نحو أحزاب طوائفية ذات بنية فيديرالية
عندما
كتبتُ عن فشل أحزاب لبنان في القرن العشرين(1)، حددت أسبابه واستخلصت
منها عاقبتها الحتمية.
أسباب فشل
الأحزاب أربعة: فهم هوية لبنان، إنتشار الحزب طوائفياً، حياة الحزب
داخلياً، وصول الحزب الى مجلس النواب ومشاركته في الحكم. اما العاقبة
فكانت فشل الاحزاب المخيف في إقناع المواطنين بأن النظام الحزبي حاجة
ديموقراطية ملحة. ولربما شكلت هذه النتيجة عاملا أول في ما آلت اليه
الاحزاب.
ولا بد،
بادىء ذي بدء، من تحديد معنى "الانتشار الطوائفي" بدقة - لأن موضوعنا،
هنا، محصور فيه -، فلا نقع في تناقض او مغالطة. خصوصا ان ذا اتجاه مختلف
قد يعترض عليّ فيقول، مثلا، إن الحزب الشيوعي، وسائر الحركات السياسية
الماركسية، والحزب السوري القومي الاجتماعي، منتشرة في اوساط مسيحيين
ومسلمين. وكذلك الوضع، وان الى حد معين، في حزب البعث العربي الاشتراكي،
قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان. ألا يشكل ذلك انتشاراً طوائفيا؟
جوابي على المعترض أن الانتماء الى الاحزاب الماركسية والحزب السوري
القومي الاجتماعي، انتماء اندماجي شديد المركزية وتوتاليتاريّ، عقيدة
ونظاماً، بحيث ان المحازب فيها يخرج، عمليا وبصورة او بأخرى، من طائفته
وإيمانه. عقيدة هذه الأحزاب إلحادية، مباشرة او ضمناً، أو، على الأقل،
تدفع محازبيها الى برودة دينية وخجل من إيمانهم الدينيّ.
وانتماء المسيحي الى حزب البعث العربي الاشتراكي، مع بقائه مسيحيا، وإن
سوسيولوجيا، انتماء اندماجي ومركزي وذو توجه توتاليتاري، وفيه تناقض
فاضح. ان ركيزة الدعوة في هذا الحزب دينية اسلامية صريحة. مع العلم بان
الغالبية من المسيحيين المنتمين الى البعث، اما لا يعرفون عن عقيدته
شيئاً سوى فكرة العروبة الضبابية - ومن غير ان يدروا ان العروبة، في
البعث وفي طبيعتها بالذات، إسلامية المنطلق والمحتوى والهدف -، واما
لمصالح أنانية بهدف استثمار هيمنة سورية مباشرة (سابقة) على لبنان. وربما
سها عن بال هؤلاء ان مشيل عفلق، أحد مؤسسي الحزب، قد اعتنق الاسلام،
إخلاصاً منه لعقيدته ولمنطقها.
وللمناسبة، نعرف، جميعنا، ان الاحزاب الكيانية اللبنانية، المنتشرة في
الوسط المسيحي، هي اندماجية ومركزية ولا ديموقراطية وطائفية.
والـ"طائفية"، هنا، هي بمعنى اقتصار اعضاء الاحزاب على الطوائف المسيحية،
على الرغم من ان الاحزاب لم ترد يوما هذه الحال الطائفية، وهي غير منصوص
عليها لا في فكرها، ولا في أنظمتها، ولا هي مقصودة في الاساس ولا مخطط
لها.
ومن يشير
الى حزبي الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية اللبنانية ليبرهن انهما
"طوائفيان" لوجود مسيحيين ومسلمين فيهما، أقول له: "ان مثل هذه الاحزاب
ليست جماهيرية. إنها تتألف، اجمالا، من وجهاء وزعماء وسياسيين، من مختلف
الطوائف، لكل منهم شعبيته الخاصة. وليس فيها لا تنظيم تراتبيّ بين
القاعدة والقمة، ولا هيكلية ولا ديموقراطية. يتحلق حول هذا الحزب طامحون
الى مناصب في الدولة، من رئاسية ووزارية ونيابية وادارية عليا، وسائر
الوصوليين. فالعلاقة، إذا، محض انتفاعية. لذلك قد يضمر الحزب الى حد
الاضمحلال بعد وفاة زعيمه التاريخي، اذا لم يله، مباشرة، زعيم تاريخي آخر
يكمل قيادة السابق.
ومن يشير
الى الحزب التقدمي الاشتراكي، او حزب الله، او حركة امل، أقول له: ان
وجود وزراء ونواب مسيحيين مرتبطين بهذه الاحزاب لا يجعلها ذات انتشار
طوائفي، ولا حتى احزابا مختلطة. لقد جمعتهم مع قيادة الحزب مصالح
انتخابية مشتركة فقط. اما القاعدة الحزبية فمحصورة، واقعيا، في طائفة
واحدة. وهذا الأمر معروف وواضح.
ان المقصود بفكرة "الانتشار الطوائفي" هو تكوين أحزاب، قاعدياً وهرميا
حتى القمة، من مسيحيين ومسلمين، مع الافساح للمحازب في مجال ان يبقى ابن
بيئته، يحيا فيها خصوصياتها من تراث وسلم قيم ومناخ وثقافة وخلفيات
وتطلعات وتقاليد وعادات... وهذا يفترض تنظيماً لا مركزيا ذا تكوين
فيديرالي، تطبق فيه الديموقراطية التوافقية.
فتكون هذه
الاحزاب طوائفية - توافقية ذات بنية فيديرالية.
عمليا،
يتحقق هذا الهدف بتكون الحزب من "وحدات" طائفية بحد معين من الاستقلالية
الداخلية، تشكل كل منها "جذعاً" حزبيا. اما عدد هذه الوحدات (الجذوع)،
وطرائق قيامها، وتجسدها في واقع بيئاتها، ونموها وتطورها، فأمر متروك لكل
حزب وفق ما يرتئيه محازبوه، ويرتاحون اليه وجدانيا، وتسمح به ظروفه. وذلك
بالاسلوب الافضل للمردود الافضل. وتلتقي هذه الوحدات في القمة في "مجلس
رئاسي"، ينتظم على النحو الذي يوافقه مع نظام داخلي يناسبه، ويخضع اعضاؤه
الى مبدأ "تداول السلطة".
وفي
الطبيعة شجرة من فصيلة النخليات اسمها "خاميروبس قزم" ذات شكل يوضح لنا
بعض الشيء بنية الاحزاب التي ادعو الى انشائها.
من جذور
واحدة من هذا النوع تنبت، مباشرة، وعلى مستوى الارض، جذوع عديدة. تخال كل
جذع وكأنه شجرة مستقلة قائمة بذاتها. فتعطي مجموعة الجذوع انطباعا انها
مجموعة اشجار لا شجرة واحدة. وفي التشبيه، تشكل "الجذور" برنا مج الحزب.
وهو يمد الحزب بالحياة والمذاق الواحد والتجانس في التوجهات والاهداف.
والجذع هو "الوحدة" الطائفية. اما "مجموع" الجذوع فهو الحزب. وهو واحد في
التنوع، وبـ"لا مركزية ادارية موسعة". لهذا السبب يدير الحزب "مجلس
رئاسي" لا فرد.
وهذا يعني
ان فرقاً جوهريا يميز بين الاحزاب الطوائفية التي ادعو الى انشائها، وهي
غير موجودة بعد، وسائر الاحزاب المعروفة. هذه الاخيرة اندماجية مركزية،
وغير ديموقراطية، واقعيا. والانتساب اليها يكون مباشرا وعلى أساس قبول
المنضوي فكر الحزب وانظمته غير المطبقة، اجمالا. اما الاحزاب الطوائفية
فتتكون من جذوع، كما مر معنا. ومجموع الجذوع يكوّن الحزب ببنية
فيديرالية. فانتساب المحازب الى الحزب يمر عبر جذع طائفي، مبدئياً، وعلى
اساس قبول برنامج الحزب ونظامه العام ونظام الجذع.
واذا قلت
ان الانتساب الى الحزب الطوائفي يمر عبر جذع طائفي، مبدئياً، فلأن عدد
الوحدات (الجذوع) في بنية الحزب الواحد لا يرقى حتما، وبذهنية دوغماتية،
الى عدد الطوائف في لبنان. يمكن ان يرتئي محازبون مختلفو الانتماء
الطائفي ان ينضموا الى جذع واحد، وذلك بحسب ما تتقبله وتسمح به بيئاتهم
واقتناعات ابنائها، ومن غير ان يحصل خلاف على طائفة من يتولى الرئاسة.
كذلك يمكن ان تتشكل وحدة مختلطة باسم "الجذع العلماني" لمن يرغب من
المواطنين في الجهر بخروجهم السوسيولوجي من طوائهم. فبنية الحزب الطوائفي
الفيديرالية تتكيف مع الظروف والمعطيات المختلفة.
بذا، تعكس
بنية الحزب التنظيمية تعددية المجتمع اللبناني الحقيقية.
وبذا،
أيضاً، نضع موضع التطبيق العملي مبدأ ان لبنان لا ينطلق الا بجناحيه، ولا
يحلق الا بجناحيه، مع احترام الخصوصيات الطوائفية داخل كل جناح. فتنجح
فيه الحياة السياسية، اذ يصير العمل السياسي وطنيا عاما. ويسهل على تلك
الاحزاب ان تنشر، بين محازبيها، ثقافة التفاهم الوطني الديموقراطي
المنفتحة على المجتمع بكل مكوناته، وعلى تعميمها في اوساطها، على نحو
واقعي ومعيش. فنخرج من المتاهات التي لا نزال نتخبط فيها منذ انشاء لبنان
الكبير.
وفي مقارنة سريعة في الفاعلية بين الاحزاب الاندماجية المركزية الطائفية،
كما تعرّفنا الى نماذجها حتى الآن في احزابنا القائمة، والاحزاب
الطوائفية - التوافقية ذات البنية الفيديرالية، نخلص الى بعض الحقائق.
لا بد لي، قبلا من ان اورد الملاحظة الآتية: في انتقادي احزابنا التي
عشناها - وكنت في صميم احدها - لا اعني البتة انها لم تنجح في اي امر، او
انها لم تخدم الوطن خدمات جلى، او لم تكن فعالة في تاريخه المعاصر، او لم
تنشئ مناضلين قدموا حياتهم دفاعا عن الحرية والكيان... ولكنني اعني ان
لون محازبيها المسيحي ومركزيتها التي تقيم مسيحيا في قمة الهرم الحزبيّ،
عطّلا قدراتها وجعلا الوطن يقع في الخسارة في وقت لم تبخل فيه هذه
الاحزاب بأي جهد في نضالها الوطني.
لنستقرىء،
الآن بعض الاحداث - المفاصل، ولنر ما كانت النتائج، وقد خرقتني حتى نخاع
العظم. واتوقف عند نقطة جوهرية، هي في نظري بليغة وبالغة الاهمية، اصوغها
على النحو الآتي: كل نجاح حصلت عليه احزابنا الاندماجية المركزية
الطائفية، او كل طاقة بذلتها في نضالها، عقبه اذى في عاطفة ما، او تمن
ما، او تصور معين، او موقف مبدئي، او مكسب وطني، وتراجع في ميزان القوى
الداخلي.
1- في
العام 1958 عطلنا، اي احزاب المسيحيين والرئيس كميل شمعون خطة سورية -
مصرية تقضي بضم لبنان الى الجمهورية العربية المتحدة. ولكن البيان
الوزاري لحكومة الاربعة، كما كانت تسمى، والمؤلفة من رشيد كرامي وحسين
العويني وبيار الجميل وريمون اده، نقل لبنان من "ذو وجه عربي"(3) الى
"بلد عربي" (وكان هذا في حينه، رهيب في الواقع في اوساط معينة) والى بدء
تقلص في النفوذ المسيحي في الدولة.
-2 في
العام 1969 ساعد انتصار "الحلف" (اي تحالف الكتائب والاحرار والكتلة
الوطنية في انتخابات 1968) في خلق اجواء محلية وخارجية تنبه الى اخطار
الكفاح الفلسطيني المسلح على الكيان اللبناني وعلى الاستقرار الداخلي
والاقليمي. وعلى الرغم من ذلك، كانت النتيجة تنازلا عن السيادة الوطنية
في "اتفاق القاهرة".
-3 ما بين
العام 1975 و1990 انقذت مقاومة المسيحيين الكيان اللبناني، وحالت دون
تغيير طابع الدولة، وحافظت على بقعة حرة في لبنان. ولكن ذلك لم يحل دون
هجرة مسيحية كثيفة، وازدياد في اختلال ميزان القوى الداخلي واحتلال سوري
مباشر للبنان دام خمسة عشر عاما. والعوامل الثلاثة: الهجرة واختلال ميزان
القوى والاحتلال السوري عطلت ايجابيات اتفاق الطائف، وأبقت على سلبياته،
وعلى استغلال هذه السلبيات ايما استغلال. وكاد انهيار المسيحيين يستمر لو
لم تتضافر ظروف خارجية وداخلية تلزم السوريين بالانسحاب، وتفسح لشمس
الاستقلال بأن تشرق من جديد. وأهم عنصر داخلي ساعد في ذلك هو التحالف
الطوائفي في 14 آذار 2005، وقد نجح هذا التحالف بمساندة خارجية قوية، في
اخراج الجيش السوري، وفي الوقوف في وجه عودته، وفي تدعيم استقلال لبنان
وسيادته.
ويمكن ان نستعرض غير حدث وظرف تاريخي لنؤكد ان الخسارة كانت في العقود
الماضية اكثر مما جنيناه من ربح. والسبب الاساسي ان المسيحيين كانوا
وحدهم في ميدان النضال السيادي، بتوجه وطني - سياسي لا يشاركهم فيه
المسلمون اللبنانيون، بالاضافة الى مفهوم المسيحيين الحقوقي الغربي
للدولة والسيادة والاستقلال، والى سلوك المسلمين اللبنانيين السياسي
الذين فضلوا الاعتبارات الاسلامية، العربية وغير العربية على المصالح
الوجودية اللبنانية العليا، سواء في زمن الناصرية ام في الكفاح الفلسطيني
المسلح، وتماهيهم مع تلك الاعتبارات. لقد تطرف المسلمون كثيرا في
علاقاتهم الخاصة بالشعوب والتيارات الاسلامية، الى حد ان المسيحيين احسوا
بعمق، كأن لبنان كان غائبا عن وجدان المسلمين.
اما
فاعلية الاحزاب الطوائفية - التوافقية ذات البنية الفيديرالية، فهذا بعض
ما ارتقب منها.
1- في
الحياة الحزبية الداخلية، يبقى للمحازبين في جـــذوعهـــم،
ديـــنـــامـــية الاجواء والقيم الخاصة. وحرية التفكير، وعفوية التعبير،
فيعيشون ضميرهم المجتمعي من غير ان يخدش شـــعور اي شخص آخر. بينما، في
حال الاحزاب الطائفية المـــركزية، وفي وجود محازبين من لون ديني او
طائفي مختلف يحد من دينامية عيش الاجواء والقيم الخاصة. وعلى سبيل المثل،
ما زلت اذكر في اجتماعات المجلس المركزي في الكتائب اللبنانية حرص
الموجودين على الامتناع عن قول اي شيء، ولو مفيدا وضروريا، بسبب حضور
الكتائبي الدرزي حكمت حمدان الذي انتخبناه لعضوية المكتب السياسي بدافع
اولي انه غير مسيحي. علما بأنه كان كفيا ومؤهلا لتحمل هذه المسؤولية. وفي
حياة كل منا الاجتماعية دليل آخر، هو تحفظه في الكلام، وتردده في اعلان
موقفه الحقيقي من امر ما، وتصنعه في عبـــاراتـــه وحركاته، وكذبه في
موقفه من النظام الطائفي في لبنان، كل ذلك لأن بين الحاضرين من هم من دين
آخر.
2- لم
يشكل "الميثاق الوطني" و"اتفاق الطائف" ثقافة وطنية - سياسية للقواعد
الشعبية، على اختلاف درجاتها الاجتماعية ومستوياتها الثقافية. فقد بقيا
محصورين في الفلك السياسي الاعلى حيث يتاجر بهما، وغريبين عن انفعال
المواطنين وافعالهم. وكان يفترض بهما ان يجمعا جناحي الوطن. هذا الامر لم
يتحقق. فبقي الجناحان متباعدين. ولم يبدأا في الالتقاء عمليا وعلنيا، الا
من خلال "ثورة الارز" في 14 آذار 2005. والسبب ان التلاقي قبل ذلك، لم
يكن متيسرا، والحواجز المانعة كانت عديدة، وفي طليعتها سيطرة الاوهام
والشائعات، المغرضة والمحرمات والافكار المسبقة. وليس مثل الـ"وجها لوجه"
قادرا على التفهم والتفاهم، والاطلاع المباشر على واقع الآخر وحقيقة
تفكيره ومراميه. وهذا ما تقدمه الاحزاب الطوائفية - التوافقية ذات البنية
الفيديرالية عبر الانتساب المشترك الى حزب واحد وما يفترضه، ويفرضه، من
تلاق وتواصل وتفاعل.
3- وفي
هذا النوع من الاحزاب، يمكن ان يتفاهم المسيحيون والمسلمون على قيام
توازن في علاقة المسلمين اللبنانيين بالشعوب والتيارات الاسلامية في
العالم - وهي علاقة ينبغي ان يقر بها المسيحيون وبشرعيتها - ، على أن
يؤدي هذا التوازن الى تحقيق تلك العلاقة، في مقتضياتها الجوهرية،
والمحافظة في الوقت نفسه على حق لبنان، كأي دولة اخرى، في الاولوية
والاعتبار.
4- وفي
هذا النوع من الاحزاب ايضا، يستفيد الوفاق الوطني اللبناني من اجواء
"ثورة الارز" وروحيتها وافكارها: لبنان اولا دولة مدنية، استقلال وسيادة
تامان، حدود دولية مرسومة ومقبولة من الاقربين والابعدين، تمثيل
ديبلوماسي مع سوريا، حقوق وواجبات متساوية بين المواطنين جميعا، وانماء
متوازن وانفتاح على العالم بأسره، بالاضافة الى ما جاء في "وصايا" الامام
الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وما ورد في "الميثاق الاسلامي" في لبنان الذي
اقترحته "الجماعة الاسلامية" في العام 2003 واجازته 250 جمعية وشخصية
اسلامية لبنانية، وما حصل من تضامن مجتمعي رائع في حرب تموز - آب 2006،
مع العلم بأن الغالبية الساحقة من اللبنانيين كانت ضد هذه الحرب.
5- وفي الاحزاب الطوائفية - التوافقية ذات البنية الفيديرالية يبحث
المحازبون مباشرة في ما بينهم، عن البنية المستقبلية الافضل للدولة
اللبنانية. وانني مقتنع بأن الكلام عندئذ على "بنية مركبة ما" لا يعود
محرما، ولا يحول دونه حذر وسوء ظن. فيعيش المحازبون خير التفاعل الوطني
من غير انصهار ولا ذوبان ولا فقدان الخصوصيات، مما يمهد لخلق رأي عام
لبناني حر عريض يطالب ببنية جديدة للدولة تتوافق والحقيقة المجتمعية
اللبنانية.
6- في حال نجحت اهداف "الاحزاب الطوائفية - التوافقية ذات البنية
الفيديرالية" يحقق لبنان بين بنيه، ما اسميه "تكاملية الحاجات وتبادل
المنافع" والتي هي في اساس العولمة. فيحقق لبنان عولمته "الخاصة" قبل ان
يدخل عنصرا منتجا، لا مستهلكا فحسب، في "العولمة العامة" الآتية لا
محالة.
• • •
ما اقدمه
مشروع كبير ورؤيوي. وانني لعلى ثقة بنجاحه، على الرغم من العوائق الهائلة
التي سيلاقيها رواده، والجهود الضخمة التي سيبذلونها، والزمن غير اليسير
الذي سيوظفونه ولكنهم سيظفرون بمرادهم ان هم سعوا اليه منهجيا وباخلاص.
الاقتناع
العميق بقيمة المشروع وبسمو غاياته، والارادة الصادقة والمثابرة الفعالة،
ومواجهة الصعوبات بصبر والامتناع عن حرق المراحل، كل ذلك يضمن لنا
التوفيق بمبتغانا، وينقل مجتمعنا اللبناني التعددي من زمن الى زمن،
ويرفعه من مستوى الى آخر اكثر رقيا، يشق طريقا جديدة في الحياة الوطنية.
(المسيرة)
1- انطوان نجم، كي لا نسير وراء السراب، آفاق مشرقية 10، الطبعة الثانية
2006، ص109 - 122.
2- "فلبنان ذو وجه عربي يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب" (من البيان
الوزاري للوزارة الاستقلالية الاولى، وكانت برئاسة رياض الصلح).
3- "...
ليبقى لبنان لنا جميعا بوضعه الحاضر، بلدا عربيا حرا عزيزا مستقلا" (من
البيان الوزاري لحكومة الاربعة بعد احداث 1958، وكانت برئاسة رشيد كرامي |