مرض
الزهايمر السياسي.
اتيان صقر ـ أبو أرز
في ۱٨ أيّار ٢٠١۳.
في خطابه الأخير تخطّى الأمين العام "لحزب الله" كل رموز الدولة
ومؤسساتها المدنية والعسكرية، وأعلن عزمه على تلقّي أسلحة متطورة
من سوريا كاسرةً للتوازن الستراتيجي مع إسرائيل، مُستَبيحاً بذلك
قرارات الأمم المتحدة المتصلة بلبنان وبخاصةٍ القرارين ۱٥٥٩ و
۱۷٠۱، ومُعرّضاً البلاد مَرّةً أخرى لحرب جديدة قد تكون كارثية
النتائج.
لم يكتفِ بهذا الإعلان بل وخلافاً لسياسة النأي بالنفس عن الأحداث
السورية، شدّد على ان القتال إلى جانب النظام السوري واجبٌ قومي
للدفاع عن "محور المقاومة" من أجل تحرير القدس والحرم الشريف، ما
يعني ضمناً ان طريق فلسطين باتت تمرّ بدمشق بعدما كانت تمرّ بمزارع
شبعا وقبلها بجونيه وعيون السيمان، وهي الشعارات التي انتهت بتدمير
لبنان من دون ان تحرّر شبراً من أرض فلسطين.
نحن نفهم، ومعنا أكثرية الشعب اللبناني أن تكون لهذا الحزب قناعاته
الخاصة في الشأنين المحلي والإقليمي كغيره من الأحزاب اللبنانية،
ولكن أن يقوم باختطاف لبنان ومصادرة قراره وإلغاء مؤسساته الرسمية
وزجّه في صراعاتٍ وحروب لا يريدها، فهذا لا نفهمه ولا نقرّه.
لذلك، وبعد أن باتت الدولة عاجزة عن حماية نفسها وقرارها، وأصبح
هذا الحزب أقوى منها، هو يحكم عملياً وهي تحكم نظرياً، هو يقوم
بالفعل وهي بردّة الفعل.
وبعد أن فشلت سياسة النأي بالنفس فشلاً ذريعاً وصار لبنان من أكثر
البلدان انخراطاً في الحرب السورية ومُعرّضاً بالتالي لأوخم
العواقب.
وبما إن الشعب اللبناني بأغلبيته الساحقة يرفض أن يدفع مجدداً
فاتورة الصراع العربي ـ الإيراني والعربي ـ الإسرائيلي، ويرفض كذلك
أن يتحمّل مسؤولية تحرير القدس نيابةً عن العرب والفرس.
وبما إن حالة التعايش السلبي والقسري القائمة بين الدولة و"حزب
الله" منذ ثلاثين عاماً لا يمكن أن تستمر على هذا المنوال إلى ما
لا نهاية.
لهذه الأسباب مجتمعةً نرى ان السلطة الحاكمة باتت أمام خيارين:
الأول، أن تنتفض على هذا الأمر الواقع وتقرّر استعادة سيادتها على
كامل البلاد بدءاً بالدويلات المسلحة غير الشرعية، مُستعينة بالأمم
المتحدة في تنفيذ قراراتها تحت الفصل السابع. الثاني، أن تذهب إلى
بيتها وتدع "حزب الله" يتحمّل وحده مسؤولية مغامراته العسكرية أمام
الرأي العام اللبناني والدولي بعيداً من غطاء الدولة الشرعي الذي
طالما تلطّى وراءَه في تنفيذ أجندته الخاصة.
قد يقول البعض إن هذا الكلام غير منطقي وغير واقعي، ولكن هل الحلول
الترقيعية المتّبعة حالياً هي واقعية ومنطقية؟ وأين المنطق في
الإبقاء على هذا الواقع الشاذ الذي أدّى إلى انحلال الدولة وتفتيت
البلاد؟ ألا يقول عِلم السياسة إن الأزمات غير العادية تتطلب
حلولاً غير عادية؟؟؟
المشكلة الأساسية في لبنان ليست في "حزب الله" فقط، بل بالمسؤولين
المصابين بمرض العقم أو الزهايمر السياسي الذين أفسحوا المجال
أمامه لكي يصبح دولةً فوق الدولة.
رحِمَ الله من قال: لبنان قضية كبيرة حملها أشخاص صغار.
لبَّـيك لبـنان
أبو أرز
|