الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

المسيحيون خلال عام التحولات: استقلال لم يعرفوا ربح إنجازاته

قانون الانتخاب قَلَب المعادلات وعودة ثنائية التسعينات الموقع الرئاسي مهتزّ وبكركي وحدها تحمل كلمة السر

الجمعة 30 كانون الاول 2005

كتبت هيام القصيفي:

تعود عقارب الشارع المسيحي الى الوراء خمسة عشر عاما  كأنها لم تكن، مع عودة ثنائية ميشال عون وسمير جعجع وتحولها مع نهاية عام 2005، عنوانا رئيسيا لسنة خسر فيها المسيحيون "لقاء قرنة شهوان" احد المشاريع الرئيسية التي كان يؤمل منها ان تخرق الثنائية المسيحية او حتى التعددية التي افرزتها نهايات الحرب وبدايات السلم الاهلي في التسعينات، وربحوا فيها اعلان توحيد حزب الكتائب اللبنانية بعد خلافات عاصفة، وانضواء فريق كبير من مسيحيي "القرنة" والحركات الرديفة الى تحالف 14 آذار. وبين مشاريع الاندماج واشارات التفرقة، تقف بكركي على عادتها المزمنة، شاهدا وناصحا ومحايدا، من دون ان تترك لاي فريق مسيحي حق التفرد والتذرع بها لامرار ما يحوكه السياسيون.

مشهد الانقسام على الذات مؤلم، فيما الموقع المسيحي الاول، يفقد وهجا وبريقا في غياب الجمهور المسيحي المحتشد السائر خلف الزعامة المارونية الاولى، كما ايام الرؤساء بشارة الخوري وكميل شمعون وسليمان فرنجية، وريمون اده وبيار الجميل من خارج نادي الرؤساء. وحدها الانتخابات النيابية فرقت بين من جمعتهم لاعوام طويلة الممارسات السورية والنظام اللبناني الموالي.

دخل المسيحيون عام 2005، مثقلون بهم التمديد لرئيس الجمهورية، فتحول رهانهم الخاسر من انتخاب رئيس جديد من غير الخط " الوطني" الموالي لسوريا، الى قانون جديد للانتخابات يعيد التوازن الذي فقده المسيحيون تباعا على مدى 15 عاما نتيجة ابعاد العماد عون الى فرنسا وملاحقة ناشطي " التيار الوطني الحر" ومناصريه، والزج بقائد " القوات اللبنانية" سمير جعجع في السجن وملاحقة عناصر حزبه المنحل.

كانت الحكومة المشرفة على اعداد قانون جديد للانتخاب ممثلة للقوى السياسية للطوائف الاسلامية، لكن التمثيل المسيحي فيها ظل ناقصا. تولى سليمان فرنجية وزارة الداخلية، المسؤولة عن اعداد قانون الانتخاب. وبدأ فريق من القريبين منه اعداد قانون  " يرضي بكركي" حسب تعبير فرنجية نفسه. كان مشروع قانون 1960 يختمر لدى فرنجية وفريقه، فيما كان قانون آخر يعد في دوائر امنية وسياسية على صلة بالنظام السوري، يتحدث عن دوائر وسطى في كل لبنان.

دافع فرنجية عن قانون 1960 بقوة في لبنان وسوريا التي ابلغها الحيثيات  التي تملي ضرورة اخذ توجهات بكركي في الاعتبار وضرورة اقناع "حزب الله" والرئيسين نبيه بري وعمر كرامي بالقانون.

في المقابل كانت "قرنة شهوان" ترسم تساؤلات حول التحول الجديد في مواقف السلطة من قانون الانتخاب.

تأسس "لقاء قرنة شهوان" على خلفية مناقشة قانون للانتخاب كان يعد لعام 2002 يرضي المسيحيين ويكون لمرة واحدة واخيرة. كانت نواة "القرنة" مؤلفة من مجموعة من السياسيين والباحثين المفتشين عن قانون يعيد الاعتبار الى الحضور المسيحي من ضمن التركيبة المختلطة للبنان. لكن الهم المسيحي كان طاغيا. فالنواة الاولى لـ"القرنة" كانت قريبة من بكركي الى حد الالتصاق التام بمواقفها. بعد النداء الاول لمجلس المطارنة الذي وضع فيه البطريرك الماروني اللبنة الاولى لاستقلال لبنان وتحريره من سوريا، انطلقت "القرنة" برعاية المطران يوسف بشارة. وتدريجا تمكن هذا اللقاء من اخراج المسيحيين من التهميش الذي لحق بهم من جراء ابعاد قياداتهم في الخارج وفي السجون. وتحول بعد انضمام معظم القيادات السياسية والحزبية اليه (غادره عميد الكتلة الوطنية كارلوس اده ولم يدخل فيه "التيار الوطني الحر")، ناطقا الى حد كبير باسم المسيحيين المعارضين وباسم بكركي وان كان صفير يحرص على ترك مسافة بينه وبينها، هامش يعطيه حرية البقاء مظلة لجميع المسيحيين والموارنة الى أي فئة سياسية انتموا.

لم تكن "قرنة شهوان" على ثقة بان قانون 1960  سيبصر النور، لا بل ان شكوكها ظلت متجهة الى سوريا في محاولة لمعرفة نياتها من وراء الموافقة على قانون 1960 ، في حين ان  سيد بكركي كان مطلعا  على سبل صياغته والاعداد له وموافقا بقوة عليه. وبقي القانون الذي اجهض لاحقا حرقة في قلب بكركي التي اعتبرت ان المسيحيين ضيعوا معه فرصة لا تعوض لاختيار ممثليهم الحقيقيين.

دخلت "قرنة شهوان" على خط قانون 1960 . والقانون الذي طالبت به في بياناتها ، كونه مبنيا على دوائر صغرى، تحول مشكلة لاعضائها المرشحين للنيابة. صار القانون علامة استفهام كبيرة، وبدل الموافقة عليه وامراره، تمسكت القرنة بمطلب تعديل دوائر بيروت الانتخابية، معتبرة ان "ما يرسم لبيروت يساهم في نشوب ازمة خطيرة في تمثيل ابناء العاصمة بسبب عدم التوازن بين عدد الناخبين وعدد النواب في كل من الدائرتين الاولى والثانية، وان "السلطة التي تمنن المسيحيين بزعمها انها تضع قانون انتخاب يرضيهم تحاول ابتزازاهم بمثل هذه الاقوال. فمطالب المسيحيين وطنية، والمطلوب قانون يجب ان يأتي على قياس الوطن من دون تمييز وان يرمي الى اعطاء المواطنين، جميع المواطنين، حقوقاً متساوية في اختيار ممثليهم، لافتة الى ان كلام السلطة عن ارضاء المسيحيين يشكل اقراراً منهم باستهدافهم ماضيا واعترافا بنيتها استهدافهم  حاضرا".

كان الجو السياسي العام يشهد تحولات جذرية في العلاقة مع سوريا. محاولة اغتيال الوزير مروان حماده فتحت ثغرة في جدار الصمت عن الممارسات السورية في لبنان.

وكانت "القرنة" بدأت تغزل خيوطا متينة في العلاقة مع الرئيس رفيق الحريري والنائب وليد جنبلاط، الذي شبكت معه منذ زيارة البطريرك الماروني الى الجبل وتمتنت هذه العلاقة اكثر فاكثر  بعد التمديد للرئيس اميل لحود ووقوف جنبلاط في مجلس النواب منتقدا النظام السوري.

لم يكن القانون وحده الذي ضعضع صفوف القرنة. كانت التحالفات السياسية هي التي كسرت وحدتها. واول المتنبهين الى هذا الخطر، البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفيرالذي نقل المطران يوسف بشارة منه رسالة الى "القرنة" يؤكد فيها الاهمية التي يوليها البطريرك للقاء "وضرورة الاستمرار في التضامن بين جميع اعضائه وتكريس الوحدة في ما بينهم لمواجهة كل الاستحقاقات المقبلة خطوة اولى واساسية للانفتاح والتحالف مع القوى المعارضة الاخرى التي اصبحت لحسن الحظ متوافرة ومتضامنة مع القرنة".  انتقد صفير بشدة ما كان ينسب اليه "من اقوال لم نقلها ومواقف لم نتخذها واحصاءات نجهلها، ومرد ذلك الى ان كلا يسعى الى الحصول على قانون انتخاب على قياسه، ليضمن له مقعدا نيابيا، وان مشى اليه على جثث الاخصام". كانت حرب الاشاعات والاقوال مفتوحة، وكانت الحرب حول قانون الانتخاب مفتوحة.

جاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط ، ليطيح من ضمن جملة الانعكاسات التي تركها، قانون 1960، الذي كان يناقش في الجلسة النيابية الاخيرة التي حضرها الحريري قبل اغتياله.

بين شباط 2005 وايار 2005 ، كتب فصل جديد من فصول الحضور المسيحي في الساحة السياسية.

كان العماد عون في باريس يستقبل الوفود الموالية للسلطة اللبنانية والوفود اللبنانية المعارضة، ويعد في الوقت نفسه لعودته الى بيروت ، ويستعد  للدخول الى المعترك النيابي، ويعلن صراحة انه سيخوض الانتخابات اقتراعا وترشيحا. الخارج على جمهورية الطائف الاولى قرر العودة اليها من الباب العريض وبكامل الاسلحة الانتخابية، وفي مقدمها تشريع الباب امام شتى انواع التحالفات مع جميع الافرقاء. وكان قرار عون كفيلاً رسم علامات استفهام كبيرة: ماذا يخطط عون وماذا يريد، هل يعود، وهل تكون تجربته في الانتخابات النيابية مشرفة تعادل سنوات الغربة التي امضاها في باريس يشحذ خلالها تطلعات المئات من الشباب؟ ام ان للانتخابات ايقاعات عائلية وتفاهمات محلية ستطيح بالتغيير الذي يراهن عليه عون.

لم تكن "القوات اللبنانية" حددت خياراتها الانتخابية في شكل واضح. كانت ستريدا جعجع نقلت رسائل من زوجها في السجن، ينزع فيها الصفة التمثيلية عن مستشاره السابق توفيق الهندي وجان عزيز كممثلين لـ" القوات" في "قرنة شهوان". وبدأت "القرنة" تعيش اولى مراحل تفككها. كان الهدف القواتي الوحيد في ذلك الوقت تأمين اخراج جعجع من السجن. لم تتحدد خريطة الطريق القواتية بوضوح ، فتحولت الممارسة القواتية الى اللعب من ضمن " تحالف 14 آذار". كانت المجموعة السياسية التي تكونت منذ اغتيال الحريري قد بدأت تحل تدريجا محل التجمعات السياسية والاحزاب المعارضة على قاعدة ان ما فرقه السوريون سيجمعه الانسحاب السوري الكامل من لبنان. لكن الانسحاب السوري لم يأت فوراً للمسيحيين بالمن والسلوى اللذين كانوا يراهنون على الحصول عليهما طوال اعوام.

بين شباط وايار 2005، كان المسيحيون المعارضون يشهدون تغييرات جذرية في السياسة الداخلية. الانسحاب السوري الذي تحقق في اواخر نيسان بعد اعوام من "المقاومة" المسيحية والمعارضة الشديدة التي دفعوا ثمنها تهميشا وابعادا على يد النظام السوري اللبناني الموالي له، بدأ يصبح امرا واقعا، وتضحيات القابعين في السجون منذ 1990  و1994والملاحقات والاعتقالات لم تذهب اهدارا. لكن الانسحاب لم يكن وحده هو المطلوب.

كان المسيحيون يريدون العودة بقوة الى النظام الذي ابعدهم، ولم يكن ذلك ليتحقق الا عبر قانون الانتخاب بعيدا عن منطق المحادل والبوسطات الذي كان سائدا لاعوام.

نهاية "القرنة"

جاء قانون عام الفين ليطيح كل الاحلام . لم يعرف احد كيف سار قانون الالفين مقبولا، ثمة معلومات نقلت حينها الى المراجع المعنية ان الانتخابات ضرورية مهما يكن القانون، اولا لان الدوائر الغربية  المعنية اعتبرت ان قانون الالفين ملائم لمن اصبحوا حلفاءها، وثانيا لان سوريا اعتبرت للحد من خسائرها السياسية في لبنان ان قانون الفين يساهم في اعادة تكوين كتلة نيابية ذات حجم مهم من حلفائها الشيعة في لبنان، مما سمح لاحقا بتركيب ما سيعرف بالتحالف الرباعي، مع علمها ان القانون سيجعلها تضحي بالعديد من حلفائها القريبين ومنهم سليمان فرنجية .

رفضت القرنة قانون الالفين رسميا لكنها سارت فيه افراديا. في 17 ايار عقدت قرنة شهوان اخر اجتماعاتها برئاسة صفير، لتعلن انها توافقت معه على ان قانون الفين هو قانون سيئ والقرنة ترفضه، لكنها ستتعامل مع القانون، " كأمر واقع نرفضه، ولكن نتعامل معه للمحافظة على حقوق المواطنين". بعد يومين عقدت القرنة آخر لقاءاتها ، ووجهت في ختام عمرها القصير رسالة  الى المسيحيين عددت فيها اخطاء المعارضة وعاهدت المسيحيين على ان لقاء القرنة "عازم على التصدي بكل قواه للمؤامرة التي تحاك ضد المسيحيين لاخراجهم مرة جديدة من الحياة السياسية".

كانت التحالفات السياسية التي بدأ يعقدها اركان القرنة تتجسد واقعا من بيروت الى جبل لبنان بكل دوائره والشمال. فيما كان الجنرال العائد من باريس يخيط ثوبا آخر للتحالفات المعارضة.

في السابع من ايار ، وقف عون في ساحة الشهداء في اول خطاب له كعائد بعد هجرة قسرية استمرت خمسة عشر عاما ليقول: "نريد ان يكون هناك التزام لبرامج انتخابية وعلى اساسها تحاسبون الذين مثلوكم خلال اربع سنوات. لا نريد نماذج قديمة تمثل قطاعات اقطاعية استمرت الى الان من دون مساءلة ومحاسبة".

فتح عون النار من اللحظة الاولى لوصوله على "الاقطاعية المعارضة" اولا، فحدد خياراته باكرا.

اراد ان يذكر الجميع منذ اللحظة الاولى لوصوله ان " شعب لبنان العظيم" هو الذي قام بانجاز الاستقلال، واراد ان ينتج لبنان الذي " لن يحكم بعد اليوم بذهنية القرن التاسع عشر"  قيادات نيابية جديدة.

يدرك عارفو الجنرال انه كان يريد من الانتخابات تأكيد موقعه التمثيلي بين الجمهور المسيحي. لذا كان يفاوض ويحدد مفاوضيه في الانتخابات بخلفية من يريد ان يكون الخروج من معركة الانتخابات حاصدا التصويت المسيحي لفريقه الانتخابي الذي يفوضه النطق باسمه.

انجر الجميع في لعبة المفاوضات وفي لعبة الجنرال. هو يفاوض ليرفضوه وهم يفاوضون ليرفضهم. والفريقان انتصرا جزئيا.

حصد عون ما اثبتت الاحصاءات انه يقارب 73 في المئة من اصوات المسيحيين ومعارضوه ربحوا الغالبية في مجلس النواب.

 

ثنائية عون وجعجع

لكن الانتخابات اعادت ترسيم الحدود في المجتمع المسيحي على قاعدة جديدة.

انفرط عقد لقاء "قرنة شهوان" على مذبح القانون الذي اوصل بعض اعضائه في الشمال وبيروت ودائرة بعبدا عاليه، وخسر البعض الاخر فاطاح قانون الفين ببيوتاً وقيادات تقليدية في المتن وجبيل وخسر كثر من مرشحي القرنة التي لم تعد الى الاجتماع وتفرق اعضاؤها يمينا وشمالا.

كرس عون زعيما للاكثرية المسيحية، بكتلة نيابية من 21 نائبا، لكن انتخابات 2005 ، اعادت الى الساحة المسيحية "القوات اللبنانية" بكتلة من ستة نواب. واعاد الانسحاب السوري سمير جعجع الى الحياة السياسية وان من الارز.

خرج جعجع من السجن بعد شهرين من عودة عون الى بيروت. كانت القوات قد دخلت مجلس النواب وارتاحت الى مقاعدها فيه. من بيروت الى باريس فبيروت مجددا. عاد جعجع رئيسا "للهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية"، وعاد يمارس دوره زعيما مسيحيا ندا لميشال عون. ظلال التسعينات عادت تطل من الانتخابات النيابية حيث تواجه الطرفان في لوائح متعارضة  في الجامعات وتنافس مناصرو الطرفين ضد بعضهما، وفي الحكومة التي دخلتها القوات وآثر عون البقاء خارجها. اختار جعجع التحالف مع الغالبية النيابية منضويا في تحالف سياسي وطائفي متنوع وملقيا خطبا يكاد لا يصدق كثر انه صاحبها الى حد ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله نوه بكلام جعجع على اعتبار اسرائيل عدوا، وان كان لفت الى كاسيتات ومنشورات قواتية توزع وتستهدف "حزب الله". "القوات اللبنانية" الاتية من العمق المسيحي تتحول شريكا في تحالف وطني متنوع وخصوصا مع الشركاء الدروز والسنة.

اختار عون في المقابل الحلف مع الند الشيعي الذي  اعتبره الاقرب اليه انتخابيا وسياسيا. رغم ان الحزب  تركه في بعبدا عاليه، لكنه لم يتركه لا في جبيل ولا في زحلة.

 

توحيد الكتائب

وبين عودة عون وخروج جعجع ثم عودته الى بيروت، كان ثمة طبخة سياسية تحضر على نار هادئة، عودة الرئيس امين الجميل الى البيت المركزي في الصيفي الى مكتب والده في الحزب الذي ورثه اسما وهُجّر منه اكثر من مرة. الرفيقان اللدودين امين الجميل وكريم بقرادوني تحالفا وهما اللذان لم يلتقيا يوما،  منذ ان انتقل بقرادوني الى فريق بشير الجميل حتى وصوله الى فريق الرئيس اميل لحود. في السياسة اختلفا وفي الحزب اختلفا. عودة عون وجعجع جمعت ما فرقته السياسة والمقاعد الحزبية. بعد خلافات عاصفة ظهرت عبر كل وسائل الاعلام ، نضجت التسوية السياسية بتعيين امين الجميل رئيسا اعلى و انتخاب بقرادوني رئيسا للحزب بالتزكية.

لم يعرف احد كيف تمت التركيبة الحزبية الكتائبية، لكن حزب الكتائب عاد بقوة ليصبح من اسس التركيبة السياسية المسيحية، محاولا استعادة وهجه القديم، مع علم القيمين عليه ان امام الحزب - وان كان ممثلا في الحكومة – طريقاً طويلاً يطمح الى عبورها مع مرور الايام. فالحزب الذي وقف الى جانب رئاسة الجمهورية دوما وقدم رئيسين للجمهورية، يقف اليوم على خلاف تام مع رئيس الجمهورية وان كانت لكل من الرئيس الاعلى للحزب ورئيس الحزب نظرتان مختلفتان الى سبل اسقاط الرئيس.

ليست المرة الاولى التي يتعرض فيها رئيس الجمهورية الماروني لحملة ضده، من بشارة الخوري الى امين الجميل  قبل الطائف والياس الهراوي بعد الطائف. لكنها المرة الاولى التي يصبح فيها رئيس الجمهورية معزولا الى حد ان الرئاسة كلها اصبحت مهددة بفعل الضغوط المحلية والخارجية، ولكنها ليست المرة الاولى التي يتمسك فيها الرئيس بالبقاء  في منصبه حتى اللحظة الاخيرة.

 

عقدة بعبدا

منذ التمديد في الاول من ايلول 2004، صار موقع الرئاسة بعيدا عن المسيحيين. لم يأت لحود اساسا بدعم مسيحي شعبي كالذي عرفه رؤساء الجمهورية الموارنة قبله، وساهم اسلوبه " العلماني" في  عدم حضور المناسبات المارونية الرسمية وفي عدم التمسك بالمناصب المارونية والمسيحية للموظفين المسيحيين، في تكريس صورة الرئيس غير الماروني. مع تدهور وضع الرئاسة منذ اغتيال الحريري صارت الاسئلة مطروحة على المسيحيين والموارنة كأن قيادتهم هي التي ساهمت في مجيء قائد الجيش السابق رئيسا للجمهورية.

لم يكن ثمة رأي مسيحي واحد يصب في مصلحة الاجماع حول بقاء الرئيس في منصبه، السياسيون الموارنة ينظرون الى بقائه او عدمه من زاوية حظوظهم في الوصول الى بعبدا لولاية رئاسية كاملة. اما الاخرون فلهم حسابات سياسية مغايرة في تأمين الامساك بزمام السلطة بكامل عدتها.

للمسيحيين اكثر من موقف من رئيس الجمهورية، من عون الى جعجع والكتائب ونواب الاكثرية النيابية والقرنة سابقا والمستقلين والخاسرين في الانتخابات. ولان لا راي واحدا، كان التطلع الى بكركي علها تحسم الموقف فتريح الجميع من المأزق.

وقف البطريرك الماروني الى جانب الاستقلال كما لم يقف احد. جاب ارجاء العالم مدافعا عن القضية اللبنانية ومطالبا باسترجاع السيادة. آمن بالحرية وبديمومة البلد وقت فقد كثر من ابنائه الايمان به. رفض التمديد مرتين مع الرئيس الياس الهراوي ومع الرئيس اميل لحود، من دون ان يلقى جوابا. طالب بقانون 1960 ، فلم يستجبه احد ، لا  من الاقربين ولا  من الابعدين الذين نسبوا اليه انه وافق على قانون الالفين حين التقى الرئيس نجيب ميقاتي في روما في اذار 2005 ، وانه انقلب عليه بعد عودته الى بيروت. لم يقل صفير كلمته الا مؤمنا بها. لكن كلمته لم تصل الى مسامع كثيرين. اليوم يطلبون منه كلمة. واحدة فقط يريدون ان يسمعوها، ان يطالب رئيس الجمهورية بالاستقالة جهرا وعلنا وبالاسم.

لكن صفير لم يكن حاسما كما هو هذه الايام .كلمته المبطنة تحمل في طياتها الكثير مما يعرفه القريبون منه والمدركون اسرار بكركي القابعة خلف جدار من الصمت والحكمة. وهو رغم  تركه باب الاجتهاد مفتوحا على كل الاحتمالات والتأويلات لاي عظة يلقيها من على مذبح بكركي الا ان قراره معروف وان لم يكن معلنا.

 

اي عام عاشه المسيحيون اذا؟

في الامن عاشت المناطق المسيحية اسوا ايامها فتلاحقت تفجيرات فيها واغتيالات ومحاولات اغتيال لعدد من وجوهها المعروفة، مما طرح اكثر من علامة استفهام حول الامن المفقود في هذه المناطق المفتوحة على كل انواع التسيبات الامنية. الى حد اننا لم نشهد منذ 1990 هذا الكم من الاعلانات التي يعتذر اصحابها عن تقبل التهاني بالاعياد، تماما كما كانت عليه الحال خلال الحرب من دون فترات الهدنة.

في السياسة، كان قانون الانتخاب بداية المشكلة. ما ربحه عون ينكره عليه النواب المسيحيون المعارضون لسياسته. وما خسره نواب مسيحيون لهم موقعهم السياسي، يعتبره اخصامهم نتيجة طبيعية لسياساتهم المهادنة. وفي الانتخابات ايضا انقسام المعارضة المسيحية بين الاكثرية والاقلية وبين الموالاة والمعارضة النيابية.

في السياسة ايضا جاءت الخريطة المسيحية لتنتج تمثيلا مسيحيا حكوميا ناقصا ويعترف  اصحابه بأنه غير فاعل ومؤثر في التركيبة الحالية، ولم يكن على قدر الامال المعقودة على عودة المعارضة المسيحية الى السلطة بعد طول غياب.

واسفر المشهد السياسي ايضا عام 2005 عن تضعضع الحال المسيحية الى حد ان المسيحيين اصبحوا ملحقين بقرار الاكثرية النيابية الحاكمة لدرجة التهويل عليهم بموضوع الاكثرية والاقلية الحاكمة كما جرى اخيرا في الايحاء بتعميم مبدا الاكثرية والاقلية خارج مجلس الوزراء.

ايضا وايضا تحول موقع رئاسة الجمهورية الى موقع مهتز  محليا وخارجيا فيما موقع رئاسة الحكومة يتحول مركز استقطاب اقليمي ودولي.

في الوضع الداخلي المسيحي عادت التعددية الحزبية الى الساحة السياسية، مع غياب الديموقراطية وعاد التنازع السياسي بين القوى المسيحية كأن الاعوام الخمسة عشر لم تمر ولم يدفع الاف المسيحيين ثمنا للقهر والحرب والسلم معا.

في الوضع المسيحي ايضا خلاصة اكيدة ان بكركي غير المعنية بالحسابات الضيقة لا تزال تتمسك بمبدا الحرية والسيادة والاستقلال والعلاقات الجيدة مع سوريا من دون الدخول في لعبة الاستفزازات المحلية والاقليمية. فصفير وارث تراث ملايين الموارنة اللاجئين الى الاودية هربا من الاضطهادات لا يريد لموارنة لبنان ولا مسيحييه عموما ان يتحولوا كمسيحيي العراق وفلسطين طالبي لجوء الى بلدان العالم. لذا ينظر الى المشهد المسيحي في عام التحولات التاريخية متحسرا على استقلال دفع المسيحيون ثمنا له ولم يعرفوا الافادة منه على غرار ما فعلت الطوائف الاخرى.

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها