الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


أيلول شهر القطاف وموعد الأحبة...

12 ايلول - 2009 

 أيلول هو شهر القطاف في دورتنا الزراعية حيث يحلو كل ثمر تجاوز تجارب الطبيعة وصمد أمام شهوات المستعجلين فنضج ينتظر يد الفلاح التي ساهمت بغذائه لتقطفه مكافأة لها على عمل الخير تجاه الشجرة الأم التي تعد باستمرار العطاء سنة بعد سنة. وهكذا فشهر القطاف هذا يمثل قمة الدورة الحياتية في تراثنا ويظهر لنا أن الثمار الجيدة لا بد أن يقطفها صاحب الكرم فتعود إليه نتاجا كريما من شجرة حياتنا على هذه الأرض؛ البستان المؤقت الذي لكل شيء فيه نهاية.

 وعلى خطى بشير الذي كان برعما تفتح سريعا ففاح منه الوهج والعطر وأثبت أن لهذه الجماعة لونها وصلابتها حين تدعو الحاجة ونضج قبل الأوان، كان كيروز بركات قائدا ورائدا يطير كالحلم ويحلق كالنسر في أفياء كل لبنان يدب الأمل في النفوس ويشدد العزائم المنهارة ويزيد ثقة الضعفاء، ولكنه بعد سنة وفي نفس الشهر يلحق بالقائد الذي ناضل معه وتبع خطاه بعزيمة شربت من تربة الجنوب، وتربت على حب الخير، وجبلت بدمع الكرامة ونفح العنفوان، ولكنها أيضا نضجت قبل الأوان فاختارها صاحب الكرم لتكون بجواره وتتزين بها مائدته...

 كيروز الرفيق العزيز لم أكتب عنه مطولا لأنه الجرح المفتوح الذي ما اندمل بعد ولن يشفى قبل أن يعود للبنان الذي عرفناه سويا رونقه ونضارته وانفتاحه وكرمه...

 كيروز ذلك الفتى المفعم بالحيوية الممتلئ بالطاقة والمتحرك أبدا ودون توقف لعمل أي نشاط يطلب ومد يد العون في كل مناسبة تجري، لم يكبر فيه الطفل المحب ولا بدّلت طموحاته نحو الخير العام والدفاع عن الحق أية مصالح ذاتية أو منافسات طارئة أو خوف ورهبة، ولا جذبه إغواء أو غيّره إطراء، هو نفسه لم يحد عن الطريق ببسمته المعهودة وطلته المحبوبة وظله الخفيف...

 ماذا أقول لك اليوم في ذكراك السادسة والعشرين؟

 هل أطمئنك أن لبنان باق وأنت تعرف منذ المهد بأن لا قوة تقدر عليه، ولا جبار يكمّ فاهه، ولا طارئ ينال من عزيمة بنيه مهما حاول وكيفما تقلبت الظروف؟ أم هل أقول لك بأن أقزاما يتطاولون على قممه، وعميانا يدّعون قيادة شعبه، وأذلاء يفاخرون بأنهم يتحكّمون بالمصير؟...

 الجرح لن يندمل يا كيروز ليس لأننا غير مؤمنين بأن الله، عز وجلّ، يدعو خيرة أبنائه، وخاصة أولئك الذين يختصرون الزمن ويحشرون بأيام قليلة طاقات أجيال وأعمال دهور، ولكن لأن الثمن الذي ندفعه بك وبأمثالك من الأبطال ليبقى الوطن؛ عزيزا مكرما، حرا مستقلا، مدافعا عن الحق، محافظا على أمان بنيه ومستقبلهم، على حقهم في التنوع وحريتهم في الاختيار، وضمانة ممارستهم لتقاليدهم الدينية والمذهبية، وأفكارهم العقائدية التي لا تتعدى على حق الآخر وتتقبله كما هو بدون عقد الهيمنة والسيطرة وإملاء التصرف، هو ثمن غال جدا نريد مقابله تحقيق حلمكم، نريد بدله أن يعرف الكل بأن البطولة الحقة لا تنمّ ولا تمنّ، لا تبخل ولا تستعطي، هي بذاتها الزينة والوهج، وهي العطاء الأكمل، أولم يقل السيد "أن ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه"؟

 كم تسلقنا صخوره وكم ركضنا على المنعطفات. كم تسابقنا على تلاله وتسامرنا في الأمسيات، وهل تنسى روابي عين إبل ولياليها شبابا ملأناه ضجة وصخبا، ولكنه تحلى بمسؤولية حملناها منذ الصغر وكأننا عرفنا أن عبئا ثقيلا آت ولا بد من سواعد قوية وبعد نظر لتحمّل بعضه، فالوطن هذا الصرح الكبير الذي بني بجهد الأجداد يلزمه دوما مزيدا من الجهد والعناء ليصمد في وجه الصعاب ويتجاوز المحن التي يسببها حسد الجيران، وضيق العيون، واستهتار الأهل، وميوعة الشباب، ولكن هذه كلها في كفة وفي الكفة الأخرى يقف الأنا ليهدم الأصرحة مهما كبرت، ويحرق التضحيات مهما كثرت، وينهي الأحلام مهما عظمت...

 كيروز يا صديقي سيبقى الوطن، وستزهر تلال عين إبل ربيعا جديدا، وسوف نجتاز المحن، ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للبدر أن ينقشع، وأنت البدر ومثالك ظاهر للقلوب قبل العيون. فنم قرير العين يا "قمرا" (كما اخترت أنت أن تسمى) سطع نوره في ليل داج فأضاءه ليرينا الطريق ثم ذهب وبقي الطريق طريق نضال في سبيل أن يستمر وطن النجوم محلقا في عليائه، حنونا على بنيه، حاميا لتنوعهم، محصنا تفردهم ليلوّن المشرق بفسحة من المحبة والخير التي كدنا أن نفتقد لها في زمن الإرهاب هذا الذي تفشى فيه الحقد مبدأ والعهر شعارا وصارت الحرية فيه ترفا والكرامة عملة نادرة وكبر النفس مادة للتندر.

 فيا كيروز ويا رفاق كيروز موعدنا مع إطلالة جديدة للبنان جديد نفخر فيه معا ونقبل بختم الجرح لأن الوطن الذي حلمتم أن تصونوه بالأرواح أصبح قادرا على النهوض ينافس الأمم في التقدم ويباهي بمجتمعاته المنظمة وطموحات أبنائه التي لا تقف عند حدود في استنباط أبجدية جديدة كل يوم في العلاقات داخل المجتمعات التعددية.

 فإلى أن يحين ذلك لكم منا ألا ننسى تضحياتكم وأن نبقي في البال ذلك الوهج من الحب الذي زرعتموه ولا يزال ينبت ولكم منا في كل أيلول أن نذكركم ولو بصمت ما دام الهدف لم يكتمل ستبقى في القلب غصة وفي العين دمعة إلى أن يحين اللقاء...

 
المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها