الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


الحروب والشعوب

3 كانون الثاني/2009

يتحفنا بعض "الجهاديين" بين الحين والآخر بنظريات جديدة يطلقونها لتناسب تصرفاتهم وتناقض ما هو مصطلح عليه في تعامل الشعوب خلال تطور العلاقات الدولية عبر التاريخ.

اليوم مثلا يطلقون نظرية جديدة لا بل مفهوماً مختلفا تماماً للربح والخسارة في الحروب التي يباشرون بإعلانها دون تحمّل تبعاتها وهم يقيسون بمقياس خاص بهم مقادير هذا الربح وهذه الخسارة. فمثلا يوم يبدأون بالتحديات فهم يريدون دون شك استئصال الشعوب والدول التي لا تعجبهم ورميها في البحر وهم بذلك يحللون قتل المدنيين على أنهم يتساوون والجنود كونهم برأيهم "مشروع جنود".

ثم عندما يطال الرد جماعتهم يستعملون قانون غيرهم فيلجأون إلى "حقوق الإنسان" التي لا يعترفون بها، وينادون على العالم الذي لا يسمعون لقوانينه بأن يأتي ليخرجهم من ضائقتهم، لا بل يبنون استراتيجيتهم وتكتيكاتهم العسكرية في القتال على أساس أنه يحل لهم مهاجمة الآخرين ولكن ليس لهؤلاء الحق في الرد عليهم.

لقد طور العالم بعد الحروب الكثيرة بين شعوبه ودوله قوانين ونظريات تميّز بين السكان المدنيين والقوى العسكرية المقاتلة وتوصلوا حتى إلى منع قتل الجرحى العسكريين أثناء الحروب ومنع قصف المستشفيات ومنع قتل الأسرى وحتى تعذيبهم والتوقف عن إطلاق النار فور رفع علم أبيض، كل ذلك بعد تجارب كان فيها الهدف المحافظة على الناس من قبل من يدّعي المحاربة من أجلهم، ولذا رأينا الثياب الخاصة بالعسكريين والإشارات الخاصة بالرتب (أي بدرجة المسؤولية) وإشارات الإسعاف وما إلى هنالك من الرموز التي تسهم في التقليل من عدد الضحايا بدون سبب.

نفهم جيدا أن يجهل "الجهاديون" الذين يدّعون بأنهم يعتمدون على خبرات قديمة في التاريخ لم يكن التمييز فيها بين المدنيين والعسكريين يخضع بعد لقوانين واضحة (قتال العشائر)، ربما، ولا كان واضحا بعد بأن رمز السلطة هو قواتها المسلحة وأنه عندما تنكسر القوة المسلحة لا جدوى من استمرار القتال الذي إنما يؤدي فقط إلى مزيد من الضحايا بدون نتيجة. ولكن ما لا نفهمه تشديدهم على أنهم لا يمكن أن يهزموا طالما بقي شخص واحد حي وهذا أمر في غاية الخطورة لأنهم بذلك إنما يبررون القتل الذي يجري ضد المدنيين ويرفعون اللوم عن العدو لا بل يدعونه لعدم الاكتفاء بضرب المراكز والأسلحة والجنود إنما للقيام بالمجازر بدل تحديد الأهداف كي لا يلام في حال سقوط ضحايا من المدنيين.

السيد نصرالله مثلا، حوّل هزيمته في 2006، التي قضى فيها اللبنانيون وخسروا بيوتهم والبنى التحتية للدولة، إلى نصر، وبالرغم من أنه استجدى، ومعه كل الشعب اللبناني والحكومة آنذاك، وقف القتال، ولكنه اعتبر أنه طالما بقي هو حيا أو أن الإسرائيليين لم يدخلوا إلى كل قرية ومدينة ويقتلوا على الأقل الشبان الذين يؤيدون حزبه ثم يفتشون كل البيوت التي قد يكون حولها إلى مخازن ذخيرة، فإن ذلك هو النصر المبين لا بل "النصر الإلهي"، (ولا يعني ذلك أننا نبرر العنف الإسرائيلي(.

اليوم تعتمد حماس في غزة نفس المنطق وهذا منطق خطير جدا يعيدنا إلى أجواء الهتلرية التي سمحت لنفسها باتخاذ قرار إبادة بعض الشعوب يوم وسمتها بالعداوة، وما عانى منه الفلسطينيون لاحقا في 1948، وفي نفس الأجواء، حين اعتقدوا أن كل من سيبقى في بيته سوف يقتل فكان النزوح الكبير خارج فلسطين وأفرغت الأرض من سكانها.

المبدأ الذي يحاول الجهاديون اليوم فرضه على الساحة، وهم في سدة الحكم، ومطلوب منهم بعض المسؤولية، هو بأنه لم يعد هناك مدنيون وان الحرب عندما تقوم بين قوتين لا بد لها أن تأخذ الكل في طريقها، وأن النصر لا يتم إلا بقتل كل المؤيدين في الجانب الآخر. وهنا نفهم قول نجاد  بأن على اليهود الذين يسكنون إسرائيل العودة إلى أوروبا في حال ربح هو لأنه لا مجال كما يبدو للرحمة أو العيش في ظل سلطة جديدة.

عندما يتبجح المدافعون عن "حماس" وأمثالها بأن مصر أكبر دولة عربية خسرت حرب 1967 بخسارة القوات المسلحة المعركة في سيناء خلال الساعات الست الأولى، وهو عار عليها، وكان يجب على المسؤولين في مصر يومها أن يدفعوا بالناس إلى القتال ولو بدون غطاء حتى يباد أكبر عدد من المصريين تحت قصف الطيران والمدفعية ومن ثم ومع هكذا قدر كبير من الضحايا يمكن أن يلام الإسرائيليون فيتحول نصرهم إلى خسارة كما يحدث اليوم في غزة أو كما حدث في جنوب لبنان. ويغيب عن بالهم حرب الاستنزاف وحرب 1973 اللتين خاضتاهما مصر وانتهتا إلى سلام أعيدت بموجبه سيناء كاملة. هذا الكلام ليس فقط كلام غير مسؤول ولكنه كلام خطير يؤدي إلى تحويل الحرب من حرب بين الجيوش إلى حرب بين الشعوب وبالتالي فهي حرب إبادة وليست حرب خسارة وربح، من هنا وفي ظل هذه المعادلة الجديدة في الحروب التي تقودها إيران اليوم، يتخوّف العالم من امتلاكها السلاح النووي أو مجرد التفكير بإمكانيتها اكتساب القدرة على صنع مثل هذا السلاح فيحق لأوروبا وأمريكا وخاصة لإسرائيل، لأنها المعنية مباشرة، العمل على منع إيران من مجرد التصور بقدرتها على صنع أسلحة دمار شامل قد تؤدي إلى إبادات جماعية لا يعرف أين تبدأ ولا أين تنتهي.

"الجهاديون" يعرفون كيف يعبئون الناس، صحيح، وقد يكون لهم القدرة على الإخراج الإعلامي وتحريك المشاعر، ولكنهم يقعون دوما في حبائل أفكارهم الشيطانية وترتد عليهم صنائعهم إذا ما وجد من يدقق في مقولاتهم ومن يهمه أمر الناس ومستقبلهم. فلو وقفت مصر مع لبنان ببعد نظر منذ اتفاق السابع عشر من أيار، وهي التي كانت سبقته إلى اتفاقيات كمب دافيد ولم تتركه لقمة سائغة بيد سوريا وبعض الجهلاء، لكانت وفرت على العرب وعلى اللبنانيين خاصة الكثير من المآسي، ولو دفعت هي والمجموعة العربية باتجاه تطبيق البند السابع في 2006 وطالبت بنزع سلاح حزب الله وغيره من المليشيات المسلحة كما يقول القرار 1559 لما تبجّح حزب الله بالنصر الإلهي ولما ارتد ذلك على عباس وغزة وها هو يرتد اليوم على مصر والسعودية وبقية المنظومة العربية.

فيا أيها "الأخوة" العرب لا يجب أن يغيب عن بالنا ذلك المثل القائل من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، ولا يجب أن يكال بمكيالين حتى عندما يتعلق الأمر بالعدو نفسه، لأن القيم التي نتربى عليها ونتعامل بها يجب أن تكون واحدة. ولا يعني هذا أننا نؤيد ما تقوم به إسرائيل ولكننا نريد أيضا نزع الحجة التي تعطي إسرائيل الحق بالرد ونعرف بأن شعب إسرائيل يتكفل عادة بملاحقة المسؤولين في بلده. فمتى يبدأ العرب بمحاكمة من يتسبب بالجرائم الجماعية ومن يبرر مثل هذه الجرائم؟ ولو أن لبنان العزيز قام بمحاكمة نصر الله على عمله في تموز 2006 الذي تسبب بكل الضحايا ولو بتشكيل لجنة تحقيق، فهل كان تجرأ على احتلال ساحة رياض الصلح؟ وهل كان أقدم على انقلاب السابع من أيار؟ وهل كان هنية سيقدم على ما أقدم عليه فتتعرض غزة اليوم لمثل هذا الجحيم؟

قيادة الشعوب ليست عملية سهلة ولا هي موضوع كاريزما وقدرات خطابية فقط، إنها بعد نظر ومسؤولية أولا وأخيرا. فهل نرتدع ونتعلم من الأخطاء أم أننا سنبقى قطعان يقودها كرّاز أعمى ولا تعرف شيئا عن الرعاة؟ 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها