لواقع الوجودي المسيحي في لبنان في مطلع الألف الثالث للميلاد
الدكتور
انطوان نجم_ محاضرة حول "الواقع
الوجودي المسيحي في لبنان في مطلع الألف الثالث "_ 1999 _ الجزء
الأول
لننطلق من
العنوان ونتمعّن باللفظة المعبّرة عن الفكرة: انها لفظة "الوجودي"
نلاحظ
ان
النيّة لا ترمي، حتى مداورةً، الى قضايا مثل الإنماء او السلطة السياسية
او العجز
المالي او الوظائف، وما سوى ذلك من أمور ملحّة او أساسية، على مستوياتها،
بل ذهبت
مباشرة تطرح مسألة الوجود بالذات.
ومسألة الوجود هي آخر معقل
للكائن.
بمكن ان
تتقلّص طلبات الإنسان واحتياجاته حتى تصل الى ان بما دونها
يبطل
الانسان ان يبقى حيّاً. ليتخيّل احدنا انه وقع في سلسلة من الظروف
السلبية
والمآسي ذات نتائج وجودية ، فهو سيقلّص احتياجاته الى حد ان ما دونها
يودي به الى
الموت
.فعندما
تصل بنا الأمور الى المدى الذي يدفعنا الى طرح مسألة الوجود،
نكون
قد وصلنا الى ابعد ما يمكن ان يصل اليه الهمّ.ا
نها
الحال الأدنى التي
ما
يعادلها أدنى، فهل وصلنا الى هذه الحال لنطرح، بالتالي، مسألة وجودنا
وبقائنا
؟
ومن
جهة أخرى لا بد من التحديد بدقّة أي وجود مطروح.
هل هو
الوجود
الجسدي؟ الأمر ممكن، نظرياً ، أما عملياً، فما عادت الإبادة الجماعية
امراً سهلاً،
لذا
ينبغي ان نستبعدها كليّاً
.ماذا
نعني إذاً بالوجود؟
نعني به
وجودنا
جماعة
مسيحية.
وعلى أي
وجود مسيحي نتكلّم؟
هل هو
الوجود المسيحي الجمودي،
الذمّي الباهت، المتعيّش، المكتفي بالأكل والشرب والنوم والتزاوج وجمع
المال؟ ام هو
الوجود المسيحي الدينامي، الحر ، الحيّ ، الفاعل ، المتساوي مساواة تامة
في الحقوق
والواجبات كلها ووجود أي جماعة دينية أخرى؟
اقصد
طبعاً، هذا الوجود المسيحي لا
ذاك.
فأياًّ كانت فاعلية الوجود القبطي في مصر، لا تُقارن بالقضم اليومي الذي
يتعرض
له هذا الوجود، فالمعلومات المحققة تشير الى العدد السنوي الضخم المرعب
من
الأقباط الذين يهاجرون او يشهرون اسلامهم. ويكتفي الباقون منهم في وطنهم
بالحياة
على
الهامش في مجتمع غلبته مسلمة ، ذميين صاغرين. وهذا القول عن الوجود
المسيحي
ينطبق
ايضاً على تركيا وايران فضلاً على بلدان المشرق الأخرى
...فالكلام
على "الواقع
الوجودي المسيحي" الذي نعنيه هو، إذاً، الواقع الوجودي الدينامي الحرّ،
الحي،
المتساوي مساواة تامّة في الحقوق والواجبات كلها والواقع الوجودي لأي
جماعة
دينية
أخرى.
بعد
هذا الإيضاح، اصل الى السؤال الأساسي المباشر: هل من مبرر
لطرح
مسألة "الواقع الوجودي المسيحي"؟
غير
قليل من المسيحيين في مراكز
القيادة الرسمية او الشعبية وفي الأحزاب غير الكيانية (أي التي لا تؤمن
باستمرارية
الكيان اللبناني القائم ونهائيته) ينكرون بقوة وجود مشكلة
الواقع الوجودي المسيحي في لبنان في مطلع الألف الثالث
للميلاد
لننطلق من
العنوان ونتمعّن باللفظة المعبّرة عن الفكرة: انها لفظة "الوجودي
"نلاحظ
ان
النيّة لا ترمي، حتى مداورةً، الى قضايا مثل الإنماء او السلطة السياسية
او العجز
المالي او الوظائف، وما سوى ذلك من أمور ملحّة او أساسية، على مستوياتها،
بل ذهبت
مباشرة تطرح مسألة الوجود بالذات.
ومسألة الوجود هي آخر معقل
للكائن.
بمكن
ان تتقلّص طلبات الإنسان واحتياجاته حتى تصل الى ان بما دونها
يبطل
الانسان ان يبقى حيّاً. ليتخيّل احدنا انه وقع في سلسلة من الظروف
السلبية
والمآسي ذات نتائج وجودية ، فهو سيقلّص احتياجاته الى حد ان ما دونها
يودي
به الى
الموت.
فعندما تصل بنا الأمور الى المدى الذي يدفعنا الى طرح مسألة الوجود،
نكون
قد وصلنا الى ابعد ما يمكن ان يصل اليه الهمّ.
انها
الحال الأدنى التي
ما
يعادلها أدنى، فهل وصلنا الى هذه الحال لنطرح، بالتالي، مسألة وجودنا
وبقائنا
؟
ومن
جهة أخرى لا بد من التحديد بدقّة أي وجود مطروح.
هل هو
الوجود
الجسدي؟ الأمر ممكن، نظرياً ، أما عملياً، فما عادت الإبادة الجماعية
امراً سهلاً،
لذا
ينبغي ان
نستبعدها كليّاً.
ماذا
نعني إذاً بالوجود؟
نعني
به وجودنا
جماعة
مسيحية.
وعلى أي وجود
مسيحي نتكلّم؟
هل هو
الوجود المسيحي الجمودي،
الذمّي الباهت، المتعيّش، المكتفي بالأكل والشرب والنوم والتزاوج وجمع
المال؟
ام هو
الوجود المسيحي الدينامي، الحر ، الحيّ ، الفاعل ، المتساوي مساواة تامة
في الحقوق
والواجبات كلها ووجود
أي
جماعة دينية أخرى؟
اقصد
طبعاً، هذا الوجود المسيحي لا
ذاك.
فأياًّ كانت فاعلية الوجود القبطي في مصر، لا تُقارن بالقضم اليومي الذي
يتعرض
له هذا الوجود، فالمعلومات المحققة تشير الى العدد السنوي الضخم المرعب
من
الأقباط الذين يهاجرون او يشهرون اسلامهم. ويكتفي الباقون منهم في وطنهم
بالحياة
على
الهامش في مجتمع غلبته مسلمة ، ذميين صاغرين. وهذا القول عن الوجود
المسيحي
ينطبق
ايضاً على تركيا وايران فضلاً على بلدان المشرق الأخرى...
فالكلام على
"الواقع
الوجودي المسيحي" الذي نعنيه هو، إذاً، الواقع الوجودي الدينامي الحرّ،
الحي،
المتساوي مساواة تامّة في الحقوق والواجبات كلها والواقع الوجودي لأي
جماعة
دينية
أخرى.
بعد هذا
الإيضاح، اصل الى السؤال الأساسي المباشر: هل من مبرر
لطرح
مسألة "الواقع الوجودي المسيحي"؟
غير
قليل من المسيحيين في مراكز
القيادة الرسمية او الشعبية وفي الأحزاب غير الكيانية (أي التي لا تؤمن
باستمرارية
الكيان اللبناني القائم ونهائيته) ينكرون بقوة وجود مشكلة بالنسبة الى
المسيحيين ،
ويعتبرون ان ما يسمّى مشكلة هو "وهم" خلقه الاكليروس الماروني والرئيس
اميل إدّه
وتعهّده ورعاه آل الجميّل وآل شمعون وسمير جعجع ومن لفّ لفّهم بغية
استثمارهم
لمآربهم الشخصية على غير صعيد. ولكم التقيت مثل اولئك في درب حياتي
النضالية
الوطنية التي تقترب من نصف قرن، وقد آلموني كثيراً.
وتميّز الرسميون
المسيحيون في السنوات القريبة الماضية بالإصرار نظرياً وعملياً على إنكار
وجود
المشكلة، وتصرّفوا بموجبه، فكان ما كان من إنضمام لبنان الى الأليسكو
مرسوم التجنيس
السيء
الذكر، ونتائج الإنتخابات النيابية وإختلال التوازن الطائفي
التعبيري.
ويبدو ان
الأيام الطالعة ستستمر في هذا التوجّه ، وستتميّز
بالتعمّق فيه لتصل الى مشروع لإلغاء النظام الطائفي السياسي، مما يدمّر
التوازن
كلّياً.
فمشكلة المشاكل ان ينكر وجود المشكلة من يُفترض فيهم أنهم قيّمون على
مقدّرات المسيحيين وعلى مصيرهم.
اما انا فأُجيب على السؤال بالإيجاب: يوجد
غير
مبرر لطرح مسألة "الواقع الوجودي المسيحي" وبراهيني استقيها من التاريخ
ومن
الأحداث المعاصرة.
يدفعنا التاريخ الى التساؤل : اين هم مسيحييو الشرق، وقد
كان
برمّته مسيحياً؟ ان عددهم لا يتجاوز اليوم عشرة ملايين نسمة في افضل
التقديرات
الإحصائية في المنطقة التي تشمل مصر واسرائيل والأردن وسوريا ولبنان
وغيرها...من
مجمل
السكان البالغ عددهم 237308000 نسمة أي بنسبة 4.22% تقريباً.
ويدفعنا
التاريخ الى التساؤل، ايضاً، اين هي القسطنطينية، وقد كانت تدعو الى
مجامع مسكونية
؟ لقد
تحوّلت الى اسطنبول ، واين هي انطاكيا؟ والرها ؟ ونصيّبين؟...أما
الأحداث المعاصرة، فقد عشناها في ما جرى في لبنان في العام 1958، وخصوصاً
في الحروب
التي
توالت منذ نيسان 1975، وفي هجرة المسيحيين الكثيفة من ايران والعراق
وسوريا
واسرائيل ولبنان ...وعشناها في توقيع لبنان على الإنضمام الى الأليسكو
بتاريخ 24
تشرين
الثاني 1990 وفي مرسوم التجنيس، وفي تركيبة الانتخابات النيابية وفي
معاهدة
الأخوّة والتعاون والتنسيق...
وأهّم ما يشغل البال ما نشرته جريدة
"الفيغارو"
الفرنسية في العام 1984 ونقلته جريدة الأحرار البيروتية، عن مقررات زعمت
الجريدة الفرنسية ان مؤتمر الدول الاسلامية المنعقد في لاهور الباكستان
في العام 1980
قد
اتخذها. ومن هذه المقررات البندان السادس والسابع اللذان يدعوان الى
تصفية
المسيحية في الشرق الأدنى وبدءاً من لبنان.
اعلن
السيّد حبيب الشطّي ،
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي، في حديث خاص لجريدة "الشرق
الأوسط" في 16
تموز
1984 ان المنظمة سترفع دعوى ضد الجريدة الفرنسية لاختلاقها الخبر، وان
المحاكم
الفرنسية ستنظر في هذه الدعوى مع حلول شهر تشرين الأول. وانقضى الشهر
المذكور وسواه
ولم
يتم النظر في الدعوى. فهل قُدّمت ام لا؟ لا نعرف. غير ان السيد الشطّي
كتب
ردّاً
مفصّلاً بعث به الى جريدة "الفيغارو" وفي ذيل ردّه نشرت الكاتبة "سوزان
لبان"
ردّاً
مختصراً أصرّت فيه على ان الاجتماع عُقد فعلاً وان الأمين العام يتكتّم
على
الموضوع بسبب انعقاد الاجتماع بسريّة تامة.
لا
يوجد إثبات على اتخاذ مؤتمر
لاهور
مقررات بهذا المعنى...ولكن ما جرى على الأرض عندنا قبل مؤتمر لاهور وبعده
الى
ماذا
يدّل؟ وما هي عبره؟ ودعوة القذافي المسيحيين الى اعتناق الإسلام، في أي
إطار
نضعها؟ وكيف نفهمها؟ والأموال الضخمة التي دفعها زعيم ليبيا وسواه من
زعماء العرب
والمسلمين خلال الحروب في لبنان للفلسطينيين وللحركة المسّاة وطنية ، الى
ماذا كانت
تهدف
في حقيقة الأمر؟
إن ما
اصابنا اوصلنا، في ما اوصلنا اليه، الى نتيجتين
مرعبتين، فضلاً على ما لحقنا من خسائر ودمار وموت.
الأول، تهجير المسيحيين
الى
خارج لبنان في عدد يزيد على نصف مليون نسمة. مما جعل التوازن اللبناني
الداخلي
المؤثّر مختلاًّ، وزاد الإختلال مرسوم التجنيس المشؤوم.
والثانية، إنعدام
التمثيل المسيحي الصحيح على الأصعدة الرسمية على اختلافها ، وهاتان
النتيجتان الى
ما
أُطلق عليه تسمية "الإحباط" ، وهو في الواقع قرف مقرون بالخوف، والذي
بدوره غذّى
ويغذّي الهجرة ويقوّيها ، وخصوصاً هجرة الأدمغة، والذي من نتائجه ايضاً
ان قادة
المسيحيين فقدوا مصداقيتهم لدى المسيحيين عموماً.
..لا
نلوم مؤتمر لاهور
ولا
نلوم أحداً بمقدار ما نلوم المسيحيين الذين سددوا الطعنات الى ابناء
مجتمعهم.
هو مسيحي
الرئيس الياس الهراوي من وقّع انضمام لبنان الى الأليسكو،
وعلى
مرسوم التجنيس، وعلى قانون الانتخابات...
وهو مسيحي
السيّد ميشال إدّه
، من
كان مستعداً لإلقاء نفسه امام الدبابات السورية كي لا تبرح لبنان.
وهم
مسيحيون من ساهموا في القبض على سمير جعجع وحققوا معه واحالوه الى
المحاكمة وحكموا
عليه،
وضربوا القوات اللبنانية واضطهدوا اعضاءها وبعثروهم
.وهو
مسيحي الأب
ميشال
لولون (مسؤول سابق في لجان العلاقات الاسلامية- المسيحية في الفاتيكان
وفرنسا) من يقول :" خير لي ان أرى المسيحي اللبناني يموت من ان اراه يقتل
قريبه
حفاظاً على بقائه"!!!!
وهم
مسيحيون، مطارنة وكهنة، موارنة
وروماً كاثوليك
وروماً ارثوذكساً من افتروا على المقاومة اللبنانية المسيحية منذ
بدايتها، فشوّهوها
بنعوت
شتّى، وبعضهم لأسباب نخجل من ذكرها
.وهم
مسيحيون من لم يبالوا في
لقاءات الكسليك في مطلع الحرب، بإقتراح إنشاء مؤسسة تُعنى بشراء الأراضي
التي
يطرحها المسيحيون للبيع وبإعادة بيعها من مسيحيين
.وهم
مسيحيون، وفي اعلى
درجات
المسؤولية الكهنوتية ، من لم يبالوا بموضوع الأليسكو ولم يحركوا ساكناً
يوم
اطلعتهم عليه وبيّنت اخطاره
.وهم
مسيحيون من كانوا يتهرّبون دوماً من تمويل
أي
مشروع يرمي الى إنشاء مركز مسيحي للتوثيق والبحاث والنشر
...هذا
قليل من
كثير،
ومن هؤلاء وامثالهم يصّح قول الشاعر
:وظلم
ذوي القربى اشدّ مضاضة على
المرء
من وقع الحسام المهنّد
===================================================
اذا
كنت اشدد في كلامي على الواقع المسيحي وعلى وضع
المسيحيين في لبنان، فلأن لبنان قلب المسألة وروحها وحصنها. وفي ضوء هذا
نفهم ان
يرى
مؤتمر لاهور- اذا كان الخبر صحيحاً لا سمح الله- ان يُبدأ بلبنان لتصفية
المسيحية الحرة في الشرق الأدنى. ونفهم ايضاً المسيحي الكبير الدكتور
شارل مالك
عندما
يقول:" اذا سقطت المسيحية في لبنان- ولبنان آخر معقل لها في المشرق-
انتهى
امرها
في الشرق الأوسط كله، بل في اسيا وافريقيا"
وأوجز
خلاصة الوضع الخطير
ببندين اساسيين ، فضلاً على بنود اخرى.
البند
الأول ان النمو الديموغرافي
الإسلامي في لبنان سيؤول، أو آل، مع انخفاض الولادات عند المسيحيين
وهجرتهم
الكثيفة، الى جعل المسيحيين المقيمين فعلاً على الأرض اللبنانية أقليّة.
فعدد من
المصادر الجديّة يلتقي على اعتبار اللبنانيين الموجودين على الأراضي
اللبنانية
صاروا
بنسبة 63.5% و36.5% للمسيحيين، هذا قبل مرسوم التجنيس، الا ان النسبة
تعود
فتتعدّل لصالح المسيحيين اذا عاد المهاجرون الذين تركوا الوطن ما بين
1975 و 1990
وعددهم يربو على النصف مليون نسمة، على ما اشرت.
وكان محمد
جميل بيهم وهو من
كبار
المثقفين المسلمين، وأكنّ له كثيراً من الاحترام، قد تنبأ بمقال له في
العام 1936،
أن يوماً سيأتي يصبح فيه المسلمون اكثرية في لبنان، والمسيحيون اقلية،
لأن "احوال
المسلمين الشخصية وإقبالهم على الزواج تكفلان لهم عمّا قريب اكثرية عددية
،
وكلما
مرّ الزمن ازدادوا كثرة ولا سيمّا انهم اقل من سواهم ميلاً الى الهجرة"،
واضاف
ان هذا ما سيكون من اسباب "عودة" لبنان في المستقبل القريب الى الوحدة
السورية.
وكان
الرئيس بشير الجميّل واعياً خطورة فقدان التوازن الديموغرافي
،
فأسرّ اليّ بعدما انتخب رئيساً للجمهورية في العام 1982، ان في رأس
برنامجه للعام 1983
استعادة نصف مليون مسيحي مغترب.
وفي تاريخ
لبنان في القرن الماضي ما يوضح
اهمية
الديمغرافيا في الأوضاع السياسية، فالمشاكل في الشوف بين الموارنة
والدروز
سببها
الجوهري نمو الموارنة عددياً وتحسّن اوضاعهم الأقتصادية ، بحيث مالوا الى
العمل
لتغييرات في الأوضاع السياسية والادارية في الشوف تواكب المتغيرات
الحاصلة،
فكان
الصدام. اما الأحداث التي تذكرها الكتب اسباباً مفجّرة بين الجماعتين،
فكانت
ثانوية، وبعضها سخيفاً وتافهاً.
وفي رأيي
ان إيقاف هجرة المسيحيين ينبغي ان
يأتي
في رأس الأولياّت من اهتمام قادتنا. وقد كتبت في "رسالة الى المسيحيين"
في
العام
1992:" ان النزيف البشري يضرب مجتمعنا المسيحي كلّه كفيل بإضعافه حتى
الزوال،
الوضع
مقلق، والنتيجة بحجم الكارثة فحذار"
وفي "عهد
وايمان" وهو نص من صفحة
واحدة
وضعته في العام 1995، وتوزّع منه خمسة الآف نسخة، كتبتُ:" اعد بأني على
هذه
الأرض
باقٍ، لن اهملها، لن اهجرها، لن ابيعها مهما قست الأيام وامعنت في جورها"،
وقد
اقسمت على ان افي بالوعد. ووقعت على العهد. واتمنّى لو يقسم المسيحيون
جميعهم
هذا
القسم ويوقّعوا على هذا العهد.
ان موضوع
الأكثرية والأقلية ما كان بذي
بال
عند المسيحيين لولا خطر الذميّة الذي يتهددهم والذي يُعلن صراحة نظاماً
اجتماعياً- سياسياً ل "اهل الكتاب" ولا يزال يرّن في آذاننا قول الشيخ
حسن نصرالله
،
الأمين العام لحزب الله: "لبنان وهذه المنطقة هي للإسلام والمسلمين، ويجب
ان
يحكمها الإسلام والمسلمون"
خطر
الذميّة كان دافع المسيحيين الى استنباط
صيغة
1943 والى الوقوف بحزم وصلابة في وجه اي دعوة الى دخول الدولة اللبنانية
الوحدة العربية، جزئية كانت ام كليّة، وفي وجه اي محاولة لإلغاء النظام
الطائفي
السياسي واعتماد الديمقراطية العددية.
خطر
الذميّة إياه كان دافعي، واليوم
اكثر
من اي وقت مضى، للمناداة بنظام الفدرالية في لبنان. وحده هذا النظام قادر
على
نقل
العيش المشترك عندنا من التصادم الى التآلف، ملغياً عدداً كبيراً من
عوامل
الصراع والتفجير، مؤّمناً بقاء لبنان في كيانه الجغرافي القائم ومحققاً
الاستقرار
المنشود، بشرط ان يتم التحوّل بإقتناع لبناني عام وقبول عربي مسبق صريح.
وكل نظام
لا
يقوم على قاعدتي الحريّة والاقتناع سيفشل حتماً، وربما يسبب من المآسي
اكثر مما
يعالج
من قضايا. ولا بد من ان اشير الى ان من ايجابيات الفدرالية، ايضاً، انها
تحصر
قيادة
المسيحيين وتمثيلهم والنطق بإسمهم بممثلين حقيقيين لهم، منبثقين من
صفوفهم
ومعبّرين عن وجدانهم تعبيراً صحيحاً، وكذلك يكون الحال بالنسبة الى
المسلمين
وفي
المناسبة مرة واحدة فقط لم أؤيد فيها السيج البطريرك الماروني في مواقفه.
لم أؤيده
في
اعتراضه على ملحق التجنيس لسببين: الأول، ان ما من قوة ستسمح في التوازن
القائم
بسحب
الجنسية من المجنسين الجدد، ايّاً كانت الأخطاء القانونية، شكلاً
ومضموناً
التي
رافقت وضع مرسوم التجنيس وصدوره. والسبب الثاني، ان المحق العتيد كان
سبيلاً
لتجنيس من يمكن تجنيسه من المسيحيين المشرقيين. فبدلاً من ان يهاجر هؤلاء
الى
الأصقاع الأوروبية والأميركية والأسترالية ويذوبوا فيها، يأتون الى لبنان
ويستقرّون
فيه،
فيبقون في الشرق، ويربحهم لبنان، فيقّووا به ويقوى بهم.
ويتعلّق
الثاني
بخصوصية المسيحيين الثقافية.
تكلّم
البابا يوحنا بولس الثاني عن أهمّية
الثقافة وهو القائل:" انا ابن أمّة... حافظت على سيادتها الوطنية على
الرغم من كل
ما
تعرّضت له من الخارج من تقسيم واحتلال، معتمدة لا على طاقات القوة
المادية بل
على
ثقافتها فقط. وقد تبيّن ان هذه الثقافة كانت اكبر من كل قوة
سواها"
والربط المحكم بين الدين والثقافة ورد في "النداء الأخير" وفي
الإرشاد الرسولي " رجاء جديد للبنان".
جاء
في الفقرة 19 من "النداء
الأخير":" ان كل دين يعبّر عن ذاته ثقافياً لأنه متجسّد"
ونص
الإرشاد
الرسولي على "احترام تقاليد (المسيحيين) الثقافية والروحية" (الفقرة 17)
وعلى "أمانة
(كل واحد) لتقاليده الروحية والثقافية..." (الفقرة 95) وعلى "اناس
متباينين
على
الصعيد الثقافي والديني..." (الفقرة 119)...وكانت
الأونيسكو قد عرّفت
"الثقافة"
بأنها "مجموع السمات المميزّة ، الروحية والمادية، العقلية والعاطفية،
التي
يتصف بها مجتمع او مجموعة اجتماعية. انها تشمل، الى جانب الفنون والآداب،
انماط
الحياة والحقوق الأساسية للكائن البشري وانظمة القيم والتقاليد
والمعتقدات"
ان الفروق
بين المسيحيين والمسلمين في لبنان ليست في لون
البشرة او في الشكل او في اللغة او في الأصل او في العرق او في الذكاء او
في العلم
والجهل او في التقدم والتأخر او في الغنى والفقر، او ما سوى ذلك مما لا
يخطر على
بال
عاقل...
ان ما
يمايزهم عائد الى انتماؤاتهم الدينية التي تحمل في ذاتها
مفاهيم متغايرة تنعكس على التنظيم السياسي والمجتمعي وعلى الثقافة
المجتمعية،
بالمعنى الذي تعطيه الأونيسكو، وخصوصاً بالنسبة للمسلمين، لأن الاسلام
نظام كامل
شامل
تندرج فيه شؤون الفرد والجماعة، وامور الدنيا والآخرة، ومسائل الجسد
والروح،
والنظام العام والحياة الشخصية قضايا الأخلاق والقيم، واحكام كل مخلوق
وعلاقته
بالنظام الكوني، والتغاير لا يتضمن على الاطلاق تقييماً تفضيلياً.
وقد
لاحظ
الدكتور جورج قرم هذا التغاير العميق، فاعتبر " ان الثقافة المارونية
مركّزة على
الذات
ومجذّرة في الجبل اللبناني مع تاريخ طويل من الانفتاح غير التصارعي مع
الغرب،
بينما
هذا الوضع لا ينطبق على الثقافة السنية او الشيعية. فهي مرتبطة بجذورها
بمراكز الثقافة الاسلامية الكبرى في القاهرة او دمشق بالنسبة الى السنّة،
وايران
والعراق بالنسبة الى الشيعة. اما انفتاحها الحديث على الثقافة الغربية
فصراعي
يتكوّن من انجذابات وتدافعات متواترة..."
فالحفاظ على ثقافتنا واغناؤها
وتغذيتها على نحو دائم ضمانة لاستمرار ذاتيّتنا وللقاء المواطنين الآخرين
على قدم
المساواة، والالتقاء معهم على كل ما يهمّنا جميعاً بغية ان نرتقي بالعيش
المشترك
الى
المؤالفة. واهم وسيلة تحقق هذا الهدف هو التربية في الحقول على اختلافها
في ظل
الفدرالية.
لذلك عجبت
كثيراً وحزنت حزناً كبيراً من صمت المعنيين المسيحيين
عن
موضوع انضمام لبنان الى الأليسكو، لا بل سباتهم وهم لا يزالون غارقين في
هذا
السبات.
لقد تمكّن
المسيحييون تاريخياً، من الحفاظ على ذاتيتهم لأنهم تولّوا
بأنفسهم تربية اولادهم وتعليمهم وامر تثقيف مجتمعهم. فهذا الدرس ينبغي ان
نفيد منه.
وما اطلبه
لنا اطلبه لسوانا ايضاً، وعلى المستوى نفسه من المساواة
مشروع
حل:
اذا كان
الواقع الوجودي المسيحي في مطلع الألف الثالث للميلاد هو ما
عليه
من اسوداد، فهل من امل في إصلاح الأمور والنظر بتفاؤل الى
المستقبل؟
كان
الدكتور شارل مالك قد اعطاني جواباً مسبقاً يتسامى على العقل
البشري.
كان ذلك
في إحدى ليالي العمل معاً في دارته في الرابية في زمن القصف
من
العام 1981، وكان الوقت قد تخطّى الساعة الثانية صباحاً.
قام
الدكتور
مالك
فجأة من مقعده ووجّه كلامه اليّ بصوت جهوري قائلاً: " هل تعلم انكم، انتم
الموارنة، لستم "اوادم" ؟قلت: خير ان شاء الله
قال: لستم
اوادم. ولكن لا
تخافوا، ان الله لن يترككم ، قد يقاصصكم ويقسو عليكم، ولكن لا تخافوا،
فكما ان الرب
يضرب
شعبه المختار ليربّيه ويعيده الى صوابه مع محافظته عليه وحمايته له من
الفناء
ليحقق
بواسطته وعده، كذلك هو يحافظ عليكم ويحميكم ، ولكنه يربيكم ايضاً ويجعلكم
تدفعون ثمن خطاياكم.
قلت، مع
شيء من الابتسامة:"اذا تصرّف الرب مع شعبه على
هذا
النحو وابقاه، فلكي يأتي المسيح المنتظر. اما نحن فأي مسيح سيخرج
منّا؟
قال:
لا تسخر، انت تعرف التاريخ، الم تلاحظ ان الطوائف المسيحية
المشرقية كلها تقلّصت عدداً وانتشاراً جغرافياً باستثناء الموارنة؟ الم
تلاحظ ان
الموارنة وحدهم نموا عدداً وتمددوا جغرافياً على رغم ما جرى لهم من
ويلات، حتى انهم
اسسوا
دولة لبنان الكبير واصبحوا فيها المسؤولين الأوليّن؟
قلت:
بلى، وماذا
يعني
ذلك؟
قال:
ان الله يريد ان يحقق بواسطتكم امراً هامّاً جداً جداً،
وانتم
وحدكم قادرون على تحقيقه.
قلت(
وقد اخذني العجب والاضطراب): ما هو هذا
الأمر
الهام جداً جداً؟
قال:
لست ادري. لم أُعط موهبة الاطلاع على نيّات
الرب
، ولكن المهمة مصيرية.
هنا
دخلت معه في جدال. وافهمته امه أنه يتسلّى
بي
ويسخر منّي، وإما ان رؤيا او الهاماً ما دفعه الى اعتقاد ما يعتقد. ولماّ
اصرّ
على
عدم الإجابة قلت له: انا باقٍ هنا، في هذه الغرفة الى ما شاء الله، ولن
ابرحها
قبل
ان تنقل اليّ ما جال في خاطرك في هذا الشأن.
ولمّا
رآني حازماً في موقفي
ومصرّاً عليه، قال: سأقول لك، ان الله ابقى الموارنة وانماهم ووسّع آفاق
وجودهم
لأنه
سيُدخل يهود اسرائيل في الدين المسيحي بواسطتهم، هناك ملاءمة لغوية
ومشرقية
بين
اليهود والموارنة، لذلك سيصير اليهود مسيحيين عن طريقهم.
سكتّ
مشدوهاً،
ولم
استطع التعليق على ما قاله. إنه امر يتخطاني الى ما لا نهاية. ولكني فهمت
فجأة
ما
كان يقصده الدكتور مالك في إحدى رائعاته المنشورة في مجلّة "الفصول
اللبنانية"
وفور عودتي
الى البيت، راجعت العدد المعني من المجلة. وقرأت المقالة المطوّلة ذات
العنوان المثير:
الكثير المطلوب". واليكم بعض ما جاء فيها.
"
الارامية ...لغة
وحضارة، جبّ نهلت منه العبرانية والعربية في آن. الآرامية خلفية من
خلفيات
هاتين
اللغتين والحضارتين، بينما لا العبرانية ولا العربية تشكل خلفية للآرامية
بنفس
المعنى. والموارنة اليوم هم الورثة الأحياء الأحرار لهذه الخلفية... من
يدري
إذن،
ما هي إرادة العناية بشأن تطور علاقتهم مع العرب واليهود؟
القربى
السامية الأساسية بين الموارنة والعرب واليهود قد يكون لها، في تدبير
العناية، أثر
مصيري
في تطور هذه المنطقة المأهولة بالشعوب الثلاثة والحضارات الثلاث. قلنا إن
سرّاً
يكمن في مجرد وجود الموارنة، وقد يكون مفتاح هذا السر هذا الأثر المصيري
بالذات. لا يدري السر غير الله. بكل تأكيد لا يدريه الموارنة في كماله
بعد ولا
يدريه
احد في لبنان او خارج لبنان"...ويضيف الدكتور مالك:
" ...إذا
وُجد
الله
ووُجدت معه عنايته بكل شيء في الوجود، بما في ذلك وقبل كل شيء بالانسان
ومصيره، اليس معقولاً، بل منتظر، ان يكون لبقاء الموارنة، بتراثهم
الآرامي العريق،
مغزى
ازلي في هذه الآونة بالذات، في هذه البقعة بالذات، حيث يحيي اليهود
تراثهم
وحياتهم وذاتيتهم المستقلة..."
ويضيف
ايضاً:" ماذا تعدّ العناية لهم
(للموارنة)
بعد من جرّاء الآلام والتجارب والمحن التي يجتازون؟ اذا تأملنا بضوء
الإيمان، حقيقة كل هذه العطايا
العشر، وما قد تضمر في طيّاتها من تحديات آتية،
لذُهلنا من الإمكانات التي قد يكون المستقبل حبلاناً بها، للموارنة
وللبنان"
ويقول
الدكتور مالك في تلخيصه "الكثير المطلوب" من الموارنة:
"
التأكد من ان
لوجود الموارنة وبقائهم مغزى وسرّاً عجيبين، وتلمّس هذا السر بتطلع
وشغف.
التأكد من ان هذا السر الدفين لا ينكفىء على لبنان فحسب، بل يتعدّاه
الى
ابعد واعمق منه بكثيرلا بدّ بادىء ذي بدء من التنبيه الى ان كلام الدكتور
شارل
مالك- وهو من هو في عالم المسيحية الأرثوذكسية- لا يعني البتّة ان
المسيحية
محصورة في المارونية، او ان الموارنة "وحدهم مالكو المسيحية وان المسيحية
عند غيرهم
ناقصة
او زائفة" . انه امر لا ينبغي ان يداخله ادنى ريب او يخالطه ادنى شك.
وإذا
رأى
الدكتور مالك ان "الموارنة هم المسؤولون عنها (عن المسيحية الحرّة) امام
العناية الإلهية" فانطلاقاً، في رأيه، من المعطيات الموضوعية القائمة
التي ترتّب
عليهم
"الكثير المطلوب منهم بالذات" في حدود "الكثير المعطى لهم". ثم ليس
المجال
هنا
ان يُقيّم ما ذهب اليه الدكتور مالك في رؤياه، فضلاً على انه لشرف
ومسؤولية لا
يماثلها شرف ومسؤولية ان يخصّ الرب - احداً - وان من دون جدارة- بدور
مخططّه
الإلهي. واصلّي بحرارة ان يُفهم ما يرمي اليه الدكتور مالك على حقيقته
فلا تأوّله
النيّات السود تأويلاً شيطانياً.
في كل
الأحوال، وايّاً كان الاعتبار، لا
يجوز
ان نضع خطّة سياسية تدخلها- اعتبارات متسامية من هذا النوع- تتخطّى العقل
وتخرج
عن الإرادة الانسانية. علينا ان نستنير بنور العقل والمعطيات المتيسّرة
وتلك
المرتقبة الى حد ما ، لاستشفاف الآتي وفهمه من دون ان نفترض اي تناقض بين
الاستسلام
العميق للرب ومشيئته والفعل المنهجي العقلاني في تسيير شؤون الحياة وفي
تطويرها. ان
ما
يعنينا، في توجّهنا هنا، هو صيانة الوجود المسيحي الشخصي والمجتمعي،
زماناً
ومكاناً، اي مسيرة مسيحيي لبنان الأرضية، من دون ان نهمل المسيرة نحو
السماء والتي،
وإن
تبدأ بالأرض، لها مقتضيات خاصة بها.
فإذا شئتم
انقل اليكم وجهة نظري في
ما
يمكن ان يُخرج المسيحيين من محنتهم التي تهدد مصيرهم، ويُنهض ويجذّر
وجودهم.
وجهة
نظري هذه تقوم على اقتراح بسيط ذي ركائز ثلاث:
تحديد
الغاية
تحديد
الهدف( والمقصود به المرمى المباشر(تعيين
المؤهل للقيام
بالمهمة
اولاً:
الغاية: تحصين ما تبقى من وجود مسيحي في لبنان على الأصعدة
كلها
ثانياً :
الهدف: إقامة دولة فدرالية في لبنان
ثالثاً:
المؤهل للقيام
بالمهمة: السيد بطريرك الموارنة
وحده
بطريرك الموارنة في الواقع القائم،
قادر
على قيادة خطّة وتنفيذها بغية إقناع العقل الغربي بأن مسألة الوجود
المسيحي في
لبنان
وجوداً جرّاً، حيّاً، فاعلاًُ، دينامياً، جزء من مسألة الحرية في العالم،
وبالتالي، من مسألة حقوق الانسان، فإذا اقتنع الغرب سهُل تحقيق الهدف.
اسوق
هذا
الرأي لاقتناعي بأن مسيحيي الشرق لم يحصلوا في العصور الحديثة والمعاصرة
على اي
حقّ
لولا تدخّل القادرين في العالم الغربي ، بما فيه روسيا، هذه ثابتة وهي
باقية
حتى
اليوم.
وأذكّر انني
والشيخ بشير كنّا في منزلي ليلة السبت الأسود في
اواخر
صيف 1975 نتدارس ما جرى من احداث، ونفكّر في ما يمكن ان ينقذنا مما نحن
فيه.
قلت
لبشير: في الحياة العملية ، وخلافاً لما تعلّمناه في الهندسة
الرياضية، إن اقرب طريق بين نقطتين ليس دائماًخطّاً مستقيماً، فأقرب طريق
بين
الجميّزة(التعبير المكاني يومئذٍ للوجود المسيحي) والبسطة ( التعبير
المكاني يومئذٍ
للوجود الاسلامي) ليس ذاك الذي يوصل بينهما مباشرةً، بل هو الذي يمر
بدمشق او بغداد
او
الرياض او القاهرة، او اي عاصمة عربية مؤثرة، فأي امر تبغيه من
اللبنانيين
المسلمين اطلبه من هذه العواصم. فإذا شئت لبتّك.
هذا
ما جرى في العام 1943
اذ لم
يكن المسلمون ليقبلوا بالاستقلال اللبناني على اساس صيغة 1943 لو لم
يتدخّل
الزعيم السوري شكري القوتلي، رئيس الجمهورية السوري في ما بعد، ورئيس
الوزراء
المصري مصطفى النحاس باشا.
وفي
العام 1958، لم يكن اللبنانيون المسلمون
ليقبلوا بإنهاء الأحداث على النحو الذي انتهت اليه لولا تدخل الرئيس جمال
عبد
الناصر تدخلاً مباشراً.
فإذا شئت
ان تلبّيك العواصم العربية، عليك ان تدق باب
واشنطن، فأقرب طريق بين بيروت والعواصم العربية هو الذي يمر بواشنطن،
وللوصول الى
واشنطن عليك ان تستعين بمن هو قادر على ذلك. وهذا ما قام به الشيخ بشير
فعلاً...
وتأكدت هذه النظرية مرة جديدة في ما بعد في اتفاق الطائف، اذ لم
يقبل
اللبنانيون المسلمون به لو لم تتعهده الولايات المتحدة الأميركية وتبعث
به عن
طريق
العرب الممثلين في اللجنة الثلاثية العربية العليا.
فإمكان قبول
اللبنانيين المسلمين بالفدرالية وارد اذا اقنعنا بها الولايات المتحدة
الأميركية،
فهي
طريقنا الى الدول العربية، والدول العربية طريقنا الى اللبنانيين
المسلمين.
مع العلم
ان فكرة الفدرالية بدأت تلقى بعض التجاوب في اوساط
اسلامية مثقّفة. ومثاله المقال الرائع الذي كتبه الصحافي جهاد الزين في
جريدة
السفير البيروتية بتاريخ 18 تشرين الثاني 1982 ، ويؤكد فيه ان خلاص لبنان
لا يتم
الا
بالتخلّي عن فكرة الوحدة الاندماجية الانصهارية في ما بين طوائفه واعتماد
فكرة
التعددية.
ان
اقتراحي بسيط وعملي، الا انه مرتبط بقرار السيد البطريرك، فهل
سيقبل
المهمة اذا طُرحت عليه وكان مقتنعاً بها؟
لست
ادري. هو وحده يعرف قدراته،
ووحده
يستشف ما يشجّعه على قبول مهمّة ما او سثني عنها.
المهم
الا يقول
الرب
في
واحد منّا ما قاله سيد العبد لعبده الذي دفن وزنته
:
اخرجوا هذا العبد الذي
لا
نفع منه واقذفوا به في الظلمة البرّانية حيث البكاء وصريف الأسنان" (متى
25/28،30 |