الحرب هي الوجه الآخر للسياسة... الوجه الخشن والجلف والقاتل
والمدمر. والحرب تقف دائما على الابواب عندما تتعطل العقول
وتتصلب الارادات, وتعلن عن مواقف لاتراجع عنها وتقتضي الموت
لأجلها. والسياسيون الاغبياء هم وحدهم من يخوضون لعبة صراع
الارادات, ولا يدعون للعقل فسحة يستطيع ان يعمل فيها وينتج
الحلول, وينزع فتائل التفجير. صدام حسين كان واحدا من السياسيين
الذين تصلبت إرادتهم, وتجمدت عقولهم, واستفحل الغرور في نفوسهم,
فانتهى الى ما انتهى إليه حين أصبحت الحرب الخيار السياسي الاخير
معه, حيث انهزم, وفقد نظامه وسلطته, وحوكم, وصدر عليه حكم
بالاعدام وأعدم شنقا ومات.
ويبدو ان حكام إيران وسورية مأخوذون بوهم القوة الذي أخذ صدام
حسين من قبلهم, فنراهم الآن يستفزون الولايات المتحدة, ويتحرشون
بمصالحها, ويستدرجونها الى المواجهة والصراع في العراق ولبنان
وفلسطين, ويصلون معها في النتائج النهائية الى كلمة واحدة إما
ينتصرون عليها, أي تحكم جماعتهم العراق ولبنان وفلسطين, او تنتصر
هي عليهم.
وحين يصل وهم القوة او الغرور الى إبداء هذا المستوى من التحدي
لايعود أمام الاميركيين الا خيار المواجهة, والذي سيخوضونه
استنادا إلى غزوهم للعراق, واستفادة من تجارب هذه الحملة لجهة
تجنب الاصابات البشرية, وتواجد الجيوش البرية على الارض.
ويبدو الآن ان الولايات المتحدة التي كادت تستنفد المجهودات
الديبلوماسية, ومعها المملكة العربية السعودية, لم يعد بالامكان
الا استدعاء خيار الحرب الواقف على الابواب, والجاهز للتفعيل.
وربما لهذا السبب نرى الحملات المتبادلة تتصاعد بين واشنطن
وطهران, يترافق معها جهد مكثف لاعداد الشعب الاميركي والمجتمع
الدولي لقتال ايران وسورية في آخر الأمر.
انسداد آفاق الحلول السلمية في العراق, وفي لبنان, وفي فلسطين
واستحالة إنتاج حلول محلية لأزمات تلك البلدان, يفتحان الباب
لدخول الحرب مع طهران ودمشق. وبازاء هذا الوضع الخطير والمتوتر,
لاتوجد دولة في الخليج مرتاحة من الوضع العراقي واللبناني
والفلسطيني, الى جانب ان دول الخليج كلها باتت تعرف من يقف وراء
التأزيم, ومن يقف وراء المذابح المذهبية في العراق, ويهدد بنشرها
في كل مكان, وتريد بالتالي, عودة الاستقرار, وأن تكون منطقة
الخليج نظيفة من أسلحة الدمار الشامل, ولا يتسلط عليها الشرطي
الايراني المدجج بالسلاح النووي والمتمذهب بالشيعية والداعي لها.
ضغوط دول الخليج, وسياساتها الداعية الى وجوب استقرار المنطقة
واستقرار العراق ولبنان وفلسطين لن تؤدي الا الى استجابة المجتمع
الدولي, وتحركه لتحقيق هذه السياسة. والامر هنا, اذا ما تحدثنا
عن التحرك, لن يكون معزولا عن الخيار العسكري بعد أن بدأ اليأس
يدب في أوصال الديبلوماسيين ودعاة الحلول السلمية السياسية من
تعنت ايران وصلفها, وإصرارها على ممارسة غرور القوة وأوهامها.
سر الصراع المذهبي في العراق, والذي يهدد بالانتقال الى لبنان
ودول الخليج, وسر من يقف وراءه ووراء إشعاله لم يعد خافيا, ودور
ايران في هذا المجال القاتل أصبح مكشوفا خصوصا وأننا نعيش في عصر
أقمار التجسس الصناعية التي تلتقط حتى الهمسات الدائرة فما بالنا
بالتحركات والتدريبات العسكرية, ومحاولات تهريب الاسلحة.
ان مانشاهده الآن بين طهران وأميركا يشبه المماحكات الصدامية
التي أدت الى ضرب العراق واحتلاله وإسقاط نظامه, حيث كان
ديكتاتور بغداد يهدد الاميركيين بالقتل والصلب والتنكيل اذا
اقتربوا منه.
الوضع الذي يتفاقم الآن, وإفلاس الحلول الديبلوماسية في آخر
الامر, والتمادي في لعبة غرور القوة وأوهامها, سيؤدي الى إقدام
الولايات المتحدة على الحرب, واذا لجأت الى هذا الخيار فانها
ستفعل بايران وسورية ما فعلته بعراق صدام حسين مع الفارق هذه
المرة ان جيوشها لن تطأ البر الايراني والسوري, وسيتكفل القصف
البحري والجوي بالامر من دون ان يترك مجالاً لاي فرصة أمام
الطرفين لالتقاط الانفاس وتلافي الدخول في احتضار النهاية. |