الموسيقا السريانية الكنسية
(الجزء الثامن والثلاثون)
مؤتمر
الموسيقا العربية الأول
ومؤتمر موسيقا سريانية
نكمل ما بدأناه في الجزء السابق
لنعرِّج على "مؤتمر الموسيقا العربية الأول"
في القاهرة الذي عقد عام 1932 ونشرح عنه
قليلاً كما وعدنا. وسنشرح ايضاً عن "مؤتمر
الموسيقا السريانية الأول" الذي عقد في لبنان
عام 1994، مع دعوتنا الملحة لعقد مؤتمرات
جديدة عن الموسيقا السريانية، لجمعها ودراستها
والحفاظ عليها كخطوة صحيحة في العودة الى
الجذور الموسيقية السريانية ووضع منهجية واسس
لتطويرها وكيفية الاستفادة في استعمالاتها
مستقبلاً.
مؤتمر
الموسيقا العربية الأول:
عقد مؤتمر الموسيقا العربية الأول لدراسة
الموسيقا العربية في معهد الموسيقا العربية
بمدينة القاهرة عام 1932، وبرعاية ملك مصر.
واما المشاركون فيه، فكان بينهم شخصيات
موسيقية عالمية
مهمة، منهم
عازفين محترفين ومؤلفين
موسيقيين ونقاد وباحثين ومؤرخين مثل: الهنغاري
بيلا بارتوك، الالماني باول هيندميث، الفرنسي
هنري رابود،
النمساوي
إريك فون هورنبوستل، كورت
ساكس الالماني،
رودولف دي إرلانجر الفرنسي، روبرت لاخمان
الالماني، والمستشرق والموسيقي الباحث هنري
جورج فارمر البريطاني، والمستشرق ألكسيس شوتين
الفرنسي. وشخصيات موسيقية شرق اوسطية مشهورة
مثل
محمد فتحي وعلي الدرويش وكامل الخلاعي ومحمود
حفني وتوفيق الصباغ ومحمد غنيم ومحمد بن حسن
ومحمد شريف
من الدول العربية،
ومسعود جميل ورؤوف يكتا باي من تركيا. وذكر
البعض بأن
محمد عبد الوهاب من مصر، وسامي الشوا من
سوريا، ومحمد القبانجي من العراق، كانوا ايضاً
من المشاركين. كما شاركت في هذا المؤتمر فرق
موسيقية عربية متخصصة بالموسيقا التراثية من
سوريا والعراق ولبنان ومصر والمغرب وتونس.
واشترك ايضاً فيه البعض من
الشعراء العرب.
ويقول المستشرق جورج هنري فارمر في كتابه
(مصادر الموسيقى العربية) الذي ألفه عام 1940
والذي ترجم الى العربية عام 1957: "عقدت
الحكومة المصرية عام 1932 مؤتمراً للموسيقى
العربية بالقاهرة، ودعت الاقطار الاوربية الى
ارسال مندوبين عنها. وكنتُ الممثل الوحيد
لبريطانيا، وتشرفتُ بتعييني رئيساً للجنة
تاريخ الموسيقى والمخطوطات".
كانت
هناك بعض الإشكاليات في مناقشات المؤتمر بسبب
المقامات المستحدثة وقتها، وبسبب كومات ثلاثة
ارباع البعد الصوتي (ربع الصوت) المختلفة بين
موسيقا مشرق ومغرب العالم العربي، وتم دراستها
والاتفاق حولها. وكانت إحدى اهم القضايا التي
اتفق المشاركون عليها هي استعمال مصطلح
"الموسيقا العربية" بدلاً من مصطلح "الموسيقا
الشرقية" السائد آنذاك للإنفصال عن الموسيقا
التركية.
قام المشاركون في المؤتمر بجمع
الموسيقا
العربية القديمة المتوفرة آنذاك، ووثقوها
بتسجيل 360 اسطوانة لأجل الارشفة وإنقاذ
التراث الموسيقي العربي من الاندثار.
وتم تحديث
تلك التسجيلات وإعادة إصدارها في 10 شرائط من
دار الأوبرا المصرية، واليوم موجودة على شكل
مجموعة من ال
CD.
وكان لهذا المؤتمر مجموعة نتائج وتدابير
وتوصيات وقرارات واهداف مهمة ومنها:
جمع المزيد من النماذج الأصلية التراثية
للموسيقا العربية للحفاظ عليها للأجيال
القادمة. رفع مستوى الوعي للتقاليد الموسيقية
الخاصة والحية. تمهيد الطريق لنوع جديد من
الموسيقا العربية مُتجذرة في التقاليد
المحلية. إدخال الموسيقا كمادة مدرسية في
منهاج المدارس كمادة إلزامية، وتطوير الخطط
التعليمية لها. محاولة تطوير قوالب الموسيقا
العربية. التوجه الحداثي لاستخدام
الموسيقيون والملحنون العرب الآلات الموسيقية
الغربية مع الوسائل والتقنيات الجديدة لمضاعفة
الإمكانيات الموسيقية المتاحة لهم. استعمال
الهارموني والبوليفوني في محاولة التجديد،
وتوسيع الأوركسترا الموسيقية.
وصدرت عنه مجموعة من المقالات والنشرات وبعدها
كتب متعددة تناولت احداث هذا المؤتمر.
سريانية
اسماء المقامات
هل صحيح أن قسم من اسماء المقامات الشرقية هي
سريانية وان هذا المؤتمر تجاهل امر تسميتها
السريانية كما ادعى الاب
"دريد يشوع
بربر" المتخصص في الموسيقا الكنسية من لبنان،
كما صرح في إحدى مقابلاته حول موسيقانا
السريانية الكنسية؟ أقتبس من قوله: "إن تسميات
المقامات الشرقية أصولها سريانية، وقد تم
عمداً تجاهل هذا الأمر في مؤتمر الموسيقا
العربية الأول في القاهرة، وأعتبروها عربية أو
عربوها". انتهى الاقتباس.
إن معظم الكتب والنشرات والمقالات الموسيقية
والابحاث والتوصيات التي صدرت عن هذا المؤتمر،
ومع ما كتب عنه وما زال يكتب لغاية اليوم، لم
تكتب مطلقاً بأن المؤتمر تطرق خلال دورة
إنعقاده لموضوع أصل تسمية المقامات الشرقية
بأنها سريانية، وحتى المؤتمرات اللاحقة التي
عقدت بعده والتي كانت عبارة عن مهرجانات
إحتفالية، لم تناقش موضوع تسمية سريانية
المقامات.
ربما كان على المؤتمرين أن يعتمدوا على
الموسيقا السريانية الكنسية بكافة فروعها كركن
من اركان الموسيقا الشرقية في مناقشاتهم
وطروحاتهم الموسيقية للإستفادة من قوالبها
وطرق غنائها بسبب قدم هذه الموسيقا، لكنهم لم
يفعلوا بالرغم من أن المستشرق هنري جورج فارمر
له مقالة مستقلة حول الموسيقا السريانية. واما
الكتب الموسيقية التي صدرت في الخمسين او
الستين سنة الأخيرة لمؤلفين عرب جاءت صدى
لنتائج مؤتمر الموسيقا العربية الاول، فقد
تناولت تاريخ الموسيقا الشرقية بإطارها العام
من المغرب الى المشرق العربي، مع بعض التفاصيل
الموسيقية التاريخية المهمة، وتطرقوا فيها
بذكر موسيقات أغلب الكنائس الشرقية مثل
البيزنطية والغريغورية والقبطية والارمنية،
ولكنهم لم يكتبوا شيئا عن الموسيقا السريانية
بسبب عدم معرفتهم بالموسيقا السريانية وبسبب
شحة مصادرها او لأسباب اخرى لا نعلمها.
مؤتمر الموسيقا السريانية الاول
كانت بدايات التسعينيات من القرن الماضي
مليئة بالمؤتمرات الثقافية السريانية منها
لغوية ومنها كنسية ليتورجية ومنها قومية وهوية
شعب. لكن المؤتمر الذي عقده مركز الدراسات
السريانية في لبنان سنة 1994 كان مميزاً لكونه
عن موضوع الموسيقا السريانية تاريخياً وحاضراً
وهذا موضوع شائك وشاق لشحة الدراسات حوله
ولشحة مصادره العلمية.
ونقتبس المعلومات التالية حول هذا المؤتمر من
مجلة آرام العدد 7 الصادر في ستوكهولم سنة
1994 الصفحة 118 ما يلي:
"تناول
مؤتمر إحياء التراث السرياني الثاني ستة
مواضيع فكرية سريانية كان أهمها موضوع البحث
في الموسيقى السريانية الذي كان بعنوان
"الألحان السريانية حضارة حية"
وشارك فيه الدكتور وليد غلمية، والاساتذة
الموسيقيين: زكي ناصيف، وتوفيق كرباج، والآباء
الموسيقيين: يوسف واكد، وايلي كسرواني، وفيليب
هيلايي، وجوزيف عبسي، والسيدة نجوى قصاب حسن.
وكان الاستاذ زكي ناصيف قد عالج بحثأ بعنوان
(الألحان السريانية التراثية إيحاء ومجالات
إبداع). كما حاضر الاستاذ توفيق كرباج عن
(علاقة التقني الموسيقي والكلامي في الالحان
السريانية)، وكذلك الموسيقار الاب ايلي
كسرواني الذي نوط الحان البيث كاز السرياني
قدم دراسة عن (اللحن السرياني بين الاصالة
والتجديد)".
ملاحظات:
1- الآب الموسيقار د. جوزيف عبسي المذكور
أعلاه، أصبح قبل شهور قليلة بطريركاً على
كنيسة الروم الكاثوليك باسم اغناطيوس جوزيف
عبسي. نهنئه على منصبه هذا ونتمنى له التوفيق
في ادارة شؤون الكنسية والرعية، كما نتمنى
عليه ان يستمر في ابحاثه عن الموسيقا
البيزنطية والسريانية وألا يسرقه هذا المنصب
من الموسيقا التي هي بحاجة اليه.
2- الاب د. ايلي كسرواني، هو الآن بروفيسور
في الموسيقا السريانية الكنسية
جامعة سيدة اللويزة في لبنان وهو منظم مؤتمرات
ومؤسس العلوم الموسيقية، وكان قد نوّط ألحان
البيث كازو معتمداً على تسجيلات بصوت البطريرك
يعقوب الثالث، وله ابحاث حولها.
3- الدكتوره
نجوى قصاب حسن، كانت وزيرة الثقافة في سوريا
وهي روائية وباحثة، لها مجموعة من الدراسات
المختلفة منها نقدية ومنها ادبية وموسيقية،
ولها مجموعة كبيرة من الروايات التي الفتها
مثل "امرأة من
خزف" و "اعترافات امرأة صغيرة" صدرتا 1980 ،
"المحطة" 1987.
وغيرها.
4- المايسترو والمؤلف الموسيقي الأب يوسف واكد
وهوخريج معهد "سانتا سيشيليا" في روما للموسيقا
المقدّسة، كان قد تسلم إدارة المعهد الموسيقي
الأنطوني في بعبدا.
5- قسم من الموسيقيين المذكورين أعلاه مع
غيرهم قد خسرناهم وخسرتهم الموسيقا وفارقوا
هذه الحياة مثل الاب فيليب هيلايي والاستاذ
زكي ناصيف، والدكتور وليد غلمية الذي كان رئيس
المعهد الوطني العالي للموسيقا في لبنان لغاية
وفاته سنة 2011. ومنهم من توقفت اخبار
نشاطاتهم الموسيقية بسبب ظروف المشرق العصيبة.
مؤتمر
موسيقي سرياني
اننا بحاجة لإنعقاد مؤتمر موسيقي سرياني عالمي
يضم علماء الموسيقا السريانية من سريان
ومستشرقين، ليقوم بعملية
تجميع موسيقانا وحفظها بطرق علمية، ودراستها
وتحليلها، وتنسيقها واستخراج صفاتها ومزاياها
وخباياها. واقرار
التدابير والتوصيات والقرارات لتكون البوصلة
التي ترسم مستقبل موسيقانا.
ونأمل من هذا
المؤتمر الذي نتمنى عقده ان يعمل على:
- تجميع كل
النماذج الأصلية لتراثنا السرياني الموسيقي
للمحافظة عليه للأجيال القادمة.
- دراسة الموسيقات الكنسية لجميع الطوائف
السريانية، ووضع جدول للقواسم المشتركة بينها
للعمل على تجميعها ودراستها وتبيان جذورها؟
- وضع اسس للقيام
بدراسات موسيقية جدية في إستخراج
وتوضيح قوالب الموسيقا الكنسية لمحاولة
تطويرها والاستفادة منها ومزاولتها واستعمالها
في الموسيقا المدنية، لنحصل على موسيقا
سريانية خالصة لها شكلها ومضامينها وقوالبها
وخصائصها وطرق انشادها نعتز ونفاخر بها.
- دراسة المصطلحات
الموسيقية السريانية والاتفاق على وضع اسس في
كيفية استعمالاتها كنسياً ثم مدنياً.
فهل بالإمكان العودة الى الجذور الموسيقية
السريانية الخالصة لنجعل من الموسيقا
السريانية الكنسية ينابيع اصيلة يستقي منها
الموسيقيون السريان في اعمالهم وتآليفهم
الموسيقية؟
وهل بامكان السريان أن يتخلصوا من شوائب
الموسيقات الغريبة التي دخلت على موسيقانا،
ويستعملوا مستقبلاً جذور وقوالب الموسيقا
السريانية في ترجمة افكارهم الى اعمال
وإنتاجات موسيقية سريانية خالصة؟
هذه مع غيرها هي بعض الامنيات والتطلعات
المستقبلية. وعادة تبدأ كل المشاريع الكبيرة
بفكرة صغيرة فقط، ثم العمل على تطويرها
وتحقيقها. والفكرة الصغيرة هنا هي ضرورة إقامة
مؤتمر للموسيقا السريانية الكنسية بفروعها
كافة، لدراسة النقاط المذكورة اعلاه مع غيرها،
والعمل على تحقيقها.
دعوة
لعقد مؤتمر موسيقي سرياني
لذلك نتوجه من هذا المنبر الصغير ونطلق صرخة
صادقة، ونشجع
كافة المؤسسات المدنية والكنسية والجامعات
للعمل على عقد مؤتمرات خاصة بالموسيقا
السريانية الكنسية بشكل دوري لدراستها دراسة
علمية جدية، وتنقيتها مما هو غريب عنها وعن
تراثنا وعن سريانيتنا، وتدوينها وتنظيمها
وحفظها وتسجيلها بأساليب عصرية منعاً من
الانقراض، والقيام بتحديد مصطلحاتها واستخراج
قوالبها وطرقها واساليبها الانشادية. وذلك
اسوة بالمؤتمرات الموسيقية الأخرى التي ساهمت
في حلّ معظم المشاكل الموسيقية لدى الكثير من
الشعوب، فحفظت تراثهم الموسيقي من الضياع
والزوال.
الجزء
التاسع والثلاثين |