الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


نتائج عملية الليطاني

 

كانت أهم نتائج "عملية الليطاني" التي دخل فيها الإسرائيليون إلى الجنوب أن أزيح عن كاهل السكان الجنوبيين الضغط الفلسطيني. فقد أبعد الفلسطينيون إلى ما وراء نهر الليطاني فتنفست قرى عين إبل ورميش ودبل والقوزح ويارون وعلما الشعب والضهيرة وفتحت الطرق بين بلدات المنطقة حيث صار التجول من الناقورة على البحر وحتى مرجعيون في الشرق ممكنا سيما وأن الفلسطينيين قد تركوا الخيام بعد سقوط كل ما هو جنوب الليطاني لتصبح هذه البلدة التي هرب أهلها منها بين الكر والفر، مدينة أشباح لم يعد إليها أحد بانتظار الحلول.

أما في بيروت فقد ساد جو من التفاؤل في الجانب المسيحي بعد دخول الإسرائيليين، كون القضية لم تعد هذه المرة قضية عربية داخلية تحل ضمن الجامعة العربية، بل يجب أن تعرض على الأمم المتحدة وسوف يتخذ فيها قرار من أعلى المراجع الدولية، ولا يمكن أن يقبل الإسرائيليون بالانسحاب بدون أن تفكك المنظمات التخريبية التي كانت سبب دخولهم إلى لبنان. وقد عاد الحلم الذي نادى به ريمون اده، بأن يصبح لبنان دولة محايدة تحميها الأمم المتحدة من تدخل الجيران، ليصبح قريب التحقيق.

وفي الجنوب اعتقد المواطنون أن القضية منتهية وأن الهدوء الذي طالما تمنوه آت ومعه جيوش الأمم المتحدة التي ستحل الأمن والطمأنينة والبحبوحة في أجواء الجنوب كله، فوداعا للأيام السوداء وأهلا بالسعد القادم مع الحلول الدولية.

وبالفعل فقد اتخذ قرار دولي حمل الرقم 425 طلب من إسرائيل الانسحاب الفوري من لبنان، ولكنه لم يأتي على ذكر المنظمات الفلسطينية من قريب أو بعيد، ولكن القرار المرافق له وهو القرار 426 الذي يشرح آلية التنفيذ، تكلم عن تسلم الدولة اللبنانية مهمات الأمن على كامل أراضيها ونشر قواتها حتى الحدود الدولية بمساعدة قوات الأمم المتحدة. وقد تضمن هذا القرار بجوهره الحل المنشود، فالمطلوب من الدولة اللبنانية، مقابل الانسحاب الإسرائيلي، أن تسيطر فعليا على كافة الأراضي بقواها الذاتية، إي أنه عليها أن تمنع أي تواجد لقوى مسلحة غير قواها، ما يعني تفكيك قوات المنظمات الفلسطينية وجمع أسلحتها، خاصة في المناطق الواقعة بين العاصمة والحدود. وبالفعل فقد قام مجلس النواب اللبناني باتخاذ قرار بقبول القرار الدولي والعمل على تنفيذه بنشر قوى الجيش على كل الطريق الساحلي من بيروت إلى الجنوب ومنع أي وجود مسلح آخر (غسان تويني في كتابه القرار 425).

في الجنوب انتظر الرائد حداد قائد القطاع الشرقي والرائد شدياق قائد القطاع الغربي تنفيذ هذه القرارات بكل ترحاب واعتبرا أن المنطقة ستفتح قريبا على كل لبنان وتعود القوى العسكرية التابعة للتجمعات جزءا من عناصر الجيش اللبناني لا يفصلها عن قيادتها إي قوى غريبة. وبدأ المسلحون الشباب في القرى الحدودية، الذين انضموا إلى المليشيات للدفاع عن قراهم، بترك أسلحتهم والعودة إلى أعمالهم المدنية حتى أن بعضهم توجه إلى الناقورة مع بدء وصول قوات الأمم المتحدة للعمل هناك كعمال وموظفين. وقد دبت الفرحة في قلوب الأهل بلقاء الأحبة القادمين من الشمال والذين كانوا حرموا من زيارة قراهم.

وفي نيسان 1978 أي بعد شهر تقريبا على دخولهم إلى الجنوب، انسحب الإسرائيليون باحتفال رمزي أقيم على بركة ميس الجبل حيث أنزل العلم الإسرائيلي، بحضور الرائدين حداد وشدياق، ورفع العلم اللبناني كرمز لتسليم هذه المنطقة للجيش اللبناني الممثل بالرائدين حداد وشدياق التابعين للقيادة في اليرزة. عندها، وبانتظار وصول قوى الجيش التي ستؤمن المنطقة، ومنعا لأي عمليات تخرب الوضع في الجنوب، وصلت بعض وحدات من القوات المسيحية من المناطق الشرقية بحرا لحماية المناطق التي تركها الإسرائيليون ولم تتواجد فيها قوات تجمعات الجنوب، ريثما يصل الجيش.

ولكن هذا الانسحاب السريع للإسرائيليين من الجنوب لم يرض على ما يبدو السوريين، فهو يسلبهم مبرر وجودهم في لبنان، ويؤدي إلى ضرب مخططهم بابتلاعه عن طريق زعزعته ومنع الهدوء والاستقرار من العودة إلى ربوعه. وعندما يتم انسحاب الإسرائيليين وتفكيك المنظمات التخريبية وسيطرة الهدوء بواسطة الأمم المتحدة وقوى الدولة على الجنوب، لا يعود هناك مبرر لوجودهم هم أو قوات الردع التي يتسترون خلفها؟ من هنا كان لا بد من ضربة لمسيرة الهدوء هذه، وهي كانت بدأت في الأمم المتحدة عندما منعت المجموعة العربية بواسطة التدخل السعودي-السوري أن يتضمن القرار 425 أي ربط بين انسحاب إسرائيل وتفكيك المنظمات الفلسطينية، وقد بقي هذا الموضوع ضمنيا في القرار المرافق 426 ولم يذكر بشكل واضح، مع تكفل لبنان بتنفيذه بالرغم من عدم الإشارة له بوضوح. ولكن هذه أيضا كانت إحدى ألاعيب القيادة السورية للالتفاف على القرار الدولي ومنع تنفيذه كما سنرى.

يقول غسان تويني بنفس الكتاب المذكور سابقا، بأن الدولة تراجعت لاحقا عن القرار الذي اتخذه المجلس النيابي اللبناني بنشر الجيش وقوى الدولة وحدها على كامل الطريق الساحلي من بيروت وحتى الجنوب، وكان هذا طبعا تحت الضغط السوري الذي اشتهر الرئيس الحص، رئيس الحكومة آنذاك، بالخضوع له لأنه لا يريد أن يكون بطلا، فهو ليس من قماشة رياض الصلح ليبني دولة، ولا من قماشة كمال جنبلاط ليعاند سوريا، وقد رأى بأم عينه ما حل بالزعيم الدرزي، بل من قماشة الموظفين الذين يفلسفون الخضوع ويبررون الضعف بأنه نوع من العروبة أو الوطنية طالما رضي به رعاع الشارع الذين تسيرهم الأجهزة. كانت هذه أولى الخطوات التي ستجعل من الحلم الدولي الكبير مجرد سراب آخر يسقط على تراب لبنان ويطيح بهالة الأمم المتحدة وقراراتها وقواتها فيما بعد.

إذا بعد الضربة التي منيت بها قوات عرفات ومن لف لفها في آذار 1978 وصدور القرار الدولي الذي سيحرر الجنوب من سلطتهم ويعيد للدولة حقها في السيطرة عليه، عاد السوريون، المتضررون من الأمر، شيئا فشيئا لتخريب ما رسم، وها هم يضغطون لمنع انتشار الجيش على الطريق الساحلي، بالرغم من وصول طلائع القوات الدولية. وقد تألفت قوات الطوارئ الدولية في لبنان من وحدات من دول أوروبا الغربية: فرنسية وهولندية ونروجية وإيرلندية بينما شاركت أيضا السنغال وغينيا والنيبال وإيران بكتيبة من كل منها، وتسلم الجنرال الغاني أرسكين قيادة هذه القوات وجعل مقر قيادته بلدة الناقورة الحدودية على الساحل اللبناني. ولكن عدم سيطرة الدولة على الطريق الساحلي حزا بالأمم المتحدة لتعديل برنامجها وجعل تموينها يمر من ميناء حيفا بدل بيروت كإحدى أولى البشائر بأن طريق بيروت ليست آمنة ومن ثم جعل مدينة نهاريا الإسرائيلية مركز إقامة الموظفين الدوليين وعائلاتهم.

كانت هذه الإشارة كافية ليفهم الجنوبيين بأن التفاؤل الذي رافق القرارات الدولية ليس بمتناول اليد، وأنه طالما بقي الفلسطينيون يسيطرون على الطريق الساحلي فإنهم سيعودون لتخريب حياتهم اليومية، ومن ثم عودة الوضع إلى ما كان عليه عشية حركة الخطيب. من هنا حاول الرائد حداد أن يضغط على الدولة بطرد ضابط الارتباط مع الأمم المتحدة الرائد فرحات من الناقورة لكي ترسل الدولة من يفاوضه على الوضع، فسياسة بيروت لا تفي بتطلعات أهل المنطقة، ويجب أن يفهم من في السراي الحكومي بأن أهل الجنوب لهم الحق بالحياة الكريمة، وهم لن يقبلوا أن يصبحوا مرة ثانية رهينة منظمات عرفات التخريبية، بينما ينعم باقي لبنان ببعض الهدوء.

لكن الدولة الخاضعة لسيطرة السوريين فاوضت الرائد حداد، لا على التوازن في جمع الأسلحة من المليشيات اللبنانية في الجنوب ومنظمات التخريب على السواء، بل على إرسال وحدة من الجيش للمشاركة مع قوات الطوارئ عن طريق البقاع، وكأن الطريق الساحلي هو ملك لدولة أخرى هي دولة عرفات من جهة، أو كأن الدولة تريد الوفاء بجزء فولكلوري من دورها، وهو المشاركة بوحدة رمزية في قوات الطوارئ، من جهة أخرى، وليس باستعادة السيطرة على البلد بمساعدة هذه القوات. وعندما سأل الرائد حداد عن الضمانات على طريق البقاع هذا، كان الجواب أن سوريا هي التي ستضمن حرية التنقل عليه. إذا لا طريق آمن للجنوبيين، وهم سيمرون إما تحت رحمة الفلسطينيين وإما تحت رحمة السوريين، ولا ضمانة لأحد في الحالتين، والكل يعلم عدد المخطوفين والموقوفين والسجناء في مخيمات الفلسطينيين أو سجون سوريا. من هنا رفض الرائد حداد حل المليشيات في المنطقة الحدودية وتسليم سلاحها إلا عند حل المنظمات الفلسطينية وتسليم أسلحتها. ولو كانت الدولة، التي يساندها العالم كله بواسطة الأمم المتحدة، حرة التصرف وجدية في وضع حل نهائي لأزمة لبنان، لكانت استعملت الضغط، الذي حاول أن يظهره الرائد حداد عليها، كوسيلة لاستعادة سيطرتها على البلاد، إنما من حكم فعليا في بيروت كانت نواياه تختلف، لا بل كان هذا ما أراده بالضبط، وهو ألا يؤدي وجود القوات الدولية لحالة من الأمن والاستقرار تنهي دوره وتطالبه بالانسحاب وعدم التدخل بالشؤون اللبنانية.

وتأخذ الأمور مجرى آخر فبدل أن تسيطر قوات الأمم المتحدة على الجنوب ها هو عرفات ورجاله يطردون الكتيبة الفرنسية من منطقة صور بعد عدة عمليات تصادم وكمائن ومعارك محدودة يخسر فيها الفرنسيون حوالي 12 قتيل غير الجرحى، ومن بين هؤلاء الجرحى قائد كتيبة المظليين الفرنسية الكولونيل سالفان نفسه، الذي كان وعد عند سفره إلى لبنان بأنه سيعيد الأمن لهذا البلد العزيز، ولكنه عاد محملا إلى بلده، وكانت النتيجة، ليس بأن يجمع سلاح المنظمات في جيب صور، بل بأن تنسحب قوات الطوارئ الدولية منه، ويعطى هدية لعرفات ورجاله لمواجهتهم الأمم المتحدة. ولم يكتف عرفات وجماعته بمنطقة صور بل أكمل انتشاره، عندما شعر بأن القوات الدولية ليس قادرة على ردعه، شرقا نحو مثلث جويا- محرونة- قانا حيث، وبعد عدة عمليات كالتي جرت في جيب صور استطاع أن يفرض سيطرته على هذه المنطقة أيضا.

في المقابل توقفت الكتيبة القادمة من البقاع على مشارف كوكبا ولم تدخل إلى مرجعيون، ورفض الرائد حداد انتشار القوات الدولية في القرى الحدودية لتصبح هذه منطقة معزولة مجددا، ولكنها محمية من تدخل الفلسطينيين وأعوانهم.

ويقبل وجود قوات حداد كأمر واقع في المنطقة الحدودية بالنسبة للأمم المتحدة التي لم تستطع أن تردع عرفات. ويبدأ مسلسل جديد من القهر والألم يعيشه أهل الجنوب بعد كل الآمال الكبيرة التي علقت على تدخل الأمم المتحدة. 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها