الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

"حزب الله" وولاية الفقيه

المستقبل - الاثنين 2 تموز 2007

 

د. سعود المولى

            تشكل حزب الله في لبنان على أساس أنه "حزب الثورة الإسلامية في لبنان" أي كفرع من "حرس الثورة الإسلامية" الإيراني... ولم يكن ذلك فقط من حيث إن قوات حرس الثورة التي جاءت الى لبنان إثر اجتياح صيف 1982 وأقامت قاعدة عسكرية لها في بعلبك، قامت فعلياً بتوحيد وتدريب وتأطير وتنظيم المجموعات التي صارت لاحقاً حزب الله (1982 ـ 1985)، وإنما أيضاً وأساساً من حيث إن الأساس العقائدي ـ الفكري ـ التنظيمي يقوم على نظرية وممارسة ولاية الفقيه، أي على الإيمان المطلق بها والانضباط التام لها والطاعة لمستلزماتها، وفي ذلك يقول السيد ابراهيم أمين السيد، حين كان الناطق الرسمي أو الأمين العام الأول للحزب:

 

             "نحن لا نستمد عملية صنع القرار السياسي لدينا إلا من الفقيه.. والفقيه لا تعرّفه الجغرافيا بل يعرّفه الشرع الإسلامي.. فنحن في لبنان لا نعتبر أنفسنا منفصلين عن الثورة في إيران.. نحن نعتبر أنفسنا ـ وندعو الله أن نصبح ـ جزءاً من الجيش الذي يرغب في تشكيله الإمام من أجل تحرير القدس الشريف. ونحن نطيع أوامره ولا نؤمن بالجغرافيا، بل نؤمن بالتغيير"... (من الكتاب الصادر عن مجلة الشراع بعنوان الحركات الإسلامية في لبنان ـ بيروت 1984).

 

            وفي بيان تأسيس الحزب (16 شباط 1985) نقرأ: "إننا أبناء أمة حزب الله، نعتبر أنفسنا جزءاً من أمة الإسلام في العالم.. إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزية في العالم، نلتزم أوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط... كل واحد منا يتولى مهمته في المعركة وفقاً لتكليفه الشرعي في إطار العمل بولاية الفقيه القائد".. وفي شرح أدق لهذا المعنى يقول السيد حسن نصرالله: "الفقيه هو ولي الأمر زمن الغيبة، وحدود مسؤوليته أكبر وأخطر من كل الناس، ويفترض فيه، إضافة الى الفقاهة والعدالة والكفاءة، الحضور في الساحة والتصدي لكل أمورها، حتى يعطي توجيهاته للأمة التي تلتزم بتوجيهاته. نحن ملزمون باتباع الولي الفقيه، ولا يجوز مخالفته. فولاية الفقيه كولاية النبي والإمام المعصوم، وولاية النبي والإمام المعصوم واجبة، ولذلك فإن ولاية الفقيه واجبة. والذي يردّ على الولي الفقيه حكمه فإنه يردّ على الله وعلى أهل البيت... فمن أمر الولي الفقيه بلزوم طاعتهم فطاعتهم واجبة" (مجلة العهد ـ العدد 148 ـ 24 نيسان 1987).

 

            وفي شروحات أخرى أحدث (أي صدرت بعد العام 2000) نقرأ للشيخ نعيم قاسم (كتابه: حزب الله، المنهج، التجربة، المستقبل): "لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته... فالإمام الخميني، كولي على المسلمين، كان يحدد التكليف السياسي لعامة المسلمين في البلدان المختلفة.. هذا والارتباط بالولاية تكليف والتزام يشمل جميع المكلفين... حتى عندما يعودون الى مرجع آخر في التقليد، لأن الأمرة في المسيرة الإسلامية العامة هي للولي الفقيه المتصدي.." (ص75).. "الحزب يلتزم القيادة الشرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي والأمة، وهو (الولي) الذي يرسم الخطوط العريضة للعمل في الأمة، وأمره ونهيه نافذان" (ص23).

 

            تقوم نظرية الولاية العامة للفقيه على أن الدليل (العقلي والشرعي) قد دل على أن الإمام المعصوم (أي المهدي) قد نصب الفقيه الجامع للشرائط (أي الذي يجمع في شخصه شروط العلم الفقهي والعدالة والكفاءة في الإدارة، الى جانب التصدي والبروز للقيادة) وذلك في عصر غيبته الكبرى (أي غيبة الإمام المهدي التي لا يعرف متى تنتهي إلا من حيث أنه سيرجع ليملأ الدنيا عدلاً بعد أن امتلأت ظلماً وجورا)... وهو (أي المهدي) قد نصب هذا الفقيه ولياً عاماً، ولاية تصرّف على المسلمين.. وقد ثبت للفقيه بمقتضى هذه الولاية العامة (أو السلطة المطلقة) جميع ما ثبت للإمام المعصوم وللنبي نفسه.. فالولي الفقيه الجامع للشرائط هو "الحاكم الإسلامي المطلق" (الإمام، ولي أمر المسلمين) المعيّن بالنصب العام حاكماً على المسلمين.. أي أنه ليس فقيهاً متشرعاً فقط، أو مرجعاً للتقليد، بل هو حاكم عام مطلق الولاية له صلاحيات الإمام والرسول..

 

            وبالتالي، وكما يقول آية الله يزدي (أستاذ أحمدي نجاد ومرشده الروحي) فإنه "وفقاً لمبدأ ثبوت الولاية بالتعيين أو بإذن من الإمام المعصوم، وعلى فرض إحراز أفضلية فقيه ما للتصدي لمقام الولاية، ووفقاً للأدلة العقلية والنقلية، يحق لمثل هذا الفقيه الولاية على الناس ويكون أمره نافذاً على كل مسلم ويجب عليه تنفيذه. كما أن طاعة الولي الفقيه واجبة أيضاً حتى على المسلمين المقيمين في الدول غير الإسلامية سواء بايعوا أم لم يبايعوا، لأن البيعة ـ حسب نظرية ولاية الفقيه المطلقة ـ لا دور لها في شرعية الولي الفقيه".


            وحين نشب النزاع في إيران بعد وفاة الإمام الخميني (3 حزيران 1989) حول خليفته في منصب ولاية الفقيه، بسبب كون السيد خامنئي غير حائز على درجة المرجع المجتهد، تقرر الفصل بين المركزين: مركز المرجعية الدينية، ومركز ولاية الأمر (أو الإرشاد أو ولاية الفقيه)، ولكن ذلك لم يمنع الخامنئي من التصريح الآتي: "طبعاً لخارج إيران حكم آخر، أقبل ما يحملوني إياه، لأن ذلك الحمل لو لم أحمله سيضيع" (مجلة العهد ـ 16/12/1994).


            نشير هنا الى أن هذه المسألة بالذات (تصدّي السيد الخامنئي للمرجعية خارج إيران إضافة الى موقعه كولي فقيه) هي السبب وراء الصراع الذي نشب بين السيد محمد حسين فضل الله وحزب الله في الأعوام 1997 ـ 1998. فقد كان السيد فضل الله من المؤيدين لولاية الفقيه (وله في ذلك كتاب يضم بين دفتيه عدة خطب ومحاضرات عن الموضوع، صدر العام 1988). وحتى بعد تولي الخامنئي سدة الولاية في إيران، ظل فضل الله على ولائه، مع ترك مجال لنفسه للتصدي للمرجعية حيث إن الإيرانيين عيّنوا آية الله آراكي مرجعاً بعد وفاة الخميني، فاصلين بذلك بين المنصبين. وكان هدفهم هو الإعداد لقبول مرجعية خامنئي الذي لم يكن يحتل مرتبة الاجتهاد المطلق التي تؤهله ليكون مرجعاً دينياً. وقد اعتقد فضل الله في تلك المرحلة أن الباب صار مفتوحاً أمامه لإعلان مرجعيته (العربية على حد قوله يومها) طالما أن الإيرانيين فصلوا بين المنصبين.. فجاء جواب الخامنئي السالف الذكر حول كونه ينحني للمراجع أساتذته في إيران، أما خارج إيران فله حكم آخر.. وبين مرجعية الخامنئي التي صارت إلزامية بعد وفاة آراكي ومرجعية فضل الله التي كان يدعو لها لنفسه، صدرت عشرات الكتب (1997) في قم والضاحية الجنوبية، أقل كلمة فيهها هي : فضل الله الضال المضل.. ناهيك عن العمالة للمخابرات الغربية.. وانعكس ذلك في حزب الله الذي سحب ولاء بعض عناصره لفضل الله طالباً منهم اتخاذ موقف؛ وإلا فتهمة "ازدواجية الولاء".. وانعكس الأمر أيضاً داخل حزب الدعوة الذي صار فيه جناح كبير يحمل اسم "الدعوة ـ ولاية الفقيه" (بقيادة كبار المؤسسين التاريخيين مثل مهدي آصفي وكاظم الحائري).. ويومها أصدر فضل الله مقولته الجديدة القائلة "بتعدد ولايات الأمر" أو "تعدّد القيادة الإسلامية في عصر الغيبة"، إذ قال فضل الله إن صفة القائد في زمن الغيبة إنما تكون لنائب الإمام المهدي.. وكما يمكن أن يكون للإمام في حال حضوره أن يحكم أقاليم عدة وله في كل منها نائب فإنه يمكن كذلك أن يكون له في حال غيبته عدة نواب أيضاً "إلا إذا كانت هناك مصلحة إسلامية عليا تقتضي وحدة القيادة وكانت الوحدة واقعية". وقد اختار حزب الدعوة السيد فضل الله فقيهاً للحزب ومرجعاً له بعد وفاة آية الله آراكي.. وباعتقادي فإن هذه المسألة أيضاً هي التي تفسّر الانقلاب الدموي الذي قاده حزب الله ـ خامنئي ضد الشيخ صبحي الطفيلي (حادثة الحوزة في عين بورضاي) نظراً الى كون الطفيلي، مسؤول حزب الدعوة في لبنان، كان من أنصار الاستقلال عن القيادة الإيرانية ورفض ولاية الفقيه.. وقد تطوّر موقفه في السنوات الماضية الى تبني خيار ولاية الأمة على نفسها.. وهي الصيغة الأساس لدى الشيعة والتي عبّر عنها كبار أعلامهم مثل السيد محسن الأمين والسيد محسن الحكيم والسيد عبدالحسين شرف الدين والسيد موسى الصدر والشيخ محمد جواد مغنية والشيخ محمد مهدي شمس الدين. هذا في حين يستمر السيد فضل الله على موقفه الذي يقسّم ولاية الفقيه الى ولايات متعددة بتعدد الأقاليم، "إلا إذا كان هناك مصلحة إسلامية عليا تقتضي وحدة القيادة" كما كان الحال عليه أيام الإمام الخميني أو كما هو الحال عليه اليوم في ظل المصالحة الأخيرة بين السيد فضل الله والنظام الإيراني بعد قطيعة استمرت عشر سنوات..

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها