قرار
"حماس"...
إيراني
احمد الجارالله
المأساة
الفلسطينية لم تعد تتمثل بوطن سليب, وبحقوق العودة إليه, أو بحلم إقامة
دولة مستقلة على ما تبقى منه... المأساة الفلسطينية تترجم نفسها الآن
خارج هذه العناوين التاريخية, إذ ثبت أن مسؤولي هذا الشعب وسياسييه غير
قادرين على تحمل المسؤولية عن أنفسهم, وغير جاهزين بعد للانتماء كلياً
إلى الهوية الفلسطينية والابتعاد عن السياسات الاجنبية التي اعتادت
المتاجرة بهذه القضية, وإخضاعها لأبشع أنواع الاستثمارات السوداء
والمحرمة.
الآن نرى حركتي »حماس« و»فتح« تستبدلان عداوة إسرائيل المغتصبة بعداوة
بعضهما البعض, ونراها كذلك تتذابحان حتى آخر نقطة دم, وتمعنان في
الارتباط بالمحاور الخارجية بحيث خسرتا ارادتيهما وقرارهما الوطني
المستقل.
وقد تجلى فقدان الارادة الوطنية في اتفاقات الهدنة التي أبرمت بين
الحركتين, برعاية مصرية, فلا يكاد التوقيع على هدنة يتم في الليل, حتى
يندلع الرصاص من بعده في النهار, وقد بلغ عدد الهدنات الموقعة بين
الطرفين أكثر من عشر, ومع ذلك كان القرار الخارجي ينسف كل شيء ويوحي
للجميع أن مصر الراعية لهذه الهدنات ليست هي المرجع أو صاحبة القرار في
إحلال السلام بين الفلسطينيين.
المتقاتلون الفلسطينيون ذاهبون الآن إلى جدة للتفاهم على نزع فتيل القتال
فيما بينهم, ولإبرام صفقة ترفع عنهم الحصار, وتعيد إلى حياتهم العادية
دورتها الطبيعية بحيث تتضمن فرصة العمل, وفرصة الدراسة والعلاج, وفرصة
الاستقرار والأمن.
ومن الآن نقول إنه على الرغم من الرعاية الكبيرة لخادم الحرمين فان فرص
التفاؤل لاتبدو أنها متاحة. فقرار بعض الفلسطينيين, وبالذات »حماس«, ليس
بأيديهم, ومن بيده الأمر لن يحضر معهم ليقرر, لكنه يعطيهم, بالايحاءات
البعيدة, ما هو مطلوب منهم, وبعيدا عن مصالحهم الوطنية... سيحضر الاجتماع
خالد مشعل المقيم في دمشق, وإسماعيل هنية, وكلاهما تأتيه الأموال من
إيران, ونلاحظ في هذا الصدد كيف أن مشعل يتهم أميركا وإسرائيل بإشعال
النيران بين »حماس« و »فتح«, بينما المفروض أن يعترف بأنه ملتحق
بالستراتيجية الإيرانية الموضوعة للمنطقة ويعمل في خدمتها, وإن هذه
الستراتيجية ترمي إلى تفخيخ المجتمعات العربية وتدميرها, كما هو حاصل
الآن في المجتمع العراقي والمجتمع اللبناني اللذين يتدمران بالفتن
المذهبية ويوشكان على الانهيار... خالد مشعل لا يقر بهذه الحقيقة, ويؤثر
اتهام الآخرين وكأن إيران وسورية بريئتان, ولا تصبان الزيت على الحرائق
الفلسطينية.
رمي الأخطاء على الآخرين واتهامهم يشكلان استطراداً في اعتناق نظرية
المؤامرة والتي بات اعتناقها يؤشر على السخف والتفاهة بعد أن ارتفع وعي
الناس وازدادت معارفهم ومفهومياتهم.
خالد مشعل الآن يخوض معركته ضد رئيس السلطة محمود عباس على أساس اتهامي,
أي اعتبار عباس تابعاً أميركيا واسرائيليا تجوز مقاتلته نيابة عن إيران
وسورية, وفي نفس الوقت نراه يلوم أميركا لأنها لا ترمي بثقلها لحل
المشكلة الفلسطينية, ويتهم ويخون كل من يطرق بابها كي تتحرك في اتجاه وضع
الحلول. وخوفنا الآن أن توصم أي وساطة عربية لتهدئة الأوضاع بين
الفلسطينيين بأنها من صنع أميركي وصهيوني, كما حصل مع مصر التي اختلفوا
معها وقالوا إنها تعمل لصالح تل أبيب, وقبل ذلك أعطوها أحلى الالقاب
وقالوا إنها الشقيقة الكبرى والمرجع الكبير.
وتزداد خشيتنا الآن, ونحن على أبواب مؤتمر مكة أن يتهم أصحاب المساعي
الخيرة بما ليس فيهم, وبعيداً عن مقاصدهم, ومخالفا لروحهم وطبيعتهم.
ونأمل أن لا يكون هناك مجال لهذه الخشية, وأن يلتقي الفلسطينيون من دون
تدخلات خارجية.
|