عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

التهديدات المجرمة والمواجهة المزيّفة

 

20040321

 

قبل أكثر من عشرة أيام ، و في الثامن من آذار تحديداً، اندلعت حوادث العنف و الشغب بين قوات السلطة الحاكمة و قوى قومية كردوية في سوريا، كانت ذروتها أعمال الشغب التي رافقت إحدى مباريات الدوري السوري لكرة القدم في مدينة القامشلي، لتمتد هذه المواجهات الى مختلف أنحاء سوريا حتى العاصمة دمشق، حاصدة العديد من الضحايا، ناهيك عن أجواء الرعب و الهلع و الأضرار المادية الجسيمة على الصعيدين الفردي و الوطني.

و بغضّ النظر عن البادئ بهذه الأعمال فإن ما حصل، و مع مايزال يحصل، قد كشف عورات نظام البعثفاشي الحاكم منذ أكثر من أربعين عاماً و هشاشته معنوياً و جماهيرياً. كما كشفت هذه الأحداث قوة تنظيم القوى الكردوية و استغلالها بمهارة تداعيات الوضع في العراق و الإنتشار الكردي في أوربا و أمريكا و بالتالي استغلالها للرأي العام العالمي و توظيفه لتسويق و جهة النظر الكردية.

 

فديكتاتورية النظام الحاكم في دمشق و شوفينيته و عنصريته العروبية الإسلامية تقابل اليوم خصماً لا يقلّ عنها دموية و شراسة في الغلوّ القومي و التطرف و النّزوع نحو العنف حلاً لكل خلاف. فعناصر التشابه كثيرة، فمن تزوير و تشويه للتاريخ و اعتماد لغة الدّم و السيف و سيلة للمخاطبة و "تكفير" و تخوين و احتقار كلّ مخالف للرأي و نظرة فوقية قلّما تجد لها مثيلاً. زد على ذلك عوامل الإحتقان و الإحساس بالغبن و الخوف و الحذر المتبادل.

أكثر ما يهمّنا في هذا السياق هو ما نأمله من الفئات المتصارعة في سوريا وفي كل مكان آخر من أوطاننا أن يعي هؤلاء المتحاربون أن الغرب المسيحي الذي يساعدهم على ممارسة حقوقهم المسلوبة أو استرجاعها لن يقبل أن يمارسوا هم أعمالا إنتقامية ضدّ أبناء شعبنا المسيحي الأعزل والذي عانى ما عاناه من الظلم والمجازر في السابق وحتى اليوم. إن التنظيم الآرامي يهيب بكل المسؤولين من رسميين وحزبيين وأهليين أن يحترموا شعوبنا المسيحية المسالمة في أرضها القومية. فكلنا نعرف كيف نوصل رسائلنا الى أصحاب القرار في الغرب القادر.

 

الملفت للنظر أن سياسة التعريب التي رسّخها سيء الذكر جمال عبد الناصر و استمر بها البعثفاشيون هي التي أوقعت هذا النظام في ورطته هذه التي ما عاد له أن ينجو منها. فمنظرو "العروبة" و عباقرتها بدءاً من ميشال (محمد) عفلق مروراً بعبد الناصر و انتهاء بصدام و حافظ أسد، لم يتعلّموا مما جرى في تركيا. فالدولة التركية، التي تأسست تماماً على نظريات صفاء العنصر التركي و نقائه و اللغة الواحدة (التركية) و الدين الواحد (الإسلام)، قامت بحروب إبادة ضد الشعوب الأصلية من أرمنية و يونانية و سريانية آرامية كان فيها الأكراد في معظم الأحيان السكين و حدّ السيف. و كان لا بدّ و في هذه الحال أن يملأ الأكراد مناطق تلك الشعوب لتستعر، فيما بعد، المواجهات العسكرية بينهم و الدولة التركية نفسها نتيجة النزعة الإنفصالية لدى الأكراد في كلّ مكان يجدون أنفسهم يشكلون الأغلبية السكانية فيه من جهة، و طبيعة النظام التركي المبني على مبدأ نقاء العرق التركي من جهة أخرى.

 

و ما ينطبق على الحالة التركية ينطبق على الحالة السورية أيضاً. فالعروبيون أصحاب "أمة عربية واحدة و ذات رسالة (الدعوة المحمدية بالطبع) خالدة" ما قصّروا! فمن مهزلة "الإصلاح الزراعي" وسلب الأرض من أصحابها الأصليين و توزيعها على من لا شأن لهم بالزراعة والرّي، ممّا يذكّر بعادات الغزو عند العرب مع فارق زمني يفوق الألف سنة، إلى إغلاق مدارس السريان الآراميين و جمعياتهم و أنديتهم إلى آخره من إجراءات التعريب العنصرية المعروفة، أدّت إلى تفريغ المنطقة من أصحابها السريان الآراميين الأصليين إثر موجات هجرة مسيحية واسعة دون أن تُسمّى تطهيراً إثنيّاً، و حلول الأكراد محلّهم، لتزداد على إثرها المشاكل و ليشتدّ التطرف الإسلامي حدّة، إلى مزيد من الإنحسار الديمغرافي الآرامي السرياني لصالح القوى الإسلامية. فالصراع في جوهره إذاً، هو صراع على هوية المنطقة يُتيح للمنتصر فيها فرض هويته الدخيلة عليها و بالتالي تحقيق أطماعه القومية و الإقليمية شيئاً فشيئاً.

 

و هكذا فإنّ شعبنا الآرامي السرياني في سوريا عامة، و في منطقة الجزيرة خاصة، واقع بين سندان العروبة المتزمتة و مطرقة التطرف القومي الكردي تارةً والتركي طوراً. و هو واقع، و إن كان شعبنا، "اعتاد" مجبراً على التعايش معه بكل مساوئه و عواقبه الجسيمة، فهو اليوم سائر إلى أسوأ نتيجة جراء حوادث العنف هذه و سقوط خرافة مناعة النظام هناك.

وممّا يزيد في الطين بلّة أن الطرف الذي يَسمح له البعثيون بالنطق باسم شعبنا في المنطقة هم الحركات المتخصصة في الخنوع والذمية: ممن يدّعون بالقومية الأثورية تارة وبالإنتماء البعثي العربي طوراً دون أن يفقهوا التناقض في ذلك، وهم مرفوضون من الجميع لكونهم مقتنعين بكذبتهم، ولأنهم يكرهون هويتنا التاريخية السريانية الآرامية الأصيلة المتواصلة منذ آلاف السنين الى يومنا. أمّا السبب في أن البعث يسمح لهم بالتحرك في سوريا ويستخدمهم كالدمى في الإنتشار فواضح: أولاً كونهم لخوفهم أداة طيّعة في قبضة البعث، يعملون على تقسيم شعبنا و شرذمته و القضاء على هويته، والأنكى من ذلك، فإن الإدعاء بالآشورية يريح البعثيين إذ يُبعد عنهم شبح مطالبة السريان الآراميين بحقوقهم القومية في سوريا، على أساس أن الهوية الأشورية غريبة عن سوريا ويمكن لبعثيي سوريا استعمالها ضد البعث العراقي (الذي دفنه الأميركيون في حفرة صدام).

 

فبهذه التسمية الآشورية، يتخلّص السريان المراؤون من واجباتهم القومية نحو شعبهم السرياني وحقوقه القومية في سوريا، ويأمنون شرّ البعث العروبي السوري التذويبي المسرور باستغلال غبائهم، ويمنّنون ويخدعون بعض الجهّال من أبناء شعبنا بأنهم يناضلون قوميا ولكن باسم تاريخي آخر. نطمئن المنظمة الآشورية-البعثية-العربية-السورية ومن لف لفها أن المفكّرين من أبناء شعبنا لا تنطلي عليهم هذه الخدعة. فمن أراد تطويع شعبنا للبعثفاشية، أكان حزبيا مدنياً أو متلبّساً الكهنوت ومدنسّاً إياه، ليبحث عن مكان يخبئ فيه رأسه بأسرع وقت لأن نهاية البعثيين الجزّارين والدجّالين وزبانيتهم أصبحت موشكة.

عندما استلم بشار أسد دفّة الحكم خلفاً لأبيه، استبشر البعض خيراً و رأوا فيه بصيص نور و بارقة أمل توحي بتحسن جذري للأوضاع، و لكن سرعان ما تبخرت أحلام هؤلاء أمام حقيقة الممارسات و سياسة الحاكم الجديد العشوائية، و سارت الأحوال من سيء إلى أسوأ. أما الحلّ الوحيد، في رأينا، فيكمن في إجراء إصلاحات جذرية واسعة لبناء دولة علمانية عصرية ديمقراطية تحترم الإنسان و حقوقه و كرامته، و تحويل مسار السياسة البعثية العربية السورية الرعناء و البدء بالإنسحاب الكامل و إنهاء احتلال لبنان، و الكفّ عن دعم عصابات الإرهاب كحزب الله و حماس و الجهاد و القاعدة و زعزعة الأمن و الإستقرار في العراق و العودة لطاولة المفاوضات بصدق و جدية للتوصل إلى سلام شامل في المنطقة لأبعاد هذه الأزمة الاقليمية و العالمية. و إن ننسى فلا ننسى القبول بمبدأ التعددية الإثنية و الحزبية و تداول السلطة.

 

عندذاك، و فقط عندئذ، يمكن لمثل هذه العصبيات و التطلعات القومية أن تجد لها منابر و ساحات للتعبير عن ذاتها و لغة أخرى للإحتكام و المخاطبة غير لغة السيف و الدم... و عندها يتمكن شعبنا أيضاً من اختيار ممثليه الحقيقيين و تأسيس أحزاب تعبر عنه و عن تطلعاته بصدق و إخلاص - منظمات تضع نصب أعينها خدمة الشعب و مصلحته العليا، و من معدن أصيل مغاير تماماً لنوع المنظمة الآشورية الديمقراطية التي باتت بوق نفير للسلطة الحاكمة و ذراع مخابراتها الطولى و طابور خامس يعيث فساداً في جسم شعبنا السرياني الآرامي.

التنظيم الآرامي الديمقراطي

المكتب السياسي

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها