عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

بقلم: نينوس صوما اسعد
سويد ستوكهولم


الموسيقا السريانية الكنسية (الجزء السابع عشر)

الـتأثير البيزنطي على الأناشيد السريانية(1)

التأثير اليوناني/البيزنطي

لن أفتح باب التأثير اليوناني على مصراعيه في أدبيات الكنيسة السريانية، فهو كبير للغاية وواضح المعالم خاصة لغوياً من خلال الكلمات اليونانية الكثيرة المتواجدة في نصوص الطقوس السريانية الكنسية، وأدبياً من خلال النصوص الكنسية المترجمة من اليونانية إلى السريانية، وموسيقياً من خلال أسماء بعض مجموعات أنواع الألحان الكنسية واسلوب آدائها، فهذا التأثير هو دليل قاطع على وحدة الكنيسة المسيحية الأم الأولى.

فكما أن كلمة ܛܶܟܣܐ "طقس" هي يونانية ومعناها الترتيب والتنظيم، ونستعملها بمعنى شعائر الديانة واحتفالاتها الروحية، هناك الكثير من الكلمات اليونانية في نصوص طقوس الكنسية السريانية ومنها:

إكليروس: المقصود بها أصحاب الرتب الكهنوتية، إنجيل: ومعناها البشارة السارة ليتورجيا: تعني خدمة الإفخارستيا المقدسة. انافورة: تعني القداس الإلهي أو تقديم الأسرار. افخارستيا: معناها الشكر.  بطريرك: معناها رئيس الآباء أو أب الآباء.

مطران: معناها مسؤول المدينة الكبيرة. أسقف: معناها الرقيب. خوري وهي إختصار خورإفسقوفوس: معناها أسقف القرى. إكليريكي: معناها وظيفة رجل دين.

وسأكتفي بهذا المقدار من الكلمات لأترك موضوع كتابتي ضمن إطار التأثير الموسيقي اليوناني/البيزنطي، وفقط على جزء صغير من ألحاننا السريانية وخاصة في بعض أنواع الأناشيد الكنسية، والذي هو موضوع بحثنا هذا.

 والتأثير هو يوناني وبيزنطي معاً، لأن اليوناني أثّر لغوياً وأدبياً في أدبيات كنيستنا وفي بعض أنواع الأناشيد السريانية التي لا زالت أسماؤها يونانية، والبيزنطي أثّر على جزء صغير من أناشيدنا السريانية الكنسية موسيقياً كطريقة موسيقية خاصة في آداء الألحان الكنسية والتي تسمى الطريقة البيزنطية في الإنشاد الديني.

 الأناشيد الكنسية ومؤلفيها

إن الأناشيد الكنسية السريانية هي أنواع من التراتيل والصلوات تتميّزعن بعضها بسبب قالبها الشعري وبأسباب وضعها ( تأليفها ). وتتناول نصوصها مجموعة أحداث الكتاب المقدس وصلوات عامة وصلوات للتوبة والشكر وطلبات وتضرعات وأدعية واستغفارات واسترحامات وغيرها. إن عدد أنواع هذه الأناشيد يبلغ 37 نوعاً، وأن أسماء معظمها سريانية وقليل منها يونانية، وهي موزعة بشكل دقيق حسب مواضيع نصوصها ومناسباتها على "كاليندار" السنة الكنسية، وتنشد وفق ما قرره لها من ألحان "نظام الألحان الثمانية" المعروف لدى السريان بالأسم اليوناني "إكاديس".

أما مؤلفيها فمعظمهم من السريان مثل مار افرام السرياني (373م)، ومار رابولا الرهاوي القنشريني المولد (435م)، ومار بالاي حوالي (445م)، مار اسحق الرهاوي المعروف بالأنطاكي (491م)، ومار يعقوب السروجي (521م)، والشعراء الموسيقيين المعروفين باسم "القواقين، الفخارين" وأهمهم الشماس مار شمعون قوقويو (563م)، وغيرهم كثيراً.

أما قسم الألحان والأشعار المترجمة من اليونانية فبعض من مؤلفيها سريان لكن كتبوها باليونانية، امثال أندراوس الكريتي (720م)، ويوحنا الدمشقي (749م) والراهب قوزما البار الشقيق المتبني ليوحنا الدمشقي (القرن الثامن)، وصفرونيوس الدمشقي (639م).

وبعض الألحان الأخرى فإن مؤلفيها هم يونان مثل: مار غريغوريوس اللاهوتي (389 أو 390م)، ومار قورلس الأورشليمي (386م)، ومار سويريوس الأنطاكي الملقب بالسرياني (538م)، وغيرهم.

 1-  الأناشيد السريانية:

إن معظم الأناشيد السريانية هي ملحّنة على الطريقة السريانية الكنسية من ناحية تركيب سلالمها الموسيقية، أي مبنية من أنصاف السلالم أكثر أو أقل بقليل، وعلى أسلوب التعبير السرياني في تكوينها اللحني وفي طرق آدائها، ويكاد يكون القسم الكبير منها خالية من التأثيرات اليونانية وهي:

ܒܳܥܽܘܬܐ "بوعوثو"، ܩܳܠܐ "قولو"،  ܓܢܺܝܙ̈ܐ "غنيزي"،  ܓܽܘܫܡܐ "كوشمو"، ܗܽܘܠܳܠܐ "هولولو"، ܙܽܘܡܳܪܐ "زومورو"، ܟܽܘܪܳܟܐ "كوروخو"، ܡܺܐܡܪܐ "ميمرو"، ܡܰܘܪܒܐ "ماوربو"، ܡܰܕܪܳܫܐ "مَدروشو"،  ܟܳܪܘܙܽܘܬܐ "كوروزوثو"، ܡܰܥܒܪܳܢܐ "معبرونو"، ܣܽܘܓܺܝܬܐ "سوغيثو"، ܡܰܙܥܩܳܢܺܝܬܐ "مزعقونيثو"، ܡܶܬܥܰܗܕܳܢܘܬܐ "مثعهدونوثو"، ܣܽܘܬܳܪܐ "سوتورو"، ܣܶܕܪܐ ِدرو"، ܥܶܛܪܐ "عِطرو"، ܦܺܝܪܡܐ "فيرمو"، ܣܶܒܠܬܐ "سِبلثو"، ܥܽܘܢܺܝܬܐ "عونيثو"، ܡܰܥܢܺܝܬܐ "مَعنيثو"، ܥܶܩܒܐ "عِقبو"، ܦܶܬܓܳܡܐ "فتغومو"، ܬܰܟܫܶܦܬܐ "تخشفتو"، ܦܶܪܕܐ "فردو"، ܩܰܕܝܫܰܬ ܐܰܠܳܗܐ "قاديشات الوهو"، ܩܽܘܒܳܠܐ "قوبولو"، ܩܠܶܐ ܫܰܗܪܝܶܐ "قولي شهرويي"، ܫܽܘܒܚܐ "شوبحو"، ܬܒܳܪܬܐ "تبُرتو".

وكل اسم من الأسماء السابقة هو عبارة عن اسم لمجموعة يدل على نوع خاص من الأناشيد، وتضم كل مجموعة من هذه المجموعات عدد كبير من الأناشيد، وتتميز كنسياً عن بعضها بأسمائها.

وقد ذكر علامتنا البطريرك مار أغناطيوس أفرام برصوم الأول (1957م) في كتابه "اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية" هذه المجموعات بتفصيل أكثر، وبيّن ما تحويه من أعداد الأناشيد، وما بقي منها محفوظاً لغاية اليوم، وقد أخذها عنه المطران غريغوريوس يوحنا ابراهيم وذكرها في كتابه الموسيقا السريانية.

 2- أناشيد يونانية في الطقوس السريانية

 هناك خمس مجموعات من الأناشيد الأخرى أسماؤها يونانية، هي جزء لا يتجزأ من تراثنا الكنسي ونستعملها لغاية اليوم، وهي دليل واضح على التأثير اليوناني/ البيزنطي على كنيستنا وألحاننا الكنسية، حيث أن معظمها أُلِّفت باليونانية وترجمت شعرأً أو نثرأ إلى السريانية مثل:

1- ܣܛܺܝܟܘܢܘܣ "سطيخون"، ستيخونوس أو "سطيخونات" وهي من تصنيف مار قورلس الأورشليمي (386م)، وتستعمل في طقس الميرون ورسامة الأحبار.

وسطيكون أو ستيكون أو ستيخون مصطلح بيزنطي يعني ترتيل أو تلاوة، وهي كلمة يونانية ومعناها آية أو عدد.

2- ܩܽܘܩܳܠܝܳܘܢ "قوقليون" كلمة يونانية ومعناها الدائرة، وهي آية من المزامير تتوسطها لفظة هليلويا.

3- ܩܳܢܽܘܢܐ ܝܰܘܢܳܝܐ "قنوني يَونويي" أي القوانين اليونانية، وتستعمل بمعنى القاعدة أو الفريضة في الكنيسة، ولكن معناها الحرفي باليونانية هو المقياس أو القياس، ويقابلها وحسب رأينا بالسريانية كلمة ܡܫܘܚܬܐ "مشوحتو"، ومؤلفيها هم أندراوس الكريتي (720)م، ويوحنا الدمشقي (749م)، والراهب قزما البار، ويعقوب الرهاوي (708م).

4- ܩܰܬܺܝܣܡܰܛܘܣ "قاتيسمطوس" أو القاتسمات، كلمة يونانية ومعناها المجالس تتلى والاكليروس جالس.

5- "ܣܛܝܟܰܪܘܣ" ستيخاروس، وتسمى الإستيخارات، وهي أشعار منثورة من وضع القديس أياوانيس ذهبي الفم "القديس يوحنا الذهبي الفم" ( 407 - 347م)، وهي كلمة يونانية ومعناها الأناشيد.

6- هناك نوعين آخرين من الأناشيد تستعمل في القداديس وهي أيضاً يونانية التسمية:

- أنشودة ܩܰܬܘܠܺܝܩܺܝ "قاتوليقي"، ومعناها الجامع والشامل، ويتم إنشادها في وسط القداديس، تتناول نصوص هذا النوع من الأناشيد مناسبات الأحاد التي تنشد فيها. وقسم منها حديث العهد قام بتأليفها في ستينيات القرن الماضي عميد اللغة السريانية آنذاك الشاعر والأديب الكبير الملفونو عبدالمسيح قره باشي (توفي في لبنان عام 1984). وقام الاب الموسيقار بول ميخائيل (كاهن كنيستنا في بيروت، اطال الله في عمره) بوضع ألحانا جميلة لقسم منها لأجل جوقات الكنيسة.

- صلاة ܠܘܛܰܢܺܝܰܐ "لوطانيّا" ومعناها طلبة، ويتم إنشادها في وسط قداس كل أحد بعد أنشودة القاتوليقي، وأما معانيها فتشير إلى نقاء وطهر الكنيسة.

ويبدو بأن اللوطانيّا أخذت دوراً جديداً في الكتب الكنسية الحديثة تتقاسمه مع القاتوليقي، فنرى بأنها تحل محل انشودة  القاتوليقي في بعض الكتب التي طُبِعَت حديثاً وجدِّدَت لإستخدامات جوقات الكنيسة.

 وكما ذكرت أعلاه بأن القسم الكبير من أناشيد هذه المجموعات تعتمد ألحانها على أنصاف السلالم الموسيقية في تركيبها النغمي، وتنشد بطريقة سريانية خالية من مؤثرات وتأثيرات خارجية، وهذا دليل على سريانيّتها لحناً وإنشاداً.
والقسم الآخر الصغير من هذه الأناشيد مبنية ألحانها على سلالم موسيقية كاملة، وهذه دلالة على أن طريقة تلحينها هي بيزنطية، ولكنها تنشد بطريقة سريانية خالصة.

 3- أناشيد بيزنطية شرقية (من كنيسة الروم)

إن الموسيقا البيزنطية هي مصطلح يطلق على موسيقا الكنسية الطقسية التي تستخدمها طائفتي الروم الأرثوذكس والكاثوليك اللتان تتبعان الكرسي الانطاكي الرسولي، أو الطوائف التي تتبع الكنيسة اليونانية في الشرق والعالم. والموسيقا البيزنطية هي نظام موسيقي عريق وقديم جداُ بدأ مع بداية المسيحية وتطور وأنتشر واستمر إلى اليوم.

وجميع مسمّيات الأناشيد البيزنطية هي باللغة اليونانية رغم وجود أناشيد قديمة أُلِفَت باللغة العربية منذ زمن بعيد لكنها تندرج تحت مسمّيات يونانية، وقسم من مؤلفيها هم من السريان مثل أندراوس ويوحنا وقوزما وصفرونيوس الدمشقيون، ويعقوب الرهاوي (708م) وغيرهم. ومن هذه الأناشيد:

 القنداق
"القنداق" نمط شعري كُتبت فيه التسابيح والأناشيد الكنسية باليونانية في القرنين السادس والسابع. يعتمد على السرد القصصي وذكر الحوادث المهمة المرتبطة
بالمناسبة المعيّد لها. وقيل بأن كلمة قنداق يونانية تعني الدَّرْج، ومن الأقباط  من شرحها بأنها تعني العصا التي يلف عليها ورق البردي.

ويتألف القنداق عامة من مقدمة قصيرة توجز مضمونه، تليها مقاطع تسمى "أبياتاً"، يتراوح عددها بين 20 و 30 بيتاً، ينتهي كل منها بعبارة لازمة هي العبارة الأخيرة من المقدمة، وقد كان القنداق يتلى في صلاة السَحَر.

القانون

"القانون" هو أيضاً نمط شعري برز مع إنحِسار استعمال القنداق. كُتبت فيه الأناشيد الكنسية بين القرنين الثامن والحادي عشر. يتألف القانون عادة من تسعة أجزاء تسمى "اوديات" (مفردها اودية وتعني تسبحة) وتتألف كل اودية من مقاطع متعددة ترتل على نغم ووزن المقطع الأول منها المسمّى ارمس (أي أفتح فمي).

وأشهر المؤلفين القديس يوحنا الدمشقي (القرن الثامن)، وقوزما الدمشقي وأندراوس الكريتي (الدمشقي أيضاً) وثيوفانس اسقف ازمير (القرن التاسع)، والقديس يوسف المنشئ (القرن التاسع).

 الطروبارية

"الطروبارية" مصطلح يعني ترنيمة، وهي كلمة يونانية مشتقة من "تروبوس" أي أسلوب لحن.  وقيل أنها مشتقة من "تروبايون" أي النصر.  فيكون معناها تسبيحة النصر، لأنها تُبَيِّن انتصار السيّد المسيح على الموت والجحيم، وانتصار القديسين على أعداء الخلاص. والترنيمات الكنسية الوجيزة أخذت تُسمى بهذا الاسم منذ أيام القديس يوحنا ذهبي الفم (347-407 م).

وعند القول طروبارية القديس الفلاني، فيقصد منها الترنيمة التي تحوي ملخص بسيط عن حياة هذا القديس أو قصة العيد المحتفل به.

 وهناك أيضاً أنواع أخرى كثيرة من الأناشيد البيزنطية منها: الكيكرغاريا، البولياليوس، الأرمس، الأيذيوملون، الأينوس، الستيشيرات، الإذيوميلات، والكاتسماتات، وغيرها. وكما نلاحظ بأن جميعها هي ذات أسماء يونانية.

 الجزء الثامن عشر

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها