الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

"التيار" يأكل أبناءه!

عمر حرقوص

 الاحد 23 تشرين الأول 2011

بعد زفاف القيادي في "التيار الوطني الحر" طوني نصرالله كتب أحد الأصدقاء مقالة وصف فيها الحضور "العوني" المتنوّع في ذلك العرس، وختمها بالقول إنه "بإمكان بيار رفول وجبران باسيل أن يطمئنّا؛ اجتمع مئة عوني ولم يحصل انقلاب". فلقاء العونيين في زفاف نصرالله الذي ابتعد قليلاً عن العمل القيادي في "التيار" لم يحدث تغييراً كما اراد الكاتب القول. و"الانقلاب" داخل التيار هو آخر الهموم التي يبحث عنها الوزير جبران باسيل حالياً في التنظيم الذي أنشأه شبان وناشطون صنعوا من أجسادهم شموعاً من أجل قضيتهم أي تحرير لبنان من "الاحتلال السوري". لكن بالفعل هناك البعض داخل التيار ممن يتخوفون من حصول انقلاب كلما اجتمع عدد من "العونيين" القدامى الموجودين في التنظيم أو خارجه. مع أن الوقت أثبت أنه لا يمكن لأي حالة مهما كبرت أو صغرت أن تنجح بالانقلاب على قيادة التيار بوجود الجنرال ميشال عون، فهو يستطيع أن يبعد من يشاء أو يقرب من يشاء أيضاً كمثل أب في المنزل لديه سلطته البطريركية.

حال المبعدين عن "التيار الوطني الحر" ليست جديدة أو طارئة، بل هي بعمر عودة الجنرال من المنفى. كثر تخلت عنهم القيادة أو تركتهم يبتعدون من دون أن تناقش همومهم السياسية أو الداخلية والتي تبدأ بإبعادهم عن مناقشة القرار السياسي وهم الذين يعرفون خبايا السياسة اللبنانية، وصولاً إلى تحويل بعضهم إلى "شياطين" مع أنهم صنعوا من أجل "تيارهم" تاريخاً مشرّفاً من النضال الطويل.

بعض المبتعدين أو المبعدين يشبّه الحالة التنظيمية لـ"التيار" بحالة أعتى الأحزاب اليسارية من خلال قول تاريخي "لا يمكنك أن تكون شاباً ولا تنتمي إلى هذا الحزب، ولكنك بعد أعوام ستجد من يخرجك من هذا الحزب إلى الأبد". فالمبتعدون عن التيار يؤكدون ابتعادهم لمجموعة اعتبارات أدت إلى وضعهم خارج تنظيم دفعوا من جهدهم ودمهم وأيام حياتهم في السجون، من أجل صموده في وجه "وصاية" سورية ونظام أمني ارتبط به، أكثر مما أعطوا لحياتهم الخاصة ولعائلاتهم.

قصة "التيار" مع النزيف الكبير في قياداته لم تبدأ بالتأكيد مع خروج اللواء عصام أبو جمرة وما يسمى بالحكماء الأربعة (إلى أبو جمرة، اللواء المتقاعد نديم لطيف، رئيس مجلس شورى الدولة السابق يوسف سعد الله الخوري والقاضي سليم العازار)، من الجسم التنظيمي للتيار بل هي أقدم من ذلك، ولكن ما كان أكبرها وأكثرها إيلاماً لمن ناضلوا في زمن الوصاية هو ابتعاد مجموعة من الشبان الأساسيين الذين صنعوا مجد التيار وتاريخه على الأرض، فهؤلاء الشبان الذين تعرّف اللبنانيون عبرهم إلى التيار من خلال نضالهم في الجامعات وفي التظاهرات المشتركة مع القوى الاستقلالية وكذلك من خلال توزيع البيانات والمنشورات وكتابة الشعارات السياسية على الجدران، تحولوا مع عودة الجنرال إلى منبوذين من الحالة القريبة لرئيس تكتل التغيير والإصلاح، حيث تم إقصاؤهم لأسباب وظروف خاصة بالرابية وبعض المقربين إليها أو استبعدوا أنفسهم لأنهم لم يجدوا "التنظيم" الذي يمنحهم إمكانية صناعة الحزب الفوق عادي الذي حلموا به طوال فترة نضالهم.

هؤلاء الشبان اجتمعوا قبل سنوات، وناقشوا كثيراً حالة تيارهم وابتعاد مراكز القوى داخل التيار عن ملاقاتهم، أصيبوا بصدمات كثيرة ممن اعتبروهم شركاءهم في الداخل، ولم يتخلوا عن حلم النقاش مع الأب الروحي لهم أي الجنرال، لكنهم فوجئوا بروايات كثيرة فُبركت عنهم، مما ولّد مسافة كبرت مع الوقت كادت أن تجعلهم يلعنون العمل السياسي ودخول بعض الطارئين والمستفيدين على العمل الحزبي وتطويعه من أجل صناعة سلطتهم من خلال تقرّبهم إلى القائد. ففي ما يسمى "الثلاثاء الاسود" الشهير استدعى الجنرال عون عددا من هؤلاء الكوادر المعترضين الى مقره في الرابية، وما أن باشروا بعرض هواجسهم التنظيمية والسياسية حتى واجههم بكلام قاس تحول إلى ما يشبه القطيعة السياسية.

من بين من قادوا التحرك الشبابي داخل "التيار" برزت مجموعة أساسية ممن يعتبرون أنفسهم "أبناء" الجنرال بالمعنى السياسي، بمن فيهم بعض من حملتهم الانتخابات الى المجلس النيابي، مجموعة شبابية عرفت بنظافة كفها وأفكارها وبتحمّلها الكلفة المادية والمعنوية لصناعة "التيار" في أسوأ الظروف وأحلكها، وكذلك تحمّلها الظروف الداخلية في التنظيم من أجل المحافظة على وحدة "التيار" والحفاظ على جنرالهم والعلاقة معه. عاد بعض هؤلاء الشبان إلى التيار علّهم يعيدون الروح إلى حياته التنظيمية، في سبيل الحفاظ على أفكار التيار "التغييرية الإصلاحية"، ولكنهم لم يستطيعوا في الأمر تبديلاً، فأعادوا بعض الصبا إلى وجه تنظيمهم، ولكن الأمور بقيت على حالها.

إلى هؤلاء، هناك كثر من بين من قادوا التحرك الداخلي الصامت أو من صمتوا وبقوا داخل التنظيم بانتظار تبدّل ما أو من رفضوا الصمت وتحمّلوا الاتهامات وأظهروا إلى العلن ما يجري في التنظيم الحزبي الذي صنعوه بنضالهم.. ولكن الأيام تبدّلت ولم يعد لهؤلاء الصامتين مكاناً داخل بيتهم الحزبي، فخرجوا ورفعوا الصوت رفضاً لآلة القمع التي استولدت ضدهم عداوة لم تتوقف.

يروي بسام خضر الآغا رئيس الحركة "الوطنية الحرة"، قصة قطيعته مع "التيار" بعدما كان أحد أكثر الملتزمين بمواقف قائده، حيث ناضل في أجواء محيطة لم تتناسب والموقف الذي كان يمارسه التيار، ففي طرابلس كانت المخابرات السورية تستدعي من تشاء أو تعتقل من تريد، وكان الآغا أحد أبرز من عانوا من تلك المرحلة. بعد عودة الجنرال بقي إلى جانبه وأدار المعركة الانتخابية في الشمال بعد أن طلب منه الجنرال الانسحاب، مرّت الأيام ليجد أن هناك من أخذ نضاله ورمى التيار بعيداً عن موقعه الحقيقي ليصير مدافعاً عن أنظمة تحلم بالعودة إلى لبنان.

كذلك الأمر قصة المسؤول الاعلامي السابق في "التيار الوطني الحر" الياس الزغبي ورئيس المكتب المركزي للتنسيق الوطني نجيب زوين وعبدالله الخوري والدكتور كمال اليازجي وعبدالله قيصر الخوري، إضافة إلى ايلي محفوض - رئيس "حركة التغيير" الذي قدم الكثير دفاعاً عن رفاقه في المحاكم وأمام قضاة التحقيق. كثر صاروا خارج معادلة "التيار" الذي دفعوا ثمنه من حياتهم وفضلوا الصمت مقابل ماكينة إعلامية يقودها بعض الطارئين على التنظيم والحالة العونية أو بعض من اعتقلوا شباب التيار وسجنوهم وتحولوا منذ العام 2005 إلى قياديين يبدّلون الأمور ويبدّلون مواقفهم كما يبدلون ربطات عنقهم.

مناضلون واجهوا الوصاية في السابق، واليوم يواجهون الماكينة التي هاجمتهم وحاولت طحن تاريخهم ورميه بعيداً عن وعي التيار وأهله الحقيقيين، ماكينة صوّرتهم كرهط منفصل أو أفراداً مزعجين، فيما ألغت من "التيار" أفضل حالاته التنظيمية والذي كان القاعدة الأساسية التي عملت قبل العام 2005 أي قطاع الشباب والطلاب. هذه الماكينة التي تلغي كل شيء تملك إسماً ومكان إقامة، هم الانتهازيون بصورهم المختلفة

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها