عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

الأب جيمس دوران…الماروني الأمريكي الذي وجد في التقاليد السريانيّة روحانية "نور"

أليتيا العربية | ديسمبر 12, 2016

روما/أليتيا    (aleteia.org/ar)          عتنشر أليتيا، منذ فترة، عدد من المقالات المكتوبة بأقلام الكاثوليك والمعبرة عن طقوس معيّنة تثير أكثر من سواها اهتمامهم الروحي وتوقظ فيهم العبادة الحقيقيّة. وإليكم ما كتبه الأب جيمس دوران عن ما يحبه في الروحانيّة المارونيّة.

الرهبة والجلالة والدهشة والتواضع أمام الرحمة الإلهية – مفاهيم لطالما عبّر عنها التقليد الكاثوليكي. وفي حين تشع جميعها من جمال الكلمة المتجسدة، ربنا يسوع المسيح، إلا أنّه يتمّ التعبير عنها بطرق مختلفة حسب التقاليد والطقوس والروحانية الخاصة بالكنيسة الكاثوليكيّة.

وقد يقع المرء في خطر الإفراط بالتبسيط والقول بأن أمجاد روما في دمّ حمل اللّه الغالي في الجلجلة هو الدم المستخدم في الأسرار من موقعه المجيد الأبدي عن يمين الآب وان الكنائس البيزنطية تقدم العبادة  لرئيس الكهنة الأبدي الذي يعمل سراً بين أعضائها.

دائماً ما تُعتبر الكنائس البيزنطيّة كنائس شرقيّة إلا أن هناك تقاليد أخرى تربط تاريخها بكرسي أنطاكيا القديم. في تلك الكنائس، يعبد المُعمّد ويندهش أمام الإله غير المرئي وهو في انتظار يوم الدينونة – يوم الرب.

لقد خدمت بصفة كاهن في الكنيسة اللاتينية فترة ٢٨ سنة لكن، وبمشيئة اللّه، وجدت نفسي أسافر، روحانياً، الى انطاكيا. أحب، مذ زرت دمشق في العام ٢٠٠٧، التقاليد الشرقيّة لكن لقائي بمطران ماروني في احدى كنائسها قادني لأصبح كاهناً مارونياً.

وجدت في التقاليد السريانيّة روحانية “نور” يتم التعبير عنها ليتورجياً من خلال رسائل تغييريّة مبطنة على ضوء “مصدر النور الذي لا يمكن حجبه”، ما شدني بسهولة الى الكنيسة المارونيّة.

كما وبدا لي وقتاً مناسباً لأعرب عن تضامني مع اخواني وأخواتي المضطهدين في مهد المسيحيّة القديم. ففي الواقع، تعرضت كنيسة دمشق ومقر المطران الذي دعاني الى خدمة الكنيسة المارونية للقصف أربع مرات في شهر نوفمبر.

واكتسب السريان الموارنة خصائص حركة رهبانيّة متقشفة أطلقها القديس مارون (في العام 410) وهي خصائص مشتقة عن التقاليد الآراميّة الشرقيّة كما الغربيّة كما وتأثرت بروما.   نمّت بلاد ما بين النهرَين، خلال حقبة المسيح، ثقافة آراميّة امتدت على قرون عديدة. فعندما دخلت كلمة اللّه الزمن، دخلت أوساط شعب تميّزه اللغة والعادات الآراميّة لا فقط كونه ابن مريم من الناصرة إنما أيضاً ابن رجل ولد من رحم ثقافة قديمة جداً ولغة وعادات. فترعرع الكلمة المتجسدة في واحدة من أقدم الحضارات التي لا تزال موجودة حتى يومنا هذا.

وتميّزت هذه التقاليد الكنسيّة قبل كلّ شيء بأنها كانت الأكثر “ساميّة” بين مختلف الكنائس.

تعتبر جميع التقاليد الكاثوليكيّة الكتاب المقدس مصدر كلّ عبادة إلا أنه يبدو ان الكنائس السريانيّة اعتمدت، تقليدياً المعبد القديم كنموذج معماري حيث تُحفظ النصوص المقدسة. وكان الإنجيل يُغطى ويوضع على ما يُعرف بالبيما وهي منصة مرتفعة تقع في وسط صحن الكنيسة كما وكانت الإفخارستيا تُغطى مستبدلةً التوراة في قدس الأقداس. إنها عادة بسيطة وجميلة تسلط الضوء على الموقع الأساسي الذي كانت توليه هذه التقاليد المسيحيّة الساميّة لكلمة اللّه. وفي حين انتقلت الكتابات الموثوقة في الكنائس اللاتينيّة واليونانيّة من خلال النسخة اللاتينية للانجيل (الفولجاتا) والترجمة السبعينية على التوالي، كانت الكنائس السريانيّة تملك العهد القديم “البيشيتا” المترجم مباشرةً عن النصوص العبريّة والآراميّة. وتأثرت الكنائس السريانيّة، عبر التاريخ، بالعهد القديم وإنجيل القديس يوحنا ورسائل القديس بولس.

على المستوى السامي، من غير الممكن وصف اللّه، “هذا الآخر الكامل” الذي يتسامى فوق كل المفاهيم البشريّة والكلمات. يكشف هذا الإله غير المرئي عن نفسه من خلال الكلمة المتجسدة  – وامتداداً، الكنيسة – لكن وبحكم الضرورة تعمل وسائل التواصل/ الطقوس هذه في الوقت نفسه كـ”حجاب”. وبقدر ما وُجدت بطريقةٍ خلاقة، من الواجب ارساء حدود لها. تخفق دوماً في التعبير عن ما تهدف أصلاً الى التعبير عنه وكشفه. فهي تكشف وتحجب، تزيل النقاب وتضعه في الوقت نفسه. فهي صحيحة وغير مناسبة في الوقت نفسه.

ومن وجهة النظر هذه، يُعتبر الشعر أفضل التعابير اللاهوتيّة المختارة في التقليد الآرامي. وبالتالي، يبقى الواجب وصفه سراً متسامياً تحتاج البشرية لوصفه الى مصطلحات تتمحور حول الجوهر الذي لا يمكن وصفه في التعارض والصورة عوض التعريف اللغوي البحت. ومن أبرز اللاهوتيين الآراميين القديس إفرام السرياني، معلم الكنيسة.

ومن الأمور الأخرى التي تشير الى التقليد السامي هي الطقوس الليتورجيّة الأساسية في الكنيسة المارونية ومنها الصلاة الإفخارستية التي تستدعي وجود روح اللّه المحوّلة وهي صلاة مشتركة بين جميع التقاليد الشرقيّة. يركع الكاهن، في القداس الماروني، على المذبح ويستدعي حلول الروح القدس لا لتحويل القربان المقدس  وإعطاء صفة الكمال للذبيحة الإلهيّة وحسب بل تُستدعى القوة السماوية أيضاً للحلول على كلّ المعمدين الموجودين كما فعلت مع العذراء في الناصرة فيكون كذلك المسيح موجوداً بينهم.

أما الميزة الأخيرة التي سأذكرها فهي الميزة المريميّة في الصلوات المارونيّة. إن لقب مريم الأساسي هو وبكلّ بساطة “أم الأنوار” فتُعتبر العذراء الأزليّة تحقيقاً لكلّ الوعود المقطوعة على اسرائيل. فهي تستوفي وعود العهد القديم وتُعتبر تجسيداً لابنة صهيون. فهي موجودة في كلّ مكان ويتم الإبتهال إليها بصورة مستمرة وبحسب صور مختلفة.

وفي حين أن المسيح هو الجلاء الأمثل للّه والإنسان، تُعتبر العذراء القديسة التعبير الأمثل للخلق كلّه. فهي الإجابة الأمثل في الخلق وفي الوفاء للّه فنجد فيها المثال والشفيعة والأم.

https://ar.aleteia.org/2016/12/12/

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها