الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

اقرأ المزيد...

 

daralhayat.com

من خذلوا بيروت بصمتهم لن ينقذوا تونس بهتافهم

الثلاثاء 21 صفر 1432هـ - 25 يناير 2011م

مرزوق الحلبي

لو أن الفرح العربي بأحداث تونس وازاه من قبل، قلق عربي مماثل على لبنان، لكان بالإمكان أن نرتاح لوضع المجتمعات العربية وصنّاع الرأي فيها.

فكيف يُمكننا أن نقرأ هذا المدّ من المديح العربي المتعدد المذاهب والاتجاهات لـ «ثورة» الناس في تونس مقابل هذا النصف لسان العربي الذي يتحدّث بحذر شديد عن عملية الانقضاض على لبنان. فإذا كنا نعتبر ما يحصل في تونس منذ أسابيع على أنه انبعاث للشعب من تحت القمع وبلوغ درجة منشودة من الحريات، فإن ما يشهده لبنان، منذ اغتيال الحريري الأب على الأقلّ، هو السعي المكشوف إلى وضع لبنان الدولة والناس في قبضة المشروع الإيراني - السوري، بعد أن كان البلد قد ناء لثلاثة عقود تحت الحكم السوري ووصايته. لم نرَ فرحاً عربياً بثورة الأرز مثلما رأينا غزلاً عربياً وقصائد وأطناناً من الحبر المسفوح هياماً بثورة تونس!

صحيح أن ما يحصل في تونس يبعث على الأمل حقاً، أو أنه على الأقلّ يستدعي فرحاً تضامنياً منّا مع فرح التونسيين، ولكل منهم ألف سبب للفرح. لكن تبقى هناك حاجة لتفكيك هذه الازدواجية المنهكة في القياس وهذا النسق من الكيل بمكيالين.

لأن الحالة اللبنانية مزمنة فقد يكون العرب اعتادوا تحولاتها المتوقّعة. أو كون الحالة اللبنانية ساحة خلفية/أمامية للعرب وأنظمتهم، للمحاور الإقليمية ومفاعيلها، فلا قِبل للعربي بها لأنه عاجز عن تحريك ولو غبرة فيها. بينما الحالة التونسية جديدة وغير متوقعة - وإن ادعى كل الفصحاء أنهم كانوا يتوقعون الثورة! - ويُؤمل أن تكون فاتحة لأحداث متنقلة من عاصمة عربية إلى أخرى.

قد تكون الحالة اللبنانية مسدودة الأفق بينما الحالة التونسية مفتوحة على كل احتمال. أو قد نقول: إذا كانت تونس المتمتعة بوضع مستقرّ نسبياً ونمو للفئات الوسطى قد شهدت إقصاء شعبها للرئيس عن كرسيه، فقد تنفتح شهية الشعوب الأكثر فقراً وتعرضاً للقمع على القيام بخطوة مماثلة! في تونس - يقول الهتّافون في سرهم - يكمن الأمل العربي و «الجديد» والفرج، بينما في لبنان يكمن القديم والمعتم!

كلها تفسيرات ممكنة لكنها لا تفكّ لغز هذه الازدواجية بين التعامل مع أحداث تونس وبين هذا الصمت العربي الشعبي من تداعي الدولة في لبنان. فإذا شئت أن أكون قاسيا في الحكم لقلت إن الثقافة العربية، التي يتم جَتْمَعة الإنسان العربي في حضنها، تعدم المقولة الواضحة ضد القمع والاستبداد، أو أنها مزدوجة في ذاتها المفترضة تشتم الاستبداد في القطر المجاور وتسبّح بحمده في قطرها! بمعنى، أن كل عربي يحمل في الداخل ضده - كما قال نزار قباني! وإلا كيف نفسّر هذا الترحّم على صدّام الذي حرق نفس شعبه لمجرّد أننا ضد أميركا واحتلالها وسياساتها! أو كيف يُمكن أن نفسّر مناهضة أميركا ومناصرة إيران علما بأن لكليهما سياسة هيمنة واستحواذ! وقد اعتاد جيلان أو ثلاثة من المعارضين العرب على الانتقال الى البلد الجار الخاضع لأنظمة طوارئ ومخابرات ليشتم نظام بلده بحجة القمع وحكم المخابرات! يشهد الوطن العربي ندوات ومؤتمرات تمجّد الديموقراطية لكنها تعدم أنشطة تندد بالقمع والاستبداد!

ما يحصل الآن هو جزء من هذه الحالة الجذرية من الازدواج. الانتصار للحرية في تونس وعدم الاكتراث للتهديد بخطف لبنان إلى الفناء الخلفي للمشروع الإيراني وتحويل أهله إلى ترس لهذا المشروع الجهنمي! بل ما يحزّ في الروح هو حقيقة قلة الذين يسمون الأشياء في لبنان بأسمائها. فجأة يصير علي بن زين العابدين ديكتاتوراً بينما لا أحد يسمي سياسات «حزب الله» التي رهنت الوطن والدولة والمؤسسات لمشروع إيران الإقليمي الذي يحول البلد وأهله رهينة! لا أحد - سوى قلة - يقول لسورية: يكفي ما حصل إبان عهدك في لبنان وما تركته هناك من نُدب ودمار!

كل ما قيل وكتب عربياً عن «ثورة» تونس حتى الآن لا يتعدّى كونه إسقاطاً للأماني على الحدث. واللافت أن كل مذهب عربي يميل إلى خطف الحدث إلى ساحته وتوصيفه بلغته الأيديولوجية. وهو ما يؤكّد وجود إسقاط جماعي للأماني على تونس وناسها الذين يبدون حتى الآن مرتبكين في إدراك حالتهم. وعليه، لن يكون لهذا الكلام العابر أي وزن أو انعكاس في ما يحصل هناك. بمعنى أن هذا الكلام سيُضاف إلى ما قيل قبله (والعرب ظاهرة صوتية).

بل، أظننا أمام حدث لا يزال مفتوحاً على تحولات أسوأها انكفاء الثورة أو تحوّلها إلى فوضى عارمة تأكل الأخضر من تونس واليابس، أيضاً. وشعب لبنان، أيضاً، الذي لم يحظ بعُشر ما حظي به شعب تونس من لهيب القصائد وكرم الكتّاب، ولا حتى بكلمة جبر خاطر قد يلفي نفسه، غداً أو بعد غد، ينوء في قبضة عساكر «حزب الله» وضباط الحرس الجمهوري الإيراني المطعّمين بخبراء من كوريا الشمالية!

إن الذين خذلوا بيروت بصمتهم لن ينقذوا تونس بهتافهم. إنه تشاؤم العقل ليس إلا!

*نقلاً عن "الحياة" اللندنية

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها