الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

من حقيبة "النهار" الديبلوماسية

القرار العربي: لبنان ليس اقليماً سورياً متمرداً كيف احبطت دمشق الحل الفرنسي ولماذا قبلت الحل العربي؟

080111

بقلم عبد الكريم أبو النصر  

"أكد مسؤول عربي بارز لجهات  دولية معنية بالشأن اللبناني ان المجموعة العربية ككل ترفض بحزم ان تتعاطى القيادة السورية مع لبنان على اساس انه اقليم متمرد منفصل عن الوطن الام سوريا، وان هذا الانفصال يهدد نظام الرئيس بشار الاسد ولذلك تجب معاقبة المتمردين، اي الاستقلاليين، واعادة هذا الاقليم الى وطنه الاصلي، اي اخضاعه مجدداً وبكل الوسائل للوصاية السورية. واوضح المسؤول العربي ان القيادة السورية احبطت عمدا حتى الآن سائر الوساطات العربية والدولية، وآخرها  الوساطة الفرنسية لأنها تهدف كلها الى تكريس استقلال لبنان وسيادته، وتدعو نظام الاسد الى وقف تدخلاته السلبية في شؤونه، والى احترام استقلاله وتحثه على استجابة مطالب المجتمع الدولي التي حددتها قرارات مجلس الامن ذات الصلة. وشدد المسؤول العربي على ان موافقة الرئيس الاسد على الحل العربي للازمة اللبنانية الراهنة، الذي تم التفاهم في شأنه وبالاجماع في مؤتمر وزراء الخارجية في القاهرة ويدعو خصوصا الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية فورا ووفقا للاصول الدستورية اي من دون شروط مسبقة، ثم الى تشكيل حكومة وحدة وطنية وفقا للاصول الدستورية ومن دون احتلال المعارضة الثلث المعطل فيها، هذه الموافقة شكلت تراجعا واضحا عن موقف سوريا وحلفائها وجاءت بعدما ادرك النظام السوري ان استمرار عرقلة انتخاب سليمان كرئيس وضرب الاستقرار والوحدة الوطنية في لبنان سيؤديان الى تعطيل انعقاد القمة العربية في دمشق في آذار المقبل، إما من خلال مقاطعة عربية مؤثرة لها، او من خلال المطالبة بعقدها في القاهرة. وحدوث ذلك يشكل هزيمة كبرى لنظام الاسد تزيد من عزلته العربية والدولية".


هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وثيقة الاطلاع في باريس، واوضحت ان الالتزام السوري الرسمي لدعم هذا الحل العربي لم ينحصر في الموافقة عليه بل يشمل التعهد باقناع حلفاء دمشق اللبنانيين به، وشددت المصادر على ان فشل الجهود  الفرنسية دفع دولا عربية عدة الى المزيد من التشدد مع السوريين اذ تبين لهذه الدول ان القيادة السورية ارادت ان تفرض على الحكم الفرنسي قرارا يقضي بمنع الغالبية من ان تحكم وبالتصرف بانتخابات الرئاسة كما تريد ووفق لشروطها، من جهة من اجل معاقبة الغالبية على مواقفها الاستقلالية وعلى اعتمادها على الدعم العربي والدولي وعلى تمسكها بتشكيل المحكمة الدولية وعلى مطالبتها العالم بحماية لبنان من مساعي الهيمنة السورية، ومن جهة اخرى من اجل تمكين حلفاء دمشق من التحكم بالقرارات الاساسية في هذا البلد.


وضمن هذا الاطار كشف لنا ديبلوماسي اوروبي بارز وثيق الاطلاع على الاتصالات الفرنسية – السورية – اللبنانية حقائق ما جرى فعلا وكيف احبطت القيادة السورية مع حلفائها المبادرة الفرنسية لانقاذ لبنان من المأزق ولتأمين انتخاب سليمان رئيسا توافقيا من دون شروط او قيود مسبقة. وهذه هي الحقائق الاساسية: أولاً، الرئيس الاسد لم يكن راغبا في التخلي عن لبنان في مقابل تحسين العلاقات الثنائية مع فرنسا او مع الدول الاوروبية الاخرى، وفي مقابل وعد فرنسي بالعمل على تأمين انطلاق مفاوضات السلام السورية – الاسرائيلية حول الجولان، بل كان يريد تحقيق انتصار سوري في الساحة اللبنانية عبر الفرنسيين و"الانتقام" من الرئيس السابق جاك شيراك الذي قام مع الاميركيين بالدور الاساسي لانهاء الهيمنة السورية على لبنان وتشكيل المحكمة الدولية. ولذلك حاول الاسد التوصل مع الرئيس ساركوزي ومبعوثيه الى مجموعة تفاهمات تؤدي الى اعادة النفوذ السوري تدريجا الى الساحة اللبنانية بتغطية فرنسية بدءاً بتأمين انتخاب سليمان رئيسا للجمهورية مقيدا بمجموعة شروط تحددها دمشق مع حلفائها. لكن ساركوزي رفض كليا هذا التوجه السوري وبدا واضحا انه متمسك باستقلال لبنان وسيادته وبالمحكمة الدولية قدر تمسك شيراك بهذه الامور. ثانياً، حاول نظام الاسد الفصل بين العلاقات الفرنسية – السورية ومسار الاوضاع في لبنان بحيث تتطور هذه العلاقات الثنائية وتتحسن بقطع النظر عما يجري في الساحة اللبنانية، وما يقوم به السوريون وحلفاؤهم من اعمال ونشاطات ضد الغالبية والقوى الاستقلالية. واراد السوريون تكريس مفهومهم هذا في وثيقة خطية، موقعة من الجانبين السوري والفرنسي، لكن المسؤولين الفرنسيين رفضوا كليا هذا الاقتراح السوري كما رفضوا توقيع أي وثيقة في هذا الشأن وشددوا على استحالة وجود علاقات ثنائية جيدة مع سوريا اذا لم يقم نظام الاسد بدور ايجابي مختلف عن دوره الحالي بما يؤمن في مرحلة اولى انتخاب سليمان رئيسا للجمهورية من دون شروط مسبقة.

الايقاع بين باريس والغالبية

ثالثاً، حاول المسؤولون السوريون الايقاع بين فرنسا والولايات المتحدة إذ أنهم سعوا الى اقناع مبعوثي ساركوزي بتوقيع وثيقة خطية تؤكد رفض الطرفين الفرنسي والسوري أي عرقلة اميركية للجهود الفرنسية. لكن المسؤولين الفرنسيين رفضوا هذا الاقتراح لان هناك تنسيقا وتعاونا كاملين بينهم وبين المسؤولين الاميركيين في شأن طريقة معالجة الازمة اللبنانية، كما ان هناك توزيعا للأدوار متفقا عليه بين باريس وواشنطن.
رابعاً، حاول النظام السوري استغلال الانفتاح الفرنسي عليه للايقاع بين الحكم الفرنسي والقوى الاستقلالية التي تمثلها الغالبية النيابية وحكومة فؤاد السنيورة وتشجيع ساركوزي ومعاونيه على تركيز الضغوط على هذه الغالبية لدفعها الى قبول شروط المعارضة وابرزها امتلاك حلفاء دمشق الثلث المعطل في حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، لكن المسؤولين الفرنسيين رفضوا تبني أي اقتراح سوري ترفضه الغالبية ويتناقض مع الدستور ويضع قيودا على الرئيس الجديد ويقلص من صلاحياته، وخصوصا انه تبين ان الغالبية تعاونت بشكل ايجابي مع الوسطاء الفرنسيين وأظهرت مرونة وقدمت بعض التنازلات، خلافا للمعارضة، من أجل تأمين انتخاب سليمان رئيسا للبلاد.
خامساً، حاول السوريون اقناع مبعوثي ساركوزي بتوقيع وثيقة خطية معهم تتضمن تبنياً لوجهة النظر السورية في شأن عدد من المسائل وخصوصا الاقتراح السوري الداعي الى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية على أساس ان تتمثل فيها الغالبية والمعارضة "بما يعادل حجم تمثيل كل منهما في مجلس النواب، وبحيث يحصل حلفاء دمشق على الثلث المعطل. لكن الفرنسيين رفضوا هذه الصيغة لانها ليست ديموقراطية ولا دستورية، كما رفضوا توقيع وثيقة مع السوريين تتضمن تفاصيل تشكيلة الحكومة المقبلة بما يؤمن مطلب المعارضة.
سادساً، حاول وزير الخارجية السوري وليد المعلم خداع الامين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان حين قال له ان رئيس كتلة "المستقبل" سعد الحريري وافق خلال اجتماع عقده مع الرئيس نبيه بري وفي حضور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير على منح المعارضة الثلث المعطل في الحكومة الجديدة. ولكن تبين لغيان ان ما قاله المعلم غير صحيح، وخصوصا ان كوشنير نفى حدوث ذلك. كما حاول المعلم خداع جهات اميركية غير رسمية حين أكد لها وجود وثيقة سورية – فرنسية يوافق فيها الفرنسيون على تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً لما تريده دمشق وحلفاؤها. وتيبن للأميركيين ان الفرنسيين رفضوا توقيع أي وثيقة كهذه مع السوريين.
سابعاً، حاول المسؤولون السوريون الايحاء لحلفائهم اللبنانيين ان فرنسا اصبحت "متلهفة" للتعاون مع نظام الاسد في لبنان، ولطي صفحة القطيعة معه، وبأن الفرنسيين سيتقبلون في النهاية معظم ما يطرحه عليهم السوريون، وذلك كله من اجل دفع المعارضة الى التصرف على اساس انها الاقوى في الساحة اللبنانية، وانها قادرة بالتالي على تغيير موازين القوى لمصلحتها، وارغام الغالبية على الرضوخ لمطالبها ولمطالب دمشق، لكن المسؤولين الفرنسيين احبطوا هذه المحاولة السورية ليس من خلال اصرارهم المستمر على تأكيد ان الانفتاح على نظام الاسد مشروط بتغيير سلوكه وتصرفاته في لبنان، بل ايضا من خلال اقدام ساركوزي على توجيه الاتهام الى النظام السوري بانه هو المسؤول عن تعطيل انتخابات الرئاسة اللبنانية وخصوصا ان الاسد قدم وعوداً الى الفرنسيين ولم ينفذ اياً منها.


واكد لنا هذا الديبلوماسي الاوروبي انه تبين بوضوح للحكم الفرنسي، نتيجة اتصالاته المتعددة مع الاسد ومع المسؤولين السوريين، "ان النظام السوري ليس راغبا في حل توافقي للازمة اللبنانية يستند الى صيغة لا غالب ولا مغلوب ويعزز السلم الاهلي والوحدة الوطنية، بل انه يريد صيغة غالب ومغلوب بحيث تكون المعارضة هي المنتصرة والغالبية هي المهزومة. وقد وصلت الاتصالات مع دمشق الى طريق مسدود لان الفرنسيين رفضوا الرضوخ للمطالب السورية التي تؤدي فعليا الى خضوع لبنان مجددا "للهيمنة السورية".

لماذا رفض العرب مطالب دمشق ؟

واكدت لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وعربية وثيقة الاطلاع ان الحكم الفرنسي حرص على اطلاع الدول والجهات العربية والغربية المعنية بمصير لبنان على التفاصيل الدقيقة لاتصالاته المختلفة مع الاسد والمسؤولين السوريين، ويتبين من خلالها ان النظام السوري سعى الى انتهاك الدستور اللبناني وصيغة تقاسم السلطة التي حددها اتفاق الطائف من اجل فرض واقع دستوري – سياسي جديد في لبنان يتمثل في تمكين المعارضة المتحالفة مع دمشق من ان تكون هي صاحبة القرار الاول والاساسي في البلد، وان تمتلك مجموعة صلاحيات رئيسية على رغم كونها اقلية، ابرزها الصلاحيات الآتية:


أولاً، حاول النظام السوري فرض سابقة خطرة عبر الفرنسيين ليست واردة في الدستور اللبناني ولا معتمدة في اي نظام ديموقراطي وتقضي بأن تتمثل المعارضة في الحكومة الجديدة وفقاً لتمثيلها في مجلس النواب بحيث تحصل على الثلث المعطل في هذه الحكومة، وهذا لم يحدث قبلاً في تاريخ لبنان سواء خلال السنوات الاستقلال، او خلال مرحلة الهيمنة السورية عليه.


ثانياً، امتلاك المعارضة الثلث المعطل يمنحها صلاحية اسقاط الحكومة وتفجير ازمة سياسية في البلد متى تريد في حال رفضت الغالبية التجاوب مع مطالبها ومطالب دمشق، وهذا الامر ينتهك الدستور ويتعارض مع طبيعة النظام الديموقراطي اللبناني الذي يمنح الغالبية حق ممارسة الحكم ولم يمنح المعارضة حق اسقاط الحكومات ما دامت هي اقلية.


ثالثاً، امتلاك المعارضة الثلث المعطل يجعلها تمتلك سلطة اكبر من سلطة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة مجتمعين، اذ انها تستطيع منعهما من اتخاذ اي قرار مهم واساسي لانهما، وفقاً للتشكيلة التي اقترحتها دمشق على الفرنسيين، يملكان اقل من ثلثي الاصوات في مجلس الوزراء وهما بالتالي، من الناحية الدستورية، غير قادرين على اتخاذ القرارات المهمة في معزل عن المعارضة، وهذا يؤدي الى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية والحكومة معاً بقرار من دمشق لمصلحة المعارضة المتحالفة معها.


واكد لنا ديبلوماسي عربي مطلع ان "القيادة السورية وصلت الى مرحلة خطرة في تعاطيها مع لبنان، اذ انها تريد وضع اللبنانيين امام خيارين سيئين وخطرين: فإما الاستسلام طوعاً لنظام الاسد والرضوخ لمطالبه، او الاستسلام بالقوة له نتيجة قيام المعارضة باستخدام العنف لفرض مطالبها وشروطها على الغالبية ومحاولة الهيمنة على السلطة. وهذا الواقع هو ما دفع فعلياً المجموعة العربية عبر وزراء الخارجية الى رفض مطالب المعارضة ودمشق والى تبني مطالب الغالبية من اجل تأمين انتخاب سليمان رئيساً للبلاد فوراً ومن دون شروط مسبقة وثلث معطّل".    

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها