في ٢٥ تمّوز ۲۰۰٨
كلما طالب لبنان سوريا بالكشف عن المفقودين اللبنانيين في سجونها
ردّت بأن لسوريا أيضاً مفقودين في لبنان، وكأن لبنان هو الذي قام
بإحتلال سوريا وأخضع شعبها بقوّة السّلاح والقمع والإعتقالات
الإعتباطية والتصفيات الجسدية.
وكلما طالبناها بتصحيح علاقاتها بلبنان ردّت بان "مفتاح التغيير في
التعاطي بين البلدين يتوقف على التغيير في لبنان"، وكأن لبنان هو
مصدر الخلل في تلك العلاقات والمسؤول عن توتيرها.
ان هذا الكلام يؤشر على ان نوايا سوريا تجاه لبنان ما زالت على
حالها، وان روح الإستكبار والإستعلاء ما زالت تتحكم بالسياسة السورية
حيال هذا البلد، وان الحديث عن فتح صفحة جديدة لا يتعدى نطاق
الشكليات والكلام المعسول، وأكثر ما يخشاه اللبنانيون ان يكون الرئيس
الفرنسي قد تسرّع في تشريع أبواب أوروبا أمام النظام السوري المعروف
بحربائيته السياسية.
وبعيداً عن لغة التملق والمسايرة التي يستعملها ساسة لبنان في
مخاطبة سوريا، نقول ان مفتاح الحل والربط في تصحيح العلاقات بين
البلدين موجود في يد سوريا وحدها، وإذا كانت سوريا حريصة على طي صفحة
الماضي السوداء وفتح صفحة جديدة، فعليها القيام بجملة خطوات تمهيدية
قبل الشروع في عملية تبادل السفراء.
أولاً، على سوريا ان تحرّر نفسها من عقدة لبنان، وتتخلّى عن أحلامها
الإستعمارية تجاهه وعن كل الشعارات الزائفة التي أفرزتها حقبة
الوصاية مثل: بَلدان في شعب واحد، وشعبان في بلد واحد، ووحدة المسار
والمصير... إلخ. وعليها أيضاً القبول بإلغاء ما سمي بمعاهدة الأخوة
والتعاون والتنسيق التي أبرمت على وقع الإحتلال وخلت من كل معاني
الأخوة والتعاون والتنسيق، فضلاً عن المجلس الأعلى السوري ـ اللبناني
الذي هو مجلس سوري بإمتياز.
ثانياً، الإعتذار عن كل المآسي التي أنزلتها بالشعب اللبناني خلال
حقبة الوصاية وبعدها، وإقفال ملف المفقودين في معتقلاتها إقفالاً
تامّاً وسريعاً بعد ان أصبح وصمة عار ليس على جبين سوريا فحسب وإنما
على جبين الإنسانية التي سكتت عنه لسنوات طويلة.
ثالثاً، الموافقة على ترسيم الحدود بين البلدين من خلال لجنة دولية
مختصة، وإحترام تلك الحدود والتوقف عن إنتهاكها عِبرَ تصدير السلاح
والمسلحين والإرهابيين.
اما العلاقات الديبلوماسية فيجب ان تأتي تتويجاً لهذه الخطوات كي لا
تصبح السفارة السورية المرتقبة في بيروت مجرّد إجراء شكلي أو مركز
متقدّم للمخابرات.
أبو أرز |