في شؤونهم أيام الانقلابات المتتالية في دمشق، وقبولهم بلجوء المغلوب إلى لبنان ريثما يتدبر أمره وعدم تسليمه للغالب، وإن سيطرتهم على لبنان ستمنع أي من المعارضين أن يتركز في لبنان، فإن المعارضة السورية سيكون لها مركزا أقرب وأهم من لبنان في العراق الجديد، ولن يستطيعوا أن يمنعوها بالإرهاب الذي يدعمون، معتقدين بأن إقلاق الجيران كفيل بإطالة عمر النظام عندهم، كما فعلوا مع الأتراك يوم استقبلوا حزب العمال الكردي واضطروا لاحقا لتسليم زعيمه.   

أما الرئيس الحص فهو قمة الجبن السياسي، وهو، إن كان في المعارضة أو الحكم، جاهز دوما للعب دور الرجل الرصين والتكنوقراطي المثقف غير المتعصب، ولكنه يقول دوما ما لا يعني في الشأن الوطني خوفا من المصير الأسود الذي قد يكون رآه بأم العين: مصير السيد جنبلاط الأب يوم اعتقد أن له دالة على السوريين، ومصير المفتي حسن خالد يوم تجرأ على قول الحق، ومصير الرئيس ريني معوض يوم حاول أن يعترض، وغيرهم... وما كاد أن يكون مصير الوزير حمادة لولا قدرة العلي.

الرئيس الحص هو قمة الجبانة في السياسة، هو خبير بتنفيس القرارات الدولية، يلجأ له السوريون عند المحك، ويوم يرون بأن الوضع الدولي صار ضاغطا، لأنه يعتبر من الفئة السياسية الغير متطرفة والتي تعير العقل بعض الاهتمام وتتمتع بالتروي والحذر، ولكن ذلك كله، إذا كان جيدا في أيام السلم، يوم يكون الوطن مرتاحا من أعباء الاحتلال ومفاعيله، لا يجدي نفعا يوم تكون كلمة الحق هي المطلوبة، ويوم تكون الشجاعة في المواقف هي التي تخلص الوطن.

الرئيس الحص معروف كيف نفس القرار 425 في 1978، فبعد أن صوت مجلس النواب على إعادة الفلسطينيين إلى المخيمات وجمع السلاح لجعل الدولة وحدها من يسيطر على الطريق الساحلي حتى الجنوب الذي كانت الأمم المتحدة ستتسلمه من إسرائيل مقدمة لتسليمه إلى الدولة تنفيذا للقرار 426، إذا به ينفذ أوامر السوريين، وبدل أن يمنع تواجد المسلحين الفلسطينيين على الطرق من بيروت إلى صور، يقف مكتوف الأيدي، لا بل يساند الفلسطينيين في معركتهم لإخراج الكتيبة الفرنسية من جيب صور. وهو الذي أعاد سيطرة السوريين الكاملة على الغربية.  ويوم تسلم الجنرال عون رئاسة الوزراء، تجابن، وبقي بأمر السوريين، رئيسا ثانيا للوزراء، وبعد أن قبل بإغلاق الموانئ وفتح المعابر عاد وتراجع، ما أدى إلى حرب التحرير وخراب البلد، فهل قرر السوريون استعماله لتنفيس القرار 1559 اليوم؟

الرئيس الحص قد يكون رجل دولة في دولة مستقرة لا تدخل فيها لأحد، ولا فرض عليها من قوى خارجية، وهو كان صرح بأنه لن يتدخل أو يترشح لمنصب، تعبيرا عن غضبه يوم لم يقدر حتى أن ينتخب نائبا، فماذا دعاه اليوم، بعد أن وقف العالم من جديد وقفة مشرفة لإنهاء الاحتلال "الأخوي"، ليتوجه إلى السوريين شاكرا على المواقف "البطولية" للرئيس الأسد الأب، خاصة في تمديد الحروب في الشرق الأوسط، ليخسر العرب وغيرهم من شعوب هذه المنطقة فرص السلام الواحدة تلو الأخرى، ولشكرهم على تدخلهم "الأخوي" في لبنان، حيث فهم العالم بأجمعه اليوم بأنهم أساس الداء، وأن لبنان لن يعود دولة قادرة على العيش بدون أن يخرج هؤلاء الذين يمصون دمه، ويدفعون أهله للتقاتل، ويحرقون كل شيء في سبيل أن يستمر تحكمهم بهذا البلد، فهم لم يحاربوا إسرائيل، ولم يواجهوا أحدا، منذ ثلاثين سنة، إلا الشعب اللبناني، وهم لم يقودوا معركة إلا في حماه وفي أحياء بيروت وضواحيها ضد العزل لبنانيين أو سوريين، ولم ينسوا بعد طعم الخسارة يوم حاولوا مهاجمة الجيش اللبناني في سوق الغرب، فأين معاركهم وأين انتصاراتهم؟ وإذا كان الرئيس الحص يخاف من السوريين ومما يرسمون، وهو إنما يتوجه لهم من باب التملق، فإننا نطمئنه بأن عهد الظلم إلى رحيل، ولكل شيء نهاية، وها هو العراق، بالرغم من كل ما يجري، قد يكون الحكم فيه أكثر قدرة على الثبات من حكم البعث في سوريا، فلا تغرك المظاهر، ولا يخيفك التهديد، أما إذا ما كنت ترسم للعودة من الطاقة بعد خروجك من الباب، فذلك ما لن تناله، لأن حكام لبنان الجدد لن يكونوا من الجبناء، ومن لم يجاهر بطلب السيادة الحقيقية لن يكون له شرف تسلم المناصب التي سوف تكون تمثيلا لرغبات الشعب ولحاجاته، وليس لرغبات المحتل وأوامره. يبقى أن تكون الرسالة مفبركة من المخابرات عينها ومنشورة باسم الرئيس الحص ما ليس بالجديد على هؤلاء.

إن لبنان الآتي سوف يحكمه أبطال وشرفاء، لأن الشعب هو الذي سيحكم، بالديمقراطية التي تحكم الدول المتقدمة، والتي ستصل إلى دول هذه المنطقة ومن ضمنها سوريا مهما طال الزمن، وإن مصير الطغمة الحاكمة في الشام، أيها الرؤساء، الحسيني والحص، لن يكون أفضل من مصير كل الديكتاتوريين، من تشاوشيسكو إلى صدام، فالأفضل لكما أن تلحقا بالركب المطالب برحيل الاحتلال، بدل أن تواكبا الشرازم المصفقة له، والتي كالهر، تلحس المبرد وتستلذ بطعم الدم دون أن تدري بأنها إنما تلحس دمها هي.

أيها اللبنانيون الأحرار انتبهوا للذئاب في ثياب الحملان، فلم يعد للعدو مخارج كثيرة، وهو يقاتل بكل الوسائل، وسلاحه الأقوى هو التملق للبعض والوعيد للبعض الآخر، ولكنه في كل الحالات استنفد الوسائل، وعليكم أن تصبروا، فالصبر مفتاح الفرج، والمستقبل الزاهر للوطن الصغير بدأت تظهر معالمه.         

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها