خيارات
الأسد تتقلّص
اتيان صقر ـ
أبو أرز
في ١٣ كانون الأول ٢٠١۲.
ما لا يفهمه الطغاة أو يرفضون فهمه هو ان كل صراع ينشب بينهم وبين
شعوبهم المنتفضة عليهم ينتهي دائماً بسقوطهم وانتصار الشعوب ولو
بعد حين، إنها قاعدة ثابتة لم يشذ عنها أحدٌ من طغاة التاريخ،
وبالطبع لن يشذ عنها بشّار الأسد الذي توهّم ان آلته العسكرية
الضخمة قادرة على سحق إرادة الشعب السوري.
والآن وبعد أكثر من عشرين شهراً من المواجهات الدامية بين الطرفين
هي الأشرس والأعنف في هذا العصر، استطاعت الثورة السورية التي
انطلقت من الصِفر أن تقلب موازين القوى لمصلحتها بالرغم من تخاذل
العالم الحُرّ الفاضح تجاهها، والدعم الروسي ـ الصيني ـ الإيراني
غير المحدود لنظام الأسد وها هي الآن تنتقل من مرحلة الدفاع إلى
مرحلة الهجوم، وتحقق الإنتصار تلوَ الآخر، وتبدأ معركة الزحف على
العاصمة مؤذنة باقتراب موعد الحسم وانهيار النظام، مستحقةً عن
جدارة لقب أم الثورات العربية.
وهكذا بدأت الخيارات تضيق أمام الأسد يوماً بعد يوم، فإذا قرّر
البقاء في سوريا فسيلقى حتماً مصير معمّر القذافي أو أقله مصير
حسني مبارك، وإذا قرّر الفرار فقد يُقتل على يد أركانه بعدما
ورّطهم بارتكاب أبشع المجازر، وإذا حاول اللجوء إلى دويلته
الموعودة في اللاذقية فسيلحق به الثوار إلى عقر داره.
مِمّا لا شك فيه إن سقوط النظام السوري سيكون له تداعيات إيجابية
كثيرة على الوضع اللبناني، أولها تحرّر لبنان من قبضته الحديدية
التي أنهكت قواه وقطعت أنفاسه لأربعة عقود متتالية بالتكافل
والتضامن مع عملائه المحلّيين وعلى رأسهم منظمة "حزب الله"
الإيرانية الهوى والهوية والعقيدة.
ولكن ما يخشاه اللبنانيون الشرفاء هو أن يعمد الفريق الآخر إلى
استقدام النفوذ السعودي إلى هذا البلد للإستقواء به ضدّ خصومه،
وبهذا نكون قد تحرّرنا من وصاية خارجية قاتلة لنعود ونقع في وصاية
خارجية أخرى.
لقد أضاع لبنان كل الفرص التي أتت لإنقاذه منذ العام ١٩٧٥ وحتى
الآن، وقد يضيّع اليوم أيضاً هذه الفرصة الثمينة الآتية قريباً، لا
لسبب إلا لأن هذا البلد التعيس الحظ قد ابتلى بعصابة سياسية استهوت
الوصايات الخارجية وتخصّصت في إضاعة الفرص السانحة لإقامة دولة
حُرّة وسيّدة ومستقلة.
واستناداً إلى خبرتنا المتواضعة في الشأن اللبناني نستطيع أن نجزم
إن معظم مصائب لبنان كانت من صنع الداخل لا من صنع الخارج كما
اعتقدنا طويلاً... وهنا تكمن مأساته
الحقيقية.
لبَّـيك لبـنان
|