ماذا وراء زيارة وفد الرهبان للحود؟
تورنتو 26-أيلول-2004
أطلعتنا الصحف أول أمس بأن وفدا من رهبان الكسليك برئاسة الرئيس الجديد
للرهبنة قد زار الرئيس المجدد له، العماد لحود، وذلك على سبيل التهنئة، كما
قيل.
ولكن الكل يعلم الظروف التي يمر بها لحود وأسياده السوريين من ضغوط دولية
بسبب الاحتلال الذي يفرضه هؤلاء على لبنان والتدخل في كل شؤونه، وليس أولها
فرض تعديل المادة 48 من الدستور للسماح بالتمديد للحود ثلاث سنوات كمكافأة
له على "حسن السلوك" في تغطية هذا الاحتلال وتثبيت أقدامه، وممارسة المزيد
من قهر اللبنانيين لإخضاعهم وجعلهم يتقبلون الأمر الواقع؛ بأن سوريا وحدها
هي التي تملك مفاتيح الحل والربط في شؤونهم، وهي السيدة المطلقة وما عليهم
سوى الطاعة صاغرين.
هذه الظروف التي جعلت مجلس الأمن يتخذ القرار 1559 الخاص بلبنان والمتعلق
بالعمل الفوري على إخراج كافة الجيوش الأجنبية منه، وهي تفصيليا: الجيش
السوري أولا وقبل كل شيء، وبقايا جيوش عرفات، والحرس الثوري الإيراني،
وجماعات بن لادن وغيرها من بقايا الأصولية الغريبة التي سمح لها السوريون
بالعشعشة في بلاد الأرز.
ومن بنود القرار أيضا سحب الأجهزة الأمنية التابعة للجيش السوري والإيراني
ومخلفات أجهزة عرفات وغيرها، وحل المليشيات التخريبية المسلحة وعلى رأسها
حزب الله، الذي أبقاه السوريون سيفا مسلطا على رأس شيعة لبنان قبل غيرهم،
وورقة يحرقون بها الأرض كلما شاءوا، ويضغطون بها على الجميع، وخاصة
المتمولين السنة، ويظهرون في نفس الوقت أن الاستقرار في لبنان يرتبط
بوجودهم فقط. أما الجانب المتعلق بخرق الدستور وفرض التمديد للحود فقد كان
نقطة واضحة في القرار المذكور.
وبما أن السوريين قد تجاهلوا قرار مجلس الأمن هذا، الذي تبنته الولايات
المتحدة وفرنسا، ومضوا في عملية تعديل الدستور ومن ثم التجديد للحود، فقد
أرادوا أن يظهروا للعالم بأن لحود مقبول لبنانيا وأن المعارضة للتجديد،
التي تبناها فيمن تبناها البطريرك الماروني ومجلس المطارنة في بيانهم
الشهير الذي عجل في القرار، هي زوبعة في فنجان، وأنهم قادرون على جعل
اللبنانيين يؤيدون هذا التجديد.
من هنا كانت عمليات الضغط على البلديات للتزيين وإطلاق الأسهم النارية، وعلى
كل المتعاونين وجماعات السلطة والأجهزة لإرسال الوفود إلى بعبدا للتهنئة.
فهل تندرج زيارة وفد الرهبنة المارونية برئاسة رئيسها المنتخب حديثا في هذا
الإطار أم ماذا؟
أن يكون رئيس الرهبنة المارونية قصير النظر إلى هذا الحد كي لا يرى ما يجري
خارج لبنان، أمر بعيد عن التصديق، ونحن نعرف بعد نظر الكسليك ووسع آفاق
الرهبنة اللبنانية ووطنية رهبانها، فلا يمكن أن يكون سبب الزيارة تأييدا
فعليا لعملية المعاندة لمسار التاريخ، التي يسير بها النظام السوري، بعقلية
الحرس القديم التي ترفض التغيير، لا بل تتمسك بتجاهل الواقع، كحرس صدام، أو
تتعنت بالاعتقاد بأن الأمور على خير ما يرام، كما فعل تشاوشيسكو، بالرغم من
كل الظواهر المخالفة.
وأن يكون الحكم قد شعر بالضغط الكبير الذي تمثله بكركي، خاصة بعد التأييد
الشامل وقرب اكتمال الطوق ببناء المعارضة الداخلية والخارجية الفعلية، لا
الصورية، والقادرة على التحرك المتوازن على الأرض وفي دول القرار، أمر لا
شك فيه، ولذا فهو يريد بأي ثمن أن يهاجم الرمز في عقر الدار، فيلجأ إلى
الضغط على الرهبنة، وهذا ما لا يعدمه، فيفضل رئيسها الجديد الالتواء أمام
العاصفة بدل المواجهة.
أما الأقرب إلى الواقع فقد تكون زيارة بروتوكولية عادية يقوم بها الرئيس
الجديد للرهبنة اللبنانية ويحاول إعلام القصر إظهارها كزيارة تهنئة
بالتجديد. ولكن وكيفما كان التفسير لها، فإن زيارة رئيس الرهبنة اللبنانية
المنتخب حديثا للقصر في هذه الظروف والتي هلل لها الإعلام المسير في بيروت
لا تساعد أبدا على وضع الأمور في إطارها الصحيح، ولا على تخليص لبنان من
المحنة التي يتسبب بها الاحتلال، ولا بدعم المواقف الواضحة لمجلس المطارنة
أو قوى المعارضة في الداخل أو الخارج، ولن تكون أبدا مفتاحا لخروج السوريين
وتنفيذ القرار الدولي وإنهاء الأزمة التي تظهر في الأفق.
يبقى أن تكون عملية استدعاء...
|