في
٩ أيّار ۲۰۰٨.
ما من بلدٍ في العالم تتسع أرضه لقيام دولتين على رقعةٍ واحدة في
زمنٍ واحد، وكل حديث عن إمكانية التعايش بينهما يبقى في إطار التنظير
أو التكاذب أو الكلام الفارغ، إذ لا بدّ في نهاية المطاف من ان يتغلب
منطق المواجهة على منطق المساكنة إلى ان تتمكن الواحدة من إستيعاب
الأخرى... وهذا ما قلناه من زمان ودفعنا ثمنه دماً وتنكيلاً وتخويناً
وتهجيراً.
والآن، وبعد ان أصبحت المواجهة بين الدولة اللبنانية ودويلة ما يعرف
"بحزب الله" معلنة ومكشوفة على خلفية القرار الأخير لمجلس الوزراء
الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظَهرَ البعير، لا بد من التوقف عند
بعض الحقائق لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
١ – لقد تأخرت الدولة اللبنانية كثيراً في التصدي
لهذه الحالة الشاذة التي يمثلها هذا الحزب، وبدل ان تعمد إلى معالجته
منذ نشوئه وعندما كانت قادرة على ذلك، لجأت إلى سياسة المهادنة
والمماطلة والتخدير مما وفر له الوقت الكافي لبناء دويلته الخاصة بكل
مؤسساتها العسكرية والأمنية والمدنية حتى أصبح عصيّاً على كل حل
وتسوية. والمسؤولية في الوصول إلى هذا الوضع التصادمي الخطير تقع
بكاملها على عاتق الحكومات المتعاقبة منذ العام ١٩٨٢ وحتى الساعة.
٢ – ان لبّ المشكلة مع هذا الحزب يكمن في سلاحه،
بينما شبكة الإتصالات الخاصة وكاميرات المراقبة وغيرها من البنى
التحتية التابعة له ما هي إلا نتائج طبيعية لوجود هذا السلاح، لذلك
فان قرار الحكومة الأخير، على جرأته، لم يلامس جوهر العلة بل
عوارضها.
٣ – ان معالجة سلاح هذا الحزب تتعدى اليوم طاقات
الدولة المحدودة وقدرات الحكومة بتركيبتها السياسية الهشة، لذلك
وللخروج من هذا المأزق البالغ الخطورة، لا بد للحكومة من التوجه
فوراً إلى المجتمع الدولي طالبةً منه التدخل السريع لتنفيذ القرار
١٥٥٩ بكل الوسائل المتاحة حتى ولو أدّى ذلك إلى تدويل لبنان ووضعه
تحت وصاية الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع كما سبق وذكرنا في
بياناتنا السابقة... وكل معالجة خارج هذا الإطار تبقى عقيمة ومجرّد
دوران حول الذات في حلقة مفرغة.
انها الفرصة الأخيرة أمام الحكومة ولا مجال للعودة
إلى الوراء، فاما ان تُقدم على هذه الخطوة مستفيدةً من الدعم الدولي
الواسع لها فتنقذ الجمهورية، واما ان تحجم عنها فتتحمّل مسؤولية بقاء
الأزمة وإستمرار النزيف حتى نهاية الجمهورية.
أبو أرز |