الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

ميشال عون من الأسد الأب الى الأسد الابن-7


ماهر الأسد يدعو الجنرال كرئيس الى دمشق و"يبارك" تسليمه الرئاسة من لحود

 الثلاثاء 25 تشرين الأول 2011

"ميشال عون من الأسد الأب الى الأسد الابن"، ملف جديد يسلّط الضوء على خفايا مرحلة غير عادية في تاريخ لبنان الحديث، وسلوك غير عادي لشخص امتهن السياسة من باب العسكر، فحارب الجميع من أجل نفسه ولا شيء غيرها.
صال وجال في ساحات التحالفات الداخلية والخارجية، أكثر منها في ساحات القتال، ولم يربح أياً من "معارك" الساحتين، لكن الجنرال ظلّ ثابتاً في حلمه، لا يتزحزح، لا بالبزّة العسكرية ولا المدنية. حنين قاتلٌ إلى "الكرسي الرئاسية"، وأحلام نهارية ومسائية جعلت حياة الجنرال ليلاً طويلاً طويلاً طويلا.
لم يجد حرجاً في نقل بندقيته من كتف الى أخرى. راهن بداية على الرئيس السوري حافظ الأسد، ثم على الأميركيين، وعاد الى الأسد نفسه، قبل أن يلجأ الى الرئيس الفلسطيني "أبو عمّار" وبعده الى الرئيس العراقي صدام حسين ومعهما طبعاً فرنسا، ليأوي أخيراً الى الرئيس بشار الأسد، حيث لا يزال يتموضع حتى الآن ومن أجل الهدف نفسه والحلم نفسه.. كرسي بعبدا.
هذه المحطات واكبها اللبنانيون من بُعد ومن قرب، لكن بقيت وراءها وفي كواليسها وقائع لم يُكشف النقاب عنها حتى اليوم، ولم يكن ليحصل ذلك لولا انقلاب بعض المقربين من الجنرال عليه بعد أن انقلب على نفسه، فكشف بعضهم باسمه الصريح، لـ"المستقبل" أسراراً غير معروفة، فيما آخرون فضّلوا عدم ذكر أسمائهم، لتكون هذه الشهادات في متناول اللبنانيين.
هذا الملف الذي تنشره "المستقبل" على حلقات، يتضمن روايات من شهود سابقين وآخرين مخضرمين، عن أحداث ووقائع تعكس عطش الجنرال المستديم لكرسي بعبدا التي هنأ بها لعام ونيّف من دون أن يهنأ بلقبها الأصلي، فلم ينل أكثر من رئاسة حكومة انتقالية، دفعته الى تبني سياسات "انتقالية" علّه ينتقل الى الكرسي الحلم.
في الحلقة السابعة اليوم، عاد الجنرال إلى لبنان، بعدما أتمّ أهم شرطين للعودة، الأول لقاء بين ممثلين عنه وبين الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، والثاني لم يُكشف النقاب عنه ويتمثّل بزيارة قام بها النائب اميل اميل لحود إلى دمشق يرافقه القيادي في "التيار الوطني الحر" انطون الخوري حرب، حيث كان في استقبالهما شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد واللواء محمد ناصيف وعشرون ضابطاً سورياً رفيع المستوى.
في اللقاء الأول، رحّب نصرالله بعودة الجنرال عارضاً خدماته الأمنية واللوجيستية "من المطار إلى ساحة الشهداء.. وما بعدها إذا أراد". أما في اللقاء الثاني، فوجّه ماهر الأسد إلى الجنرال دعوة مفتوحة إلى دمشق كـ"رئيس" وليس كزعيم سياسي. وسأل ماهر في هذا اللقاء ضيفيه عن وضع السنّة في لبنان، غامزاً من قناة تضرّر العلويين والموارنة منهم بقوله: "رفيق الحريري كان يريد تدميرنا نحن الاثنين"، ليدمغ هذه الصفقة التي تمّت بين السوريين والجنرال بالهدف الرئيسي منها وهو استثمار هذه العودة في معركة مواجهة رفيق الحريري.
عاد الجنرال إلى بيروت، نجح في إيجاد أسباب موجبة للانفصال عن حركة 14 آذار، قبل الانتخابات النيابية وبعدها. لم يكن ينقصه سوى إشارة واضحة من الديبلوماسي الأميركي دايفيد ولش بأن واشنطن لن تدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية، لينقل بندقيته علناً من كتف إلى أخرى ويعلن وثيقة التفاهم مع "حزب الله"، ويتربّع على "كرسي الممانعة" حيث لا يزال حتى اليوم.

غداً
"تفاهمات" الجنرال من بات روبرتسن الى حسن نصرالله
 


القيادة السورية استقبلت سرّاً موفداً لعون قبل أسبوع من عودته إلى لبنان
ماهر الأسد يدعو الجنرال كرئيس إلى دمشق و"يبارك" تسليمه الرئاسة من لحود-7

 

في عزّ الانهماك بالتحضير لاستقبال الجنرال العائد من المنفى، يتصل النائب إميل إميل لحود بأنطون الخوري حرب القيادي في "التيار الوطني الحر" ليقول له: "أنا عائد لتوّي من دمشق، والسوريون يريدون أن تجتمعوا مع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله كي يعود الجنرال في أفضل الظروف".
جاء الاتصال بعد زيارة لحود الابن لدمشق حيث التقى شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد، الرجل الأقوى في النظام.
وكان اللقاء مع نصر الله.
ذهب حرب برفقة القيادي السابق في "التيار" كمال اليازجي إلى مقر الأمين العام لـ"حزب الله". جالسا "سيد المقاومة" لمدة ساعة ونصف الساعة. يروي حرب: "قال نصر الله كلاماً مهماً عن عون، فوصفه برجل نظيف الكف وآدمي، وإن اختلفنا أحياناً في بعض المواقف السياسية. إذا قلنا لقاعدتنا الشعبية تحالفي مع حركة "أمل" تتحالف معها، لكن إذا قلنا لها تحالفي مع "التيار العوني" فهي تسبقنا". أضاف نصر الله: "أمن العماد عون من المطار الى ساحة الشهداء مسؤوليتنا بالتنسيق مع الجيش، وإذا أراد أكثر من ساحة الشهداء نحن جاهزون، ونتمنى أن يأتي الى منطقته حارة حريك. نحن نواكب موضوع حل الملفات العالقة قضائياً ومالياً وأمنياً، وسأكلّف غالب أبو زينب (قيادي في "حزب الله") بمهمة التنسيق معكم، على أن يكون التفاوض مع الشيخ نعيم قاسم (نائب الأمين العام)".
وقال نصر الله كلاماً أكثر وضوحاً: "نحن لا نطلب من عون أن يتنّكر للقرار 1559 ولكن نريده أن يطالب بتنفيذه من خلال الحوار الداخلي".
إعداد: جورج بكاسيني وعبد السلام موسى
نصرالله لم يطلب منه التنكّر للـ1559 بل أراد أن يطالب بتنفيذه عبر الحوار الداخلي
محمد ناصيف: كنت دائم التناغم
مع الجنرال حتى في أوج الصدامات
شقيق الأسد لموفد عون: رفيق الحريري
كان يريد تدمير العلويين والموارنة
كان مقرراً أن يطّل عون عبر شاشة "المنار" من باريس، في الليلة نفسها، فسارع حرب واليازجي إلى تزويده بمحضر اللقاء مع نصر الله. فأدلى الجنرال بمواقف متقدمة إزاء "حزب الله" وسوريا. في اليوم التالي، ذهب أبعد من ذلك في حوار أجرته معه "السفير" حيث قال: "إن مشكلتي مع سوريا انتهت وسنبني أفضل العلاقات (..) لا أحب الصليب المشطوب، هذا ضد المفاهيم المسيحية (..) رفيق الحريري أدخل لبنان في نفق اقتصادي لا نعرف أين ينتهي ومستقبلنا برسم القدر (..) رئاسة الجمهورية رمز وممنوع المسّ بالموقع رغم اختلافنا مع الرئيس الحالي".
بعد حوار "السفير"، اتصل لحود الابن بحرب وأبلغه ضرورة أن يتم اللقاء مع المسؤولين السوريين كي تكتمل العملية. كان ذلك قبل أسبوع من عودة عون من منفاه. وافق الجنرال فذهب اميل اميل لحود وانطون حرب إلى دمشق على متن مروحية عسكرية تابعة للجيش اللبناني. كان ينتظرهما في المطار موكب أقلّهما إلى مقر عسكري في المزة، حيث كانت كل القيادة السورية تنتظرهما باستثناء الرئيس بشار الأسد. كان في استقبالهما ماهر الأسد وآصف شوكت واللواء محمد ناصيف وأكثر من 20 ضابطاً رفيعي المستوى.
افتتح ناصيف اللقاء بالقول: "كنت دائم التناغم مع العماد عون، حتى في أوج الصدامات، وعلي ديب (الضابط السوري الذي اقتحم قصر بعبدا بعد قصفه في 13 تشرين الأول) يعرف ماذا كانت وصيتي له حين يدخل الى قصر بعبدا".
ثم انتقل حرب ولحود الأبن مع ناصيف إلى غرفة أخرى، حيث دار نقاش في الملفات القضائية والأمنية المتعلقة بعون.
بيدَ أن الأهم كان إصرار السوريين في هذا اللقاء على معرفة أين سيتموضع الجنرال بعد العودة، وكيف ستكون مواقفه إزاء المقاومة وإسرائيل، فناصيف أبدى حرص القيادة السورية على التفاهم مع عون في كل القضايا "حتى حول القرار 1559، وما يتعلق بالانسحاب السوري وحل الميليشيات"، وقال لحرب ما مفاده أن يطمئن الجنرال إلى ان الانسحاب السوري من لبنان اكتمل من كل النواحي، لافتاً إلى "الفرحة السورية" بتحسن العلاقة بين عون ولحود.
لكن "زبدة" اللقاء كانت مع ماهر الأسد الذي وجّه كلامه إلى حرب سائلاً عن "وضع السنّة في لبنان، وما إذا كانت هناك موجة عنصرية تتنامى"، قبل أن يلتفت إلى الضباط الموجودين في القاعة ويقول: "متلن متلنا"، في إشارة إلى أن الموارنة في لبنان كما العلويين في سوريا مهددون من السنّة. ثم قال: "رفيق الحريري كان يريد تدميرنا نحن الإثنين".
دغدغة "الحلم الرئاسي"
على الأثر انتقل ماهر الأسد إلى دغدغة "الحلم الرئاسي" لدى عون، فقال: "إذا أراد الرئيس لحود أن يسلّم رئاسة الجمهورية اليوم للجنرال عون فنحن نبارك وندعم، وهو لا يمكن أن يُسلّم إلا عون، وإذا لم يحصل ذلك الآن، فلدينا سنتان لتسليمه". ثم سأل عن علاقة "التيار الوطني الحر" بالبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، فرد حرب: "العلاقة جيدة وممتازة".
هنا تدخل لحود الابن متوجّهاً إلى ماهر الأسد: "هل سبق أن نصحتكم بشيء ولم تكن النصيحة صائبة؟" رد الأخير: "ماذا تقصد؟" فأجابه اميل اميل: "ألم أكن محقاً في موضوع العماد عون؟" قال ماهر: "نعم، كنت محقاً". وطلب منه أن يناقش واللواء ناصيف فكرة تسليم صفير دعوة لزيارة سوريا على أن يُستقبل كرئيس دولة، "فهو الآن في جوّ نفسي يدفعه للقبول بالدعوة"، فما كان من حرب إلا أن قال: "ليست الفكرة سيئة إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك، لكن أتمنى أن يكون البطريرك صفير جاهزاً".
ثم تطّرق اللواء ناصيف إلى "التحالفات الانتخابية" محذّراً "العونيين" من أنهم سيصطدمون بالحائط إذا ما قررّوا التحالف مع "14 آذار"، وقال: "أعتقد أنهم سيعرضون عليكم 10 نواب كحد أقصى، في وقت يجب أن يكون لديكم 40 نائباً، وإذا قمتم باستفتاء اليوم ستجدون أن الجنرال في الصدارة".
لم يترك السوريون قضية إلا ودغدغوا مشاعر عون فيها، قبل أن يختم ماهر الأسد اللقاء بتوجيه رسالة إلى الجنرال: "نتمنى أن نراه هنا، وقل له انه مرحبٌ به في أي وقت، وهو يزور سوريا كرئيس جمهورية وليس كزعيم سياسي، وحتى إذا أراد زيارة إيران فنحن مستعدّون لأن نقيم له استقبالاً مهماً هناك أيضاً".
الأمن الشخصي
من الأمن الاستراتيجي
اكتملت ظروف العودة، رغم أن عون كان شديد القلق على أمنه الشخصي، فطمأنه حرب عشية عودته بأن السوريين و"حزب الله" يعتبران "أمنه الشخصي من أمنهم الاستراتيجي". عاد عون وأقيم له استقبال حاشد من طريق المطار إلى ساحة الشهداء حيث ألقى كلمة في الحشود العونية التي احتشدت للترحيب به.
مع عودته إلى بيروت، رحّب عون بضرورة خلق معادلة في وجه "تيار المستقبل"، سيما وأنه لا يثق بوليد جنبلاط، في وقت كان خائفاً من كل المعارك الانتخابية في العام 2005، ويسعى إلى تفاهمات في أي مكان كي يضمن حضوره السياسي.
ففي موازاة معاودة إتصال الجنرال بالنظام السوري إثر عودته من منفاه، كان التفاوض مع "حزب الله" يجري على قدم وساق، عبر القناة التي حددها نصر الله، أي عبر نائبه الشيخ نعيم قاسم الذي تولى التواصل مع القيادي في "التيار الوطني الحر" زياد أسود، لأن أسود كان متفرغاً أكثر من الآخرين، إلى أن تم التوصل إلى مسودة شبه نهائية، في وقت كان "حزب الله" في عجلة من أمره لتوقيع الوثيقة، بحسب ما يؤكد أكثر من مصدر في "التيار".
لكن الجنرال أبقى رهانه على الأميركيين مفتوحاً، فزار الولايات المتحدة الأميركية قبل توقيع وثيقة التفاهم مع "حزب الله"، بيد أن نتائج هذه الزيارة لم تكن على قدر آمال الجنرال، على حد تعبير روجية إده، لأنه تقرر خلال هذه الزيارة "أن يرسل الأميركيون إلى عون، فور عودته إلى بيروت، صديقه الديبلوماسي دايفيد ولش المعروف بتعاطفه معه ليسأله من هو مرشحك للرئاسة؟" بما معناه أن واشنطن ليست موافقة على دعم ترشيح عون شخصياً. وهذا ما حصل بالفعل. فما كان من الجنرال إلا أن رد وبسرعة على هذه الإشارة بنقل بندقيته علناً من كتف إلى أخرى، وارتمى في أحضان "حزب الله" من خلال ما سمي "تفاهم مار مخايل".
في اليوم الذي تلا توقيع وثيقة "التفاهم"، زار إده بكركي والتقى البطريرك صفير، فسأله: "هل تحدث عون معك حول موضوع التفاهم؟" فردّ صفير: "أبداً". قال إده :"كيف يحصل ذلك، وأنت الذي ساهمت بفوزه في الانتخابات حين قلت قبل حصولها إنه أصبح لدى المسيحيين زعيم هو ميشال عون، فهل هو مخوّل أو يستطيع أن يوقّع باسم المسيحيين اتفاقاً كهذا؟"
بدا البطريرك صفير مصدوماً ومتوتراً، فقال له اده: "سأخرج من عندك وأعلن الطلاق مع عون". فقال لي: "يا ابني قل ما تريد". فخرجت، وقلت "هذا زواج متعة، لن يتمتع به سماحة السيد لأنه لن يشرعن سلاحه ولن يتمتع به سماحة العماد لأنه لن يكون رئيساً للجمهورية".
كان عون يحاول الوصول الى توافق سوري - أميركي على شخصه من أجل رئاسة الجمهورية، حيث يفيد مقربون منه أنه وظّف أشخاصاً على الخط السوري مثل جبران باسيل وغيره في موازاة اشخاص كانوا يعملون على الخط الأميركي. لكن ما أغضبه ودفعه إلى أحضان "حزب الله" هو الرسالة التي أبلغه إياها ولش في أيلول 2005، ما جعله يخشى من الأميركيين الداعمين لحركة "14 آذار" التي لم تكن اجواؤها مؤاتية لدعم عون، وهو الذي كان يشعر بأن بلوغ الرئاسة بات قاب قوسين أو أدنى، بعد أن حصل على 70% من التمثيل المسيحي في انتخابات العام 2005.
عناوين صحيحة
والتزامات خاطئة
في أي حال، يرى الياس الزغبي وأكثر من قيادي عوني سابق أن "علاقة الجنرال بحزب الله لم تبدأ في 6 شباط 2006، حين جرى توقيع وثيقة "التفاهم"، بل هي قديمة جداً تعود إلى العام 1990، حين شنّ الحرب على "القوات"، وافتتحها بجبهة الضاحية حيث كان "حزب الله" يمدّه بالبنزين وبالسلاح وبالمؤن الغذائية".
يخلص الزغبي إلى ان "عون أتقن معادلة جرّبها على مدى أكثر من 20 عاماً ونجحت، ولكن وصلت الى مرحلة لم تعد تجدي نفعاً. فهو يجمع الناس على عناوين صحيحة، لكنه يأخذهم الى التزامات خاطئة. في 1989 جمعهم حول عنوان تحرير لبنان من الاحتلال السوري، فأخذهم بعد عدة أشهر الى حرب بين المسيحيين. سنة 2005 جمع المسيحيين في الانتخابات (70%منهم) وأخذهم إلى خيار خاطئ هو الالتزام بسلاح حزب الله، والدفاع عن النظام السوري الديكتاتوري".
 


عون.. من المستور الى المنظور
بقلم: الياس الزغبي

... وأمّا بعد.
ومع انكشاف سيرة هذا الرجل، بالمعروف منها والمجهول، في شهادات بعض عارفيه ومجايليه، وما تطويه، الى الآن، الحقائق والوقائع المذهلة في أدائه وأهدافه وألعابه ومغامراته، يمكن تكوين خلاصات ثابتة عن شخصه ودوره، ودورانه حول ذاته.
منذ أكثر من ربع قرن، الرجل هو نفسه. نظلمه اذا وزّعناه بين بعبدا وباريس والرابية، واذا ميّزنا بين "شخصيّاته" الثلاث. هو واحد أحد، لا قبله ولا بعده، ولو استمات في إنتاج وريث لن يرث سوى قبض ريح سرعان ما يتبدّد مع اكتمال هبوب عواصف التغيير في لبنان والعالم العربي. كلّ ما طرأ على حقيقته هو انتقالها من العتمة الى الضوء، من السرّ الى العلن، من المستور الى المنظور.
ثابتتان لا تقبلان الجدل في حالة ميشال عون:
- ثابتة ارتباطه المزمن بالنظام السوري، من الأب الى الابن... الى نهاية اللعبة.
- ثابتة هوسه الممضّ بالسلطة وبعصبها الأوّل: المال.
حالتان متداخلتان، واحدة تبرّر الأخرى وتجسّدها. فالقاعدة هي متانة الارتباط باستراتيجيّة النظام وغاياته القصوى في استتباع لبنان واستلحاقه، والاستثناء هو النزق في التصدّي له ومحاربته، كما في ما سمّي "حرب تحرير" 1989، و"قانون محاسبة سوريّا" 2003.
التصدّي جزء من الالتحاق وغطاء له. والدليل هو أنّ طفرات عون ضدّ نظام آل الأسد متّنت الاحتلال السوري ووسّعت دائرته، وهذا ما حصل في 13 تشرين الأوّل 1990.
لا شكّ في أنّ براعة موصوفة لدى المخابرات السوريّة مكّنتها من استثمار نزوات عون في السلب والايجاب. عزّزت سرّاً جموحه الى الكرسي الأولى. سهرت على تسمين شعبيّته خلال مرحلة منفاه "المخملي" وفي المرحلة الأولى للعودة، على قاعدة تسمين الذبائح لأيّام المرافع. كان لها دور واضح في 7 آب 2001، وفي اشكاليّة فرعيّة المتن 2002، وفي فرعيّة بعبدا 2003 دعماً لمرشّحه، وفي انتخابات 2005 وما بعدها، وبات واضحاً أين هي اليوم الخواريف المسمّنة، بكتلتي نوّابه ووزرائه، وبما لا يزال يتيسّر من شعبيّة مخدوعة. وقد ساهمنا جميعاً، ومن حيث لا ندري، في الخطّة السوريّة الابليسيّة لتسمينه، مأخوذين بسحر الثالوث الوطني المقدّس: حريّة، سيادة، استقلال!
لقد تبيّن بالملموس أنّ حالة عون لا علاقة لها بهذا الثالوث السحري. وموقفه اليوم من الخرق السوري للسيادة والاستقلال، وخرق سلاح "حزب الله" للحريّة وقيام الدولة والعدالة تحت خدعة "التفاهم"، أسطع دليل.
أمّا الولع الضرير بثنائيّة السلطة والمال، فحلّلَ له كلّ المحرّمات: من " ثقافة " قطع الطرق، الى وضع "الأمور في نصابها" بقوّة السلاح الحزبي، الى تحريك الخناجر في جروح الحرب، الى نبش قبور الشهداء، الى توظيف الاعلام "الغوبلزي" في تشويه الحقائق وضخّ السموم وتفخيخ الأذهان.
لم يحدث أن حصل هذا الانهدام العمودي في العائلة والمجتمع الاّ منذ تمّ تكليفه بالمهمّة غير النبيلة في نسف القيم اللبنانيّة بدءاً بالركائز الخمس الكبرى للحضور المسيحي والأسس المبدئيّة لبناء الدولة، وصولاً الى الانحطاط المخجل في الخطاب السياسي، الذي لم يعرفه أبدا التاريخ المشرّف للزعامات المسيحيّة.
برع ميشال عون في تطبيق قاعدته الذهبيّة: جمع المسيحيّين حول شعارات صحيحة، وجرّهم الى التزامات خاطئة، بل قاتلة.
هكذا فعل سنة 1989 في "حرب التحرير"، وأخذ المسيحيّين بعد أشهر الى حرب داخليّة مدمّرة.
هكذا فعل سنة 2005، وورّطهم في "تحالف أقليّات"، جرّبوه قبلاً مرّتين ودفعوا ثمنه باهظاً.
وهكذا يفعل اليوم، يوهم من بقي معه بخيار دعم نظام الأسد تحت وهم الحماية، ويقودهم حتماً الى انكسار جديد، ولم يتجرّأ أحد من أنصاره على تنبيهه الى أنّ مسيحيّي سوريّا ولبنان كانوا أقوى وأكثر وأعزّ قبل 40 عاما من ولاية النظام الذي يعشق.
وفي الداخل، يُعمي أبصار مؤيّديه عن القضم الخطير الذي يقوم به "حزب الله" في القمم المسيحيّة، من لاسا وأفقا الى ترشيش وضاحية الضاحية والنبطيّة وأقصى الجنوب، وقد فرغت الأطراف من مسيحيّيها أو كادت، وهو يتعبّد لصنم "التفاهم"، لعلّه يُنقذ حلماً ضائعاً.
ويبقى حلم التوريث.
الأكيد أنّ عزاء ما، يخفّف من وطأة احباطاته في بلوغ كرسي القمّة.
فاذا لم يحقّق ما اشتهى في حياته، فليحقّقه بعد مماته. ومن أجل هذه الغاية المكتومة المعلومة، يهون كلّ شيء: يُبقي على "التيّار" حالة فضفاضة، لا أجسام سياسيّة فيها ولا آليّات انتخاب ومحاسبة، لا حزب ولا ديمقراطيّة، بل بطانة منتفعين وجماهير "غفورة" للتصفيق، ومحظوظون في غفلة من الجدارة والعطاء والتمرّس. حالة هيولانيّة يجوز فيها كلّ بطل وعطل!
انّها سيرة رجل تنتهي معه. التاريخ لا يسجّل الطفرات الطارئة الاّ للتندّر. أمّا ما ينفع الأجيال فيمكث في الذاكرة وسجلاّت الكبار، وهذه السيرة ليست من هذه القماشة.
لقد حصد كتلة نيابيّة كبيرة على بريق برنامج سمّاه "الطريق الآخر".
فقلنا في السرّ والعلن: بل هو "الطريق... الى الآخرة".

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها