ست سنوات تهجير

20051128

من عادة الانظمة العربية ان تتهم كل من لا يسير بركابها ولا يقبل ان يكون البوق الفارغ المنادي بشعاراتها البائدة بالعمالة. ويبدو ان اوروبا التي انجبت هتلرًا واحدا، قد انكسرت شوكتها امام 22 دولة تنجب في كل يوم المئات من هتلر .

اتفق المتحاورون في مجلس النواب اللبناني على ضرورة نزع السلاح الفلسطيني، ولعل الحادثة التي شهدها البقاع، واستشهاد المجند في الجيش اللبناني، انما هي خير دافع لنبش اوراق الماضي، وكسر حاجز الصمت عن موضوع، كان التطرق اليه سابقًا من المحرمات، وهو جيش لبنان الجنوبي. بعد "نكسة" حزيران 1967، تعاظم دور الفدائيين الفلسطينيين المنضوين تحت جناح ما يسمى منظمة التحرير الفلسطينية، التي عاثت في الاردن فسادًا، مما دفع العاهل الاردني الراحل الملك حسين، ليهاجم مراكز تدريب الفدائيين والقضاء عليهم لانقاذ الاردن من شر فتنة كادت أن تقسمه ما بين اردني، فلسطيني، شركسي، بدوي وقبلي. يومها صمتت الدول العربية، فانتقل العمل الفدائي الى لبنان، وحيث نجح الاردن فشل لبنان، فاتخذت منظمة التحرير من الدين غطاء لعملياتها. فلبنان المتعدد الطوائف، كان من السهل ان تستقوي طائفة على اخرى بالفلسطينين الذين تحولوا من الحدود الى الداخل اللبناني. واطلق ياسر عرفات، بعد اتفاقية القاهرة الشهيرة، والذي انقض على مقومات السيادة الوطنية، اطلق شعار "طريق القدس تمر في جونيه".

 اندلعت المعارك المتفرقة ما بين 1973 و1975 بين الفدائيين الفلسطينيين والجيش الاسرائيلي. وكانت المناطق الحدودية في الجنوب هي اكثر المناطق تضرراً. فمن جهة، كان الفدائيون يطلقون النار باتجاه اسرائيل من بين المباني السكنية ويهربون، ليرد الاسرائيليون على مصادر اطلاق النار، وكان المواطن هو المتضرر الاكبر ولا سيما المزارعين الشيعة والمسيحيين. يومها، كان الشيعة دون قيادة او راية يقاتلون تحتها، فايران الشاه حليفة لاميركا، ولاسرائيل تمثيل قوي في طهران، وشيعة العراق تحت الحكم البعثي السني القوي. وكان الفلسطينيون ومن معهم من "الحركة الوطنية"، يضايقون الاهالي ويبتزونهم. في تلك الاثناء، حاول عدد من عناصر الجيش في القرى الحدودية، اقناع قيادة الجيش بدعم الثكنات في الجنوب.

 ولم تقدم الدولة اللبنانية يد العون حتى سقطت ثكنة مرجعيون بيد "جيش لبنان العربي" المنشق اصلا عن الجيش اللبناني .وهكذا، تأسس جيش لبنان الجنوبي (في دولة لبنان الحر) وسعى الجنوبيون الى عدم الاستقلال بمنطقتهم وفصلها عن لبنان، رغم ابتعادها عن بيروت. فبين بيروت وجزين، سقطت شرق صيدا والدامور والجبل، وقام الفلسطينيون بابشع المجازر، فلم يكن امام اهل الجنوب الا الموت من امامهم، واسرائيل من ورائهم، التي اصبحت هي الحامي (بنظر الجنوبيين) من الفدائي المتسلط القاتل.

كانت اخبار المجازر التي يرتكبها الفلسطينيون تصل تباعا الى الجنوب، فتحصن أهالي المنطقة، ويوم طلبوا العون من الدولة اللبنانية، تركتهم يواجهون الموت فاتجهوا نحو اسرائيل. وفي العام 1991، صدر قرار يقضي، واستكمالا لاتفاق الطائف، أن تحل كافة الميليشيات، وتسلم اسلحتها الى قيادة الجيش اللبناني، ويلتحق افرادها بهذا الجيش وتعفى كل الجرائم الواقعة قبل اذار 1991 بموجب قانون العفو العام الا ما احيل من الجرائم على المجلس العدلي .

 يومها كان الجنوب لا يزال بعيدًا عن سلطة الدولة، وبحسب القانون، لا تطبق الاتفاقيات على المناطق المحتلة (علما ان لبنان كان كله محتلا من السوريين) الا عند تحريرها. لذلك، وقانونيا، يعتبر جيش لبنان الجنوبي خاضعا للعفو الصادر عام 1991، بمفعول متأخر حتى ايار 2000. وهنا نرد على الجنرال عون وحسن نصرالله، ان اخواننا واخواتنا، لن يعودوا ليخضعوا لاحكام باطلة، او ليتحولوا الى وقود وقوة شعبية للعماد عون في الجنوب.

اخواننا عائدون دون منّة من احد الى لبنان اعطوه اكثر بكثير مما اعطاه اياه الكثير من المتربعين اليوم في مجالس السلطة، او رواد الرابية وساكنوا الحسينيات. ما فتئ المبعدون يصرحون ويقولون، انهم لبنانيون ويريدون العودة تحت سقف القانون، وقد رفضوا الجنسية الاسرائيلية، واعلنوا صراحة ان ولاءهم الأول والاخير هو لبنان. من منطق السلطة اليوم، ان كانت سلطة حرة كما تدعي، ان تعالج احد المواضيع المترسبة عن الاحتلالات الغريبة للبنان زمن المد الفلسطيني البغيض، ومن اولى الاولويات اليوم اصدار مرسوم بتعديل قانون العفو العام، وجعله يشمل الجنوبيين دون شروط او قيود، ليعود الوطن الى الوطن و يقوم لبنان..

 بدل ان تتهم الدولة جيش لبنان الجنوبي بالعمالة وتحاكمه، فلتحاكم نفسها، لانها وبسبب تخليها عن ابنائها دفعتهم للقيام بما قاموا به ولعل من عاد من جيش لبنان الجنوبي، لم يزر اسرائيل بعدها ويرجوها العودة، او اقام لها مهرجانات تكريم واهدى اوري لوبراني بندقية، وخطب باسمها في المنابر والساحات ولدى تمثال رياض الصلح، او انه قام برفع صور شارون وبيريز في المظاهرات كما يفعل عبدة الوصاية السورية وعبيدها.

ماذا لو هرب حسن نصرالله و وئام وهاب وسليمان فرنجية و نبيه بري و طلال ارسلان وسواهم من رجالات الحقبة السورية الى الشام عقب الانسحاب السوري (كما فعل بعضهم عند اجتياح القوات الاسرائيلية لبنان). انها الحقيقة المرة ان يبعد امرؤ عن ارضه التي حماها بدمائه ليعود ويجد من يقول له عد لنقتلك من جديد.

اخوتي المبعدين

لا تتهاونوا، ولا ترضوا ان يفاوض احد عنكم، وتذكروا انكم لبنانيون ابناء لبنانيين، واولاد ال 10452 كلم2، ويبقى للحقيقة ان تكشف، والصباح ان ينبلج، وتعودون الى ارضكم، فيعود الجنوب الى الوطن، ويعود لبنان الى لبنان.