الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

نقيضان لا يندمجان:
 "
نظام" الكيان اللبناني و"نظام" حزب الله


عزت صافي     - النهار 19/6/2007

قليلاً جداً، وربما نادراً، ان ظهر اسم الشيخ نعيم قاسم على مقال سياسي، أو فكري، أو اجتماعي، في الصحافة اللبنانية. فنائب الامين العام لـ"حزب الله" معروف بأنه خطيب مرتجل يواجه، مرتاحاً، عشرات الآلاف مباشرة في الاحتفالات الجماهيرية ويستطيع ان يحافظ على بلاغته وسلاسته وعلى الوضوح والترابط بين الجملة والمعنى. من هنا فان مقاله "الاستثنائي" في جريدة "النهار" يوم 8/6/2007 بعنوان "كيف ينخرط باقي المجتمع في المقاومة؟"، جاء مثيراً للاهتمام باعتباره نصاً في مستوى وثيقة للاساس الذي بُني عليه نظام "حزب الله". لم يكن سراً ما كشفه الشيخ نعيم قاسم، ولا اعترافاً يخالف ما يقوم به الحزب على أرض لبنان بالسلاح، وبالسياسة، وبالاعلام، والاقتصاد والتنشئة التربوية والدينية والثقافية في نطاق المجتمع الذي انطلق منه واليه يستند. وقبل كل ذلك، وفوق كل ذلك، تأتي مقاومة العدو الاسرائيلي العنوان الاول والاكبر للحزب، وهو أثبت انه جدير بهذا الدور، وقد أتم واجبه فيه بالتحرير الذي أنجزه في العام 2000 مكملاً ما بدأته قوى المقاومة الوطنية اللبنانية منذ ما قبل الاجتياح الشامل للبنان في العام 1982.

من هنا يصح القول ان "حزب الله" ضيّع فرصته اللبنانية والعربية، بل العالمية والتاريخية، التي كانت ستجعله بطلاً لبنانياً، وقومياً عربياً، ومثالاً دائماً للنضال والتحرير، لو انه بادر في أيار 2000 الى اهداء النصر الى الشعب اللبناني والى الدولة ثم سلّم سلاحه ومعداته الى الجيش ووضع عناصره وخبرته تحت الطلب في الحالات التي تستدعي مواجهة العدو.

لم يكن مطلوباً من "حزب الله" كما اشاع قادته في ما بعد، ان ينفرط، قيادة وافراداً ومؤسسات، وان يذهب كل منهم الى شغله بعيداً من السياسة والمشاركة في المسؤوليات الوطنية، انما كان المناخ الشعبي العام مفتوحاً أمامه ليتحول حزباً مدنياً سياسياً له دستور مبادئ أو ميثاق يحدد اهدافه ووسائل نشاطه لبلوغ غايته كما أي حزب لبناني معترف به وفق شروط واحكام قانون تنظيم الاحزاب.

لكن "حزب الله" الذي نشأ من دون حاجة الى ترخيص قانوني وفرض نفسه امراً واقعاً بشرعية شعبية رفض كل النظريات والتمنيات التي رشحته لدور وطني عام مقبول استخفوا بكل ما يسمعون ويقرأون حتى أخذ الضجيج الاعلامي اللبناني والعربي والاسلامي بعضهم الى حد اعتبار لبنان مجرد جبهة انطلاق الى الجهاد والشهادة في سبيل نصرة قضايا الأمة، من دون تعريف الأمة وما اذا كانت "العربية" أم "الاسلامية".ومع ان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ومعاونيه، من قادة وخطباء، لا يتركون هامشاً للتساؤل والاستفسار عن مدار اهداف الحزب وأبعاده الجغرافية والبشرية فان المقال - الوثيقة لنائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم جاء الاكثر وضوحاً وتحديداً، إذ ركز على مبدأ "المقاومة"، وهي الاساس لـ"حزب الله": "نرفض أن تُنزع مقاومتنا الاسلامية من سياق الفصل المقاوم في منطقتنا وفي العالم (...) فهي مقاومة عسكرية وثقافية وسياسية واعلامية. هي مقاومة الشعب والمجاهدين. هي مقاومة الحاكم والأمة...". أما عن الشهادة في عقيدة "حزب الله" فيقول الشيخ: "... مخطئ من يظن ان هدفنا الشهادة، لأن هدفنا هو سبيلالله تعالى، والشهادة طريق الى هذا الهدف  (...).ثم يصل الى النقطة الاخيرة التي تعني كل اللبنانيين، والتي تدعوهم الى الوقوف امام مصير وطنهم وما بقي لهم من الحرية والديموقراطية وحق التنوع والاختلاف، ولكن ليس الى حد السماح بالمجازفة بكيانهم استناداً الى مبدأ "المقاومة والشهادة" في عقيدة "حزب الله"، أو استناداً الى انجازات حققها الحزب، وأهمها، حسب تقدير الشيخ نعيم قاسم، انها "أبرزت معادلة القدرة الكامنة الموجودة في أمتنا لرفض الاحتلال (...) وأثبتت صلابة الممانعة لمواجهة مشروع الشرق الاوسط الجديد (...) وان "المقاومة نقلت لبنان من الدولة الضعيفة الى الدولة الصامدة (...) "ونحن نريد أن نتابع لننتقل الى الدولة القادرة ان شاء الله (...) المقاومة حققت انجازات عظيمة والعمل السياسي لم يحقق شيئاً (...)" ولم يعد السؤال: المقاومة ستبقى أم لا؟ بل السؤال كيف ينخرط باقي المجتمع في المقاومة (...) وليس النقاش حول المقاومة وسلاحها، بل السؤال: أي لبنان نريد؟...". وحسب رأي الشيخ نعيم قاسم "اذا اردنا لبنان السيد الحر المستقل فلدينا المقاومة كقدرة دفاعية جاهزة. فلنعمل على تقوية الجيش اللبناني. ولنضع استراتيجية دفاعية (...) ثم: "تعالوا نتفق لبناء الدولة القادرة العادلة...".

•••

قد لا تكون مصادفة ان يأتي مقال الشيخ نعيم قاسم في ذروة محنة "نهر البارد" التي قد تكون فاصلة في مسيرة عذاب لبنان عبر نحو ستين سنة من تاريخه بعد الاستقلال ونكبة فلسطين الاولى عام 1948. فعلى اسم فلسطين، وبسبب أخطاء زعماء لبنانيين سياسيين وروحيين من كل الطوائف والاحزاب، استبيحت أرض لبنان، وانقسم الجيش اللبناني أكثر من مرة واستنفدت قواه، وها هو اليوم يواجه صامداً موحداً وقوياً بثباته وبعقيدته اللبنانية الوطنية والعربية وباللحم الحي، وبالدم بلا حساب، في مواجهة عصابة ارهابية أطلت بعض أذرع لها في مخيم "نهر البارد" أما جسمها ورأسها ففي الجوار.

الأخطر من ظاهرة "نهر البارد" محنة لبنان في هذه الايام فيما "حزب الله" يطرح في ذروة هذه المحنة السؤال: أي لبنان نريد؟ ثم يدعو الى وضع استراتيجية دفاعية ويرفض الحوار، ويرفض الافراج عن مجلس النواب المعتقل، ويرفض الاعتراف بالحكومة التي شارك في تأليفها وهو الآن ينكرها ويجعلها أسيرة تحت رحمته كما العاصمة.
لقد أكد "حزب الله" في مقال نائب امينه العام ما ليس في حاجة الى تأكيد، وهو انه حزب ديني عسكري مقاوم ومتشدد أكثر من "حزب الله" الام في ايران، مع فارق ان "حزب الله" الايراني يتبع الدولة، اما في لبنان فعلى الدولة أن تتبع "حزب الله"، وهذا ما يثير المخاوف بين سائر اللبنانيين من مختلف الطوائف والمذاهب، بالرغم من التطمينات الدائمة بأن "حزب الله" لن يوجه سلاحه الى أي لبناني آخر، انما سيحتفظ به ويبقى جاهزاً بكل المدافع وعشرات آلاف الصواريخ ضد اسرائيل ولن يتخلى عن السلاح ما دامت اسرائيل في الوجود. فالى متى، وكيف الاطمئنان، وما هي الضمانات، وهناك في غزة مثال مخيف يعبر عنه الآن الاقتتال الدائر بين السلطة الحكومية الفلسطينية السنية المتشددة (حماس) والسلطة الرئاسية الفلسطينية السنية المعتدلة (فتح)؟ هذا من دون ان ينسى أي عربي ان اركان السلطتين الاخوة أقسموا بالله العظيم في مكة المكرمة على ان نزاعهم قد انتهى وليس في نيتهم الا الوفاق والتوحد ضد العدو الاسرائيلي؟

نحن في لبنان امام نقيضين لا يندمجان ولن يندمجا: "نظام" الكيان اللبناني و"نظام" "حزب الله". فالشيخ نعيم قاسم الناطق باسم حزبه يدعو "باقي" المجتمع اللبناني الى أن ينخرط في المقاومة لا ان تنخرط المقاومة في الجيش وفي الدولة، وهو يوضح ان مقاومة "حزب الله" اسلامية وطنية وانها حق مشروع، ولا اعتبار للمجتمع الدولي الممثل بمجلس الامن الذي يقول عنه انه "ألغى وظيفته في السلام العالمي واصبح موظفاً للسلام الاسرائيلي وانه يسخر العالم لسلام اسرائيل"، كما يعلن نائب الامين العام لـ"حزب الله" الذي سبق له ان وافق على قرار مجلس الامن لوقف العدوان الاسرائيلي ورحب بالقوات الدولية، ثم وافق، من حيث المبدأ، على انشاء المحكمة الدولية بموجب القرار الاخير رقم 1757.

يؤمن "حزب الله" بأن "الشهادة هي جزء من مشروع سبيل الله" و بأن "امانة النفس الانسانية عظيمة عند الله لا يمكن لأي انسان أن يستهتر بها، ولا ان يتسرع في زجها في مواقع الخطر والموت، أو أن يتخذ قراره بالشهادة في كل حادثة أو صعوبة تواجهه، فالعطاء النبيل للشهادة وثمرة الدفاع المشروع في التوقيت والزمان المناسبين بقرار من القيادة الشرعية الحكيمة المسؤولة التي تحمل مسؤولية الدماء..." (من مقال الشيخ نعيم قاسم). هذا الايمان مقدس. ولا يجوز للبناني، ولا يحق له، ان يسائل مؤمناً في عقيدته. فهذا مبدأ محرم في أخلاقيات العائلات اللبنانية والروحية والسياسية والحزبية.

لكن اذا أجاز لبناني لنفسه أن يبدي هاجساً فمن منطق حقه المشروع في أن يفكر في حياته وفي مستقبل عائلته ومجتمعه عندما تكون حياته في وطنه وفي مجتمعه مرتبطة بحياة شريك آخر في الوطن وفي المجتمع، ولا يمكن الفصل بينهما بقرار منفرد يتخذه شريك يقبل على الشهادة من دون حساب لسائر الشركاء، كما حال المسافرين في مركب واحد وفي مصير واحد.

وقد واجه اللبنانيون نوعاً من هذه الحال في حرب تموز عندما أخذت قيادة "حزب الله" المبادرة الى الدخول في حرب مع اسرائيل من دون تنسيق ومن دون علم مسبق لقيادة الجيش المؤتمنة على السيادة وهي والجديرة بالامانة والمسؤولية، ولها يعود القرار وتقدير العواقب. واليوم يركز حلفاء "حزب الله" وبالنيابة عنه، هجومهم الكاسح على "جهة ما" متهمين اياها بأنها ورطت الجيش وزجته في المعركة مع عصابة "فتح الاسلام" من دون تنسيق مع قيادته ومن دون علم مسبق.

فكيف يصح هذا في مواجهة اسرائيل (وهو ليس صحيحاً) ولا يصح في مواجهة عصابة لا تقل خطراً عن عدوان اسرائيل، بل هي أخطر؟ هذا اذا كان التقصير العملاني قد حصل في بداية المعركة في "نهر البارد" فيما المراجع المعنية تنفي تكراراً حصوله.

ثم، إذا كان غير جائز وغير مسموح لقوة غير شرعية ان تشارك الجيش في معركة "نهر البارد" أفليس الواجب الوطني يقضي، على الاقل، بالمساندة السياسية والاعلامية للجيش من جانب "حزب الله" وحلفائه؟ الواقع ان هناك من يفعل عكس ذلك، بل هو يحاول تثبيط العزائم وإضعاف المعنويات في حال حرب مع عدو من نوع آخر، وهذا ما يعاقب عليه الضمير الوطني قبل القانون، ففي سوريا وايران عقوبة هذا الجرم الاعدام. وهنا يستمر القفز فوق المجازر وجرائم الغدر التي ارتكبتها عصابة "فتح الاسلام"، وقد قارب عدد شهداء الجيش وجرحاه المئة، حتى الآن.

لم تعد المشكلة من أعد المؤامرة التي انطلقت من "نهر البارد" ولا من ينفذها بالسلاح والمال والرجال. ولم يعد الواجب يقضي بدعم الجيش سياسياً ومعنوياً واعلامياً وهو يدافع عن السيادة وعن القرار الوطني والامن الاهلي. بل صارت المشكلة عند هؤلاء في عدم موافقة القيادة السياسية والقيادة العسكرية على "حل مشرف" مع عصابة "نهر البارد" يسمح لمن بقي من قادتها وعناصرها بمغادرة لبنان احراراً بسلام وأمان. في أي حال لقد ذهبت مؤامرة "نهر البارد" الى مجلس الامن الدولي كملحق لازمة لبنان منذ 14 شباط 2005، وسيكون لها ملحق في مجموعة القرارات التي يصدرها المجلس تباعاً. لكن أزمة لبنان التي لن تجد حلاً قريباً هي أزمة الدمج المستحيل بين "نظام" الكيان اللبناني و"نظام" "حزب الله"، ومن انعكاساتها أزمات الحكم والحوار والوفاق الوطني على مستقبل لبنان، بل على مصير كيانه. فعلى مصير هذا الكيان يساوم نظام دمشق ونظام طهران الآن. والبند الاول انتخاب رئيس الجمهورية الجديد في مجلس النواب بشرط ان توافق عليه مسبقاً سوريا وايران. والا... الفوضى الشاملة في لبنان في مواجهة المجتمع الدولي وتحميل مجلس الأمن المسؤولية بذريعة أنه أقر المحكمة الدولية آخذاً دور مجلس النواب اللبناني عنوة عنه!

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها 

 

| الرئيسة سياسة |  روابط | نشيد قومي | أرشيف | إتصل بنا | 

 
 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها