عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

بقلم: نينوس صوما اسعد
سويد ستوكهولم
    


لدوافع النفسية الدفينة، في الدفاع عن الهوية الآشورية الحديثة

الجزء الثالث والأخير

2. الوضع النفسي:

اولا- إن كل حامل للفكر القومي الاشوري يعتد بنفسه كثيرا، ويحاول ان يُظهر نفسه للمجتمع السرياني على أنه رائد من رواد القومية الاشورية، أو مفكر ومنظر العصر للفكر الاشوري، او محلل سياسي لا مثيل له، أو مثقف كبير، فيستصغر الأخرين نتيجة وضعه النفسي المتأزم والنقص الحاد الذي يعانيه في تركيب شخصيته وجنون العظمة التي تلازمه احياناً، فيحاول ان يوهم مريديه بأنه الأمل والمستقبل في تحقيق إعادة الإمبراطورية الاشورية القديمة التي يحلمون بها.

ثانيا- إعتقاده بأن إنتمائه للفكر الاشوري وعمله الطوعي ضمن حركاته، يخدم القومية واللغة والسياسة والثقافة والتاريخ والمستقبل.
ومن شدة غلوه في هذه الأفكار الفاشلة إزدادت أزمته النفسية وأصبح مشلولا فكريا، ولم يعد قادرا على التمييز بين ما هو حقيقي أو مزيف، وبين ما هو خطأ أو صح. ﻷنه لم يعد يشعر بدوره التخريبي الهدام في صفوف المجتمعات السريانية، بل لم يعد قادرا على كبح جماح مشاعره العدوانية ومقدار كراهيته وبغضه تجاه عائلته السريانية التي انشق عنها.

ثالثا- إعتقاده بأن وحدة الامة الاشورية ستتحقق على يديه، وأيدي اصدقائه المغرر بهم أيضا.
هذه الوحدة المنشودة والبعيدة المنال التي يحلمون بتحقيقها بمجرد ترديدهم لبعض المقولات الفاشلة، وبعض الشعارات البراقة الفارغة، مع القليل من الحماس القومي، هي وحدة بعيدة عن الواقع، وغريبة عن تاريخنا الحقيقي. كما أن المشكلة وحسب معطيات العلاقات اليومية الواقعية، فإن الأحلام السابقة ربما لا يقتنع بها هذا المدافع العنيد، لكنه متمسك بها، فقط ليعوض عقدة النقص والدونية التي تلاحقه بإستمرار.

رابعا- إصراره وعناده على التمسك بفكره وجهله المطبق بالتاريخ، وإرهاصاته الفكرية التي تندرج تحت مسمى التزوير، وإستنادا لما سبق، يثبت بالدليل القاطع للقاصي والداني على مدى عمق أزماته النفسية، وروحه العدوانية، وعلى مدى دوره التخريبي الفاعل بقوة في المجتمع السرياني.
بل أن إصراره بأن الحق بجانبه يجعله يتوغل في إرتكاب حماقاته وأخطائه القاتلة بحق شعبه ومجتمعه بعقلية خشبية وبعنجهية وتعالي وعدوانية لا توصف، وبإظهار عضلات وبطولات كرتونية من قبل صبيانه.

3. الشعور بتخليد الاسم:

بسبب جهل المنتمي للأحزاب الاشورية بتاريخنا الصحيح وبتاريخ الشخصيات السريانية الفاعلة والمؤثرة في مسيرة التاريخ السرياني والتي أعطت الكثير للأمم وساهمت في بناء الحضارة الإنسانية، فيعتقد بأن الشيء الصغير الذي قدمه أو يقدمه لحزبه سوف يسطره المستقبل بالخطوط العريضة، وسيكون سببا في تخليد إسمه على صفحات التاريخ الاشوري الحديث، لأنه عظيم وكبير في عيني نفسه. لهذا يشعر دوما هذا الجاهل المتوهم بأن التاريخ سيتكلم عنه كبطل قومي على طراز الصحافي والأديب نعوم فائق او غيره من رواد الفكر القومي.
مشكلة عظيمة هي من لا يعرف مقدار نفسه وحدوده وإمكانياته الفكرية، ومصيبة أكبر هي من لا يستطيع التمييز بين ما هو عظيم وكبير، وبين ما هو قزم وصغير.
نعم إنها مشكلة حقيقية منبثقة من إنفصام هذا الجاهل بشخصيته، ومن إنزواية وإنطوائية على ذاته، ومن عزلته عن مجتمعه، فيخيل له بأنه المحور في مجتمعه وأنه الرجل المهم فيه وأن الكل بحاجة لأفكاره ولأعماله .
إن المشكلة الحقيقية لديه والتي لا يعلم بوجودها ولا يشعر بها هي :
1. كيفية تقييم المجتمع إليه.
2. بأي عين ينظر له المجتمع.
3. إنتماؤه المبغوض .
4. أفعاله المستهجنة
5. سياساته وأساليبه المرفوضة.

لهذا أعتقد بأن التاريخ سيذكر هؤلاء وبكل تأكيد، لكن بصفة سلبية، كمزورين للتاريخ السرياني، وكمقسمين لجسد الامة السريانية الارامية، وكمدمرين لعقلية المجتمع السرياني.
نعم سيذكرهم التاريخ كظاهرة سلبية وطارئة على مجتمعاتنا ، لزرعهم بذور الفرقة والخلافات بين أفراد الأسرة الواحدة، ولزرعهم الفتنة البغيضة والتفرقة في قلوب أبناء الأمة السريانية الارامية، وإقامة الخلافات بين الكنائس، ولإستعمالهم الفساد الاجتماعي من شراء ذمم بأموال قذرة، وجنس لإيقاع الشباب في حبالهم.

نتائج وكوارث على المجتمع السرياني

إن المجتمع السرياني وقع في إشكالية حقيقية خلقها المنتمي للفكر الاشوري المتطرف دون معرفة أو دراية، كانت نتائجها كارثية على مجتمعنا.
1. ساهم بشكل مباشر بتشويه صورة تاريخنا السرياني الآرامي الناصع، وقام بتزييفه وكذب كل الحقائق التاريخية، وقلب كل أحداثه لمصلحة فكره الإستئصالي.
2. إرباك مستقبل أولاد أمتنا، حيث فرش الطريق شوكا أمام الأجيال القادمة ليقعوا في شباك الضياع القومي. فالكثير من شبابنا الغض اصبح رافضا لكل ما هو عمل قومي او لغوي او تاريخي، ومتهربا من الواقع المأساوي لإصابته بحالة من القرف والإحباط النفسي من المشكلة، وبات يتنصل من هويته.

3. خلق إشكالية لدى صغارنا وذلك بتدمير مستقبل الكثير منهم، بسبب الإحباط فقاموا بردات فعل شاذة عن مجتمعنا فانحرف الكثير منهم في طرق الضلال والضياع بعد اكتشافهم بأن أحلامهم الطفولية في إحياء الامبراطورية وإعادتها الى الوجود قد إنكسرت على أرض الواقع وأن لا سبيل لتحقيق هكذا أحلام.

وحسب دورة الحياة وعرف التاريخ وقوانينه وتقاليده فيعتبر مما سبق جرائم حقيقة وكوارث على مسيرة المجتمع سيحاسب مرتكبيها أجيالنا مستقبلا ويحاكمهم علانية .

أما الجريمة الحقيقية التي خلقها الفكر الاشوري والتي يعاني منها السريان اليوم هي جر أجيالنا منذ خمسين عاما ولغاية اليوم للدفاع عن بديهيات ومعلومات معروفة للجميع، كأن تدافع عن أن الحليب لونه أبيض، ولإرباكها كي تخرج عن مسارها الطبيعي وألا تتطور، ولكي يلهوهم عن المنافسة على قيادة المجتمعات السريانية.
وأقصد هنا:
1. جر أجيال السريان السابقة والحاضرة للدفاع عن هويتهم لإخلاء الساحة للحركات الاشورية في نشر فكرها واللعب فيها كيفما تشاء.
2. إشغال السريان عن بناء مؤسسات حضارية، سياسية، إجتماعية، إقتصادية، وإزاحتهم عن طريق إنشاء أسس متينة للأمة السريانية المنشودة كي لا تنافس مؤسساتهم الاشورية.
4. إستنزاف قوى السريان في الدفاع عن الذات لعدم مد جسور الوحدة القومية بين فرقهم، ولعدم فتح باب حوارات حقيقية بين كنائس السريان مبنية على القواسم المشتركة التي بينها للسعي الى تحقيق برامج عمل جدية لإزالة الخلفات والشوائب التي تعكر صفو الطريق الى الوحدة.
4. ليبقوا على الأرض الأقوى تنظيميا للتحكم في مقدرات الشعب السرياني وكنائسه، ولئلا تسحب منهم أسباب إستمرارهم الغير مبرر .
5. لبقاء الاجيال أسرى لفكرة بأن الاشوريون هم المثقفون الوحيدون على الساحة السريانية فبذلك يتم إستقطاب الشباب السرياني المثقف لينخرطوا في حركاتهم السياسية، وهنا أقول بأنهم نجحوا بعض الشئ ولفترة وجيزة في تسويق هذه الفكرة، ولكن منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي تقلصت كثيرا بسبب إنطلاق شباب السريان الى الدراسات الجامعية والإختصاصات المختلفة، فدرسوا وأجتهدوا وتخرجوا وأخذوا مراكز ووظائف عالية في مجتمعاتهم. والأهم هو بروز مجموعة من شبابنا ممن درسوا تاريخ وحضارة ولغة السريان بمنهجية علمية عالية المستوى، واستطاعوا بدراساتهم إيقاف زحف الفكر الأشوري لأنهم عرّوا منظريه ومثقفيه وكشفوا ضحالة فكر وثقافة حامليه، وقد مسكوا بدفة قيادة الأمة السريانية الارامية وقادوا شراع الفكر القومي السرياني بكل نجاح وأعادوه الى مكانه الطبيعي الصحيح، وحازوا على ثقة الشعب السرياني بفضل علمهم وصدقهم وتصحيحهم للأخطاء والمفاهيم التي ارتكبها مفكروا الاشورية بحق شعبنا وأمتنا وكنائسنا ومستقبلنا.

وهنا يطرح سؤال مهم :
هل أتباع الفكر الاشوري بحاجة الى مراجعة أنفسهم ليتخلصوا من عقدهم النفسية المتراكمة، ومن إحساسهم بالذنب الملازم لهم، ليعودوا الى الحقيقة والى بيتهم السرياني الذي خرجوا منه.
أعتقد انهم اليوم بحاجة ماسة أكثر من امس الى مراجعة الذات ليحتووا ازماتهم النفسية المتعددة، وليسيروا في الطريق القويم ويعودوا الى رشدهم .
نعم هم بحاجة الى مراجعات فكرية صحيحة، ليعودا الى العائلة السريانية التي انشقوا عنها:
- لأن الشعب السرياني قد رفض فكرهم ورفض تغيير هويته، وهذا سبب مهم جدا لمراجعة حساباتهم.
- لأن الفكرة الاشورية قد سقطت ولم تسطع أن تقنع السريان بشكل عام.
- لأن إنقضاء فترة خمسين سنة لديهم على الفشل الحزبي والسياسي المتواصل كافية للتفكير الجدي بتصحيح الأخطاء المتراكمة واﻹعتذار من السريان على ما اقترفته أعمالهم بحقهم من تقسيم وفرقة وبلبلة ومشاكل لا تحصى.

هل من ضمير حي ليقول الحقيقة ؟

وجوابا على هذا السؤال أعرض لكم في نهاية مقالي هذا تجربة حقيقية لصديق رفض أن أكشف عن شخصيته، علكم تتعظون.

أعترف لي أحد الأصدقاء السريان بمعاناته عندما كان من أتباع الفكر الاشوري والمغرر بهم، بقوله بصراحة:
كنت كل يوم عندما أخلد للنوم كانت تلاحقني بإستمرار أسئلة محيرة، ومثل كابوس ثقيل كانت تلازمني وهي:
هل أنا فعلا اشوري ؟
هل فعلا أنا حفيد الاشوريين القدماء العظماء الذين شكلوا إمبراطورية ضخمة وأخضعوا شعوب المنطقة كلها لسيطرتهم وسلطانهم ؟
هل أنا فعلا حفيد اشوربانيبال وحمورابي ونبوخدنصر كما يقولون؟.
هل أنا من بقايا شعوب سومر وأكاد ونينوى وبابل ؟
هل فعلا أنا وريث شعوب بيث نهرين ؟
وبعد جهود سنين من جلد الذات وبمطالعة الكتابات التاريخية وطرح الأسئلة على المختصين، والبحث المتواصل عن الحقيقة، ومتابعة الأبحاث التاريخية الحديثة، علمت بأن مفكري الاشورية كانوا قد أقنعونا بشوربة تاريخية غير واضحة المعالم، وذات وقائع تاريخية مشوهة، ولها طابع سياسي وليس تاريخي صحيح، وهذه الشوربة تحوي كل شيء ما عدا الصدق والتاريخ الصحيح.

فبعد جهود مضنية علمت وتعلمت بأن حمورابي ليس أشوري بل آموري، ونبوخدنصر ليس آشوري بل كلداني، وأن السومريين قوم أقدم من الاشوريين بكثير وليسوا ساميين، ولا علاقة لنا بهم، وانهم سكنوا جنوب العراق وليس شماله.
تعلمت بأن الاشوريين لم يتكلموا السريانية، انما الآكادية. وتعلمت بأنه عندما قضي عليهم ذابت بقاياهم بالشعب الارامي الذي كان قد فرض لغته عليهم في المئة السنة الاخيرة من حياة الدولة الآشورية، بسبب سهولة لغتهم ووفرة عددهم الذي كان طاغيا حتى في قلب اشور.
وتعلمت أن بيث نهرين هي مملكة آرامية وكان إسمها آرام نهرين وموقعها في الجزيرة السورية إمتدادا الى الداخل التركي، وليس كما يقولون ويدعون دون معرفة بأن موقعها في العراق .

علمت بأن مار أفرام كان آراميا ولم يكن اشوريا، وأنه تحدث بمنتهى القسوة ضد الاشوريين القدماء.
وتعلمت أيضا بأن نرساي والسروجي والرهاوي وبار بهلول وأبن العبري والصليبي وميخائيل الكبير، وبقية قافلة اﻵباء العظام جميعهم كانوا آراميين وكتبوا بالآرامية وافتخروا بآراميتهم، بل ان منهم من كتب وأكّد بآرامية الكنيسة ايضاً. فتأكدت من آرامية العائلة السريانية الكبيرة والمتمثلة اليوم بالكنائس التالية:
- الكنيسة المارونية.
- كنائس الروم الارثوذكس والكاثوليك والبروتستانت الملكيين.
- الكنائس السريانية والكلدانية والاشورية وجميع مذاهبها من كاثوليكي وبروتستاني وارثوذوكسي.
بل تعلمت بأن هناك مجموعات غير مسيحية تقول عن نفسها لغة وهوية بأنها آرامية مثل طائفة الصابئة، وبعض المسلمين سكان بخعة وجبعدين، ومعلولا المسيحية .
وتعلمت بأن أغلب المدن والقرى القديمة في المشرق الحبيب أسماؤها آرامية .

وبعد سنوات ضياع استطعت ان أجيب عن اﻷسئلة السابقة، فقلت وبفخر وإعتزاز:
نعم أنا سرياني آرامي ولغتي سريانية آرامية وكنيستي سريانية آرامية، كما أكدها جميع الكتاب والمؤرخين في التاريخ والمعاصرين، فعدت إلى عائلتي السريانية الارامية التي انتمي اليها، لأعيش وأموت سريانيا آراميا في كنفها، ولا يهمني ما سيقوله عني أصحاب الفكر الاشوري، من كلمات كنا قد حفظناها على ظهر قلب لنستعملها كسلاح ضد من يقف في وجه الحركة الاشورية السياسية، مثل خائن وعميل ومقسم للامة ومخرب، أو تشويه سمعته بإطلاق دعاية سيئة لا أخلاقية عنه، او إلصاق تهمة سياسية أو حزبية ما به تنافي مبادئه.

نعم لن أهرب من المواجهة لأنني أضعت سنوات طويلة من عمري في العيش بأوهام قاتلة وبحالة نفسية مآساوية وأحلام طفولية مريضة.
فكيف لي أن أهرب من المواجهة .

ملاحظة :
إن الغاية من عملية تكرار بعض الكلمات والجمل، هي للتركيز على الفكرة .
انتهى المقال.
ولكم الشكر
نينوس اسعد

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها