الثورة
السورية في عامها الثاني، ما لها وما عليها
في ۲٠ آذار ٢٠١۲.
بعد مرور عام على اندلاع الثورة السورية وصمودها المدهش في وجه
النظام وترسانته العسكرية المجرمة، أمور كثيرة تغيّرت أولها، إتساع
رقعة الإحتجاجات الشعبية ووصولها إلى قلب العاصمة دمشق ومدينة حلب
بعد أن كانت مقتصرة على الأطراف والأرياف وذلك رغم تصدّي النظام
لها بوسائل قمعية بلغت بوحشيتها إطار اللامعقول. وثانيها، تآكل
النظام من الداخل نتيجة تزايد عدد المنشقين عن جيشه يوماً بعد يوم
حتى بلغ عددهم عشرات الآلاف بينهم ضباط من أصحاب الرتب العالية.
وثالثها، تضييق الخناق عليه من خلال عقوباتٍ دولية إقتصادية
وسياسية وديبلوماسية متصاعدة أضافت إلى عزلته الداخلية عزلةً
خارجية خانقة جعلت بقاءَه في الحُكم أمراً مستحيلاً حتى ولو نجح
مؤقتاً في اجتياح بعض معاقل المعارضة في معارك غير متكافئة كما حصل
في باب عمرو وإدلب؛ هذا مع العِلم ان شلالات الدماء التي سفكها في
مختلف المحافظات السورية، والفظاعات التي ارتكبها بحق الأطفال
والنساء والمسنّين جعلت منه سفّاح القرن الواحد والعشرين من دون
منازع، بعد أن استحقّ والده عن جدارة لقب سفّاح لبنان على مدى
الربع الأخير من القرن الماضي، وباعتقادنا فإن الأسد الإبن، خلافاً
لوالده، لن يفلت من العقاب ولن يمر وقت طويل حتى يصبح طريد العدالة
الدولية هو وحاشيته.
الأمر الوحيد الذي لم يتغيّر هو الموقف الدولي الجبان والباهت
والمشين الذي ما زال يتفرّج على هذه المذبحة المستمرة من دون أن
تتحرك فيه مشاعر الغضب والنخوة لإيقافها، حتى إنه عجز حتى الآن عن
إيصال أي مساعدات إنسانية لشعبٍ يحاصره الجوع ودبابات النظام
والصمت الدولي، أو مساعدات عسكرية تمكّنه من الدفاع عن نفسه
متذرّعاً بحجج واهية لتبرير عجزه كالقول بوجوب توحيد المعارضة
أولاً، أو الإدعاء بأن عسكرة الإنتفاضة قد تؤدّي إلى حربٍ أهلية أو
وصول السلاح إلى تنظيم القاعدة إلخ... مستعيضاً عن هذا العجز بسيلٍ
من تصريحات الشجب والإستنكار تارةً، وبإرسال مراقبين ومندوبين عرب
وأجانب لا حول لهم ولا قوة طوراً، وبعَقد مؤتمرات سخيفة حملت عنوان
"أصدقاء سوريا" تارةً أخرى كثُرَ فيها الكلام وقلّ فيها العمل،
غافلاً (الموقف الدولي) إن كل هذا الحراك الخجول وهذه الثرثرة
السياسية لم يردعا النظام قيد انملة، لا بل فتحا شهيته على مزيدٍ
من القتل وسفك الدماء البريئة.
ومن سوء طالع الشعب السوري إن مجلس الأمن الدولي لم ينقسم على نفسه
على هذا النحو الحاد كما انقسم حالياً تجاه المسألة السورية، أضف
إلى ذلك إن العالم الحُرّ مصاب منذ أربع سنوات بشللٍ دماغي نتيجة
مواقف الرئيس أوباما الضعيفة والمترددة والمتخاذلة، الأمر الذي
أفقد الولايات المتحدة لأول مرة دورها الرائد في قيادة العالم
الحُرّ لمصلحة بريطانيا وفرنسا كما جرى في النموذج الليبي. أما
الرئيس الفرنسي الذي كان يُعوّل عليه في دعم الشعب السوري كما دعم
الشعب الليبي، فهو الآخر منشغل في معركته الإنتخابية غير المضمونة
النتائج والتي أقعدته عن اتخاذ أي موقف حاسم حيال المسألة السورية
خوفاً من أن ينعكس سلباً على شعبيته المهزوزة أصلاً، سيّما وإن
الناخب الفرنسي خاصةً والغربي عامةً لا يهتم بالشؤون السياسية
الخارجية بقدر إهتمامه بشؤون بلاده الداخلية وتحسين وضعه المعيشي،
ولا يحبّذ الحلول العسكرية بقدر ما يحبّذ الحلول السلمية
والديبلوماسية من دون أن يعي إن هذه الأخيرة لا تجدي نفعاً مع
أنظمةٍ ديكتاتورية تأسست على ثقافة القتل والنزعة السادية وتأليه
الحاكم وتسفيه الشعب واحتقار الحرية.
لا شك إن الوقت يعمل لصالح الثورة السورية إذا ما استمرّت على هذه
الوتيرة من صمودها الرائع، والمسألة تشبه لعبة عضّ الأصابع والغلبة
لمن لا يصرخ أولاً، ولا نظنّها فاعلة.
لبَّـيك لبـنان
اتيان صقر ـ أبو أرز |