عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

بقلم: نينوس صوما اسعد
سويد ستوكهولم


الموسيقا السريانية الكنيسة

(الجزء العاشر)
الفرق بين النظامين اللحنيين اوكتوإيكوس وإكاديس (1) 
في السلالم الموسيقية

مقدمة 
لقد دعي نظام النغمات الثمان الموسيقي "إكاديس"، بنظام الألحان السرياني ليس لكونه معمول به فقط في الكنيسة السريانية إنما لكون مبتكريه ومنظميه وواضعي ألحانه كانوا سرياناً آراميي الجنس واللغة

بينما يُدعى النظام الموسيقي ذو الثمانية نغمات "اوكتوإيكوس" بالبيزنطي، لأنه يشير إلى حضارة الروم المشرقية التي أخذت إسمها من اسم المدينة "بيزنطة"، والتي كانت المدينة التي شيدت مكانها مدينة القسطنطينية.

وهذا الإصطلاح "البيزنطي" لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى موسيقا إمبراطورية روما الشرقية، بل يشير إصطلاحاً إلى الموسيقا الكنسية المستعملة في كنائس الروم الشرقية، الذي كان للسريان الآراميين من أبناء سوريا التاريخية على الخصوص دوراً هاماً جداً في وضع أسس و تطوير هذا النظام الموسيقي.

الفرق في السلالم الموسيقية

 النظام البيزنطي اوكتوإيكوس:

إن النظام الموسيقي البيزنطي الذي يسمّى "اوكتوإيكوس"، له صفاته الخاصة به وخصائصه الموسيقية وطرق إنشاد ألحانه التي تميّزه عن النظام  الموسيقي السرياني إكاديس.

وتتكون ألحان الموسيقا الكنسية البيزنطية المبنية من نغمات هذا النظام من سلالم سباعية الأبعاد الصوتية، أي من ثمان درجات موسيقية تكوِّن ديوان موسيقي كامل، أو "اوكتاف"، أي أنها تتكوّن من سلالم مقامات كاملة أو حتى أكثر، وليس من أنصاف مقامات، أي ليس من أجناس أو عقود كما الحال في النظام السرياني.

لقد تمت مقارنة الألحان البيزنطية الشرقية بالمقامات الشرقية على أيدي موسيقيين مختصين من كنيسة الروم (لا نعرف متى وأين ومن)، وحددوا ما يقابلها من سلالم المقامات الشرقية مع أسمائها للمعرفة ولسهولة الإستعمال ولتسهيل الأمور أمام كل الموسيقيين العارفين بالألحان الكنسية والغير العارفين منهم أيضاً.

وللأسف أصبح دارجاً، بين أبناء كنيسة الروم وإكليروسها في عصرنا هذا، إستعمال تسميات المقامات الشرقية عوضاً عن إستعمال أسماء النغمات الموسيقية  البيزنطية بمسمياتها القديمة، أي اللحن الأول واللحن الثاني والثالث والخ، وهذا الإهمال سيوقع كنيسة الروم بشقيها الارثوذوكسي والكاثوليكي بمشاكل موسيقية جديدة وعديدة مستقبلاً

توزيع الألحان البيزنطية مع أشقائها ومع تسميات المقامات الشرقية

إن توزيع النغمات البيزنطية مع أشقائها وما يقابلها من مقامات بمسمياتها الشرقية حصلت في العصورالمتأخرة وهي من وضع موسيقيين ضليعين في الموسيقا الكنسية البيزنطية وفي علوم المقامات الشرقية. وهناك دراسات مهمة وقيّمة أقيمت في المعاهد اللاهوتية التابعة لكنائس الروم منها ما طبع ونشر، تحوي شروحات تفصيلية حول الأجناس الموسيقية المكوّنة للنغمات البيزنطية، وحول تحديد وتوزيع الكومات على سلالمها.

وللتوضيح والمعرفة نبيّن في الجدول الآتي نغمات النظام البيزنطي الشرقي وما يقابلها من مقامات شرقية

اللحن الأصلي    مقامه الشرقي     اللحن الشقيق        مقامه الشرقي

1- اللحن الأول     بيات ، عشاق          5-  شقيقه الخامس       نهاوند- بيات الحسيني  
2- اللحن الثاني   هزام، حجاز النوى        6-  شقيقه السادس       حجاز -  شهناز
3- اللحن الثالث      جهاركاه              7-  شقيقه السابع         العراق، العجم 
4- اللحن الرابع         سيكاه              8-  شقيقه الثامن         راست، راست الجهاركاه         

ويُستمَر بتطبيق هذه الألحان بشكل تسلسلي فتتحول الألحان الشقيقة الى ألحان أساسية، لتصبح ثمان نغمات فتأخذ أهميتها على خريطة نظام النغمات الثمان "الاوكتوإيكوس" وموقعها على تقويم السنة الكنسية الطقسية بشقيه اليولياني والغريغوري.

لم أحصل على جواب شافٍ لغاية الحين عن السبب الأساسي لوجود سلمين موسيقيين مختلفين في أغلب النغمات البيزنطية، والذي يؤدي إلى وجود مقامين شرقيين مختلفين لكل نغمة من نغمات النظام البيزنطي "اوكتوإيكوس"، وبالتالي إلى إختلافات في سلالمهما الموسيقية وفي النغمات الميلودية الصادرة عنهما، وفي نوعية وطبيعة وصفات كل نغمة منهما.  
مثال: اللحن السابع من النظام البيزنطي يقابله في الموسيقا الشرقية مقامين مختلفين عن بعضهما تماماً، وهما مقام العراق ومقام العجم.

أعتقد شخصياً أن إزدواجية المقامات الشرقية في نغمات النظام  البيزنطي ناتجة عن عدم إستعمال متغيّرات الألحان في كنيسة الروم الشرقية بشكل منتظم ومستمر، وبالتالي  فقدان إستعمالها كنظام في الكنيسة، الذي أدّى الى هذه الإزدواجية وإلى تبديل أماكن النغمات على جدول هذا النظام الذي لا يتطابق تماماً مع جدول نغمات النظام السرياني "إكاديس".

النظام السرياني إكاديس:

إن النظام النغمي السرياني "إكاديس"، الذي يتميّز بصفات معينة وخصائص موسيقية محددة وطريقة خاصة به في إنشاد ألحانه، تتكوّن سلالم نغماته الموسيقية من أنصاف السلالم الموسيقية ذات الأبعاد الصوتية السباعية، أي من نصف ديوان موسيقي أو من نصف مقام، ويعني هذا أنها تتكوّن من أجناس أو عقود أو أقل
وهذا إختلاف موسيقي كبير نسبياً مع سلالم ألحان الكنيسة البيزنطية التي تعتمد على السلالم الكاملة.  
لقد شاعت هذه الأيام بين العامة من السريان إستخدام أسماء المقامات الشرقية عوضاً عن التسميات التاريخية للألحان السريانية، فعوضاً عن القول: قولو قدمويو (الأول)، وقولو ترايونو (الثاني)، وقولو تليثويو (الثالث) الخ..، يقولوا: مقام البيات، مقام الحسيني، مقام السيكاه الخ...، وهذا خطأ جسيم بحق ألحاننا الكنسية وبطرق إنشادها، وسيوقع كنيستنا السريانية مستقبلاً في مشاكل موسيقية جمة نحن بغنى عنها، وسيضرّ كثيراً بموسيقانا السريانية بشكل عام.
فمن خلال مقالنا هذا نشجع الجميع كهنة وشمامسة وموسيقيين على إستعمال المسمّيات الصحيحة لألحاننا السريانية للحفاظ على التَرِكة التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا العظام. 
 
توزيع الألحان السريانية مع متغييراتها ومع تسميات الأجناس الشرقية 

لقد حدد الباحث الموسيقي السرياني الملفونو نوري اسكندر مشكوراً الكومات الموسيقية للنغمات السريانية الكنسية الثمانية، ووضع جدولاً لعلامات التحويل مع كوماتها لمعرفة الفروقات اللحنية بينها وبين أجناس المقامات الشرقية، وأثبت بذلك خاصية الألحان السريانية الكنسية (الموسيقا السريانية) التي تتميّز عن المقامات والأجناس الشرقية
وأعرضها هنا في الجدول الآتي للمعرفة ولتوضيح نغمات النظام السرياني وما يقابلها من أجناس شرقية

النغمة السريانية    جنسها الشرقي   اللحن المتغيّر        جنسه الشرقي

قينثوُ قَدموُيتوُ         جنس بيات          قينثوُ حميشوُيتوُ       غير معروف اسمه
قينثوُ ترايوُنيثوُ       جنس بيات آخر    قينثوُ شتيثوُيتوُ         جنس بيات، نهوند
قينثوُ تليثوُيتوُ         جنس سيكاه         قينثوُ شبيعوُيتوُ         جنس صبا  
قينثوُ ربيعوُيتوُ       جنس راست        قينثوُ تمينوُيتوُ          شبيه الحجاز، راست

وتُنشَد النغمات الثمانية كألحان أساسية تباعاً مع متغيّراتها وحسب نظام السنة الطقسية المتبع في الكنيسة السريانية، كما كنّا قد أوردناها وشرحنا عنها في مقالنا سابقاً.

مقارنة أجناس ومقامات النظامين اوكتوإيكوس وإكاديس
 
نلاحظ من مقارنة أجناس المقامات البيزنطية بتسمياتها الشرقية مع الأجناس السريانية بتسمياتها الشرقية أيضاً، بوجود فروقات كبيرة بنوعية الأنغام المقررة في النظامين الموسيقيين السرياني والبيزنطي، وفي سلالمها الموسيقية وفي إستعمالاتها أيضاً، ناهيك عن الإختلافات والفروقات في الكومات بين سلالم أجناس أنغام النظامين.
لا أحد يعلم لما هذا الإختلاف وأسباب حصوله أو تاريخ وقوعه، لكن وحسب رأيي الشخصي أن السريان عندما أخذوا فكرة نظامهم الموسيقي من انطاكيا، إختاروا أجناساً موسيقية معينة خاصة بهم تختلف عن أجناس مقامات نظام الكنيسة البيزنطية ، وهي من تلك الأجناس التي كان يستعملها مار افرام السرياني (373م)، ومار اسحق الرهاوي المعروف بالأنطاكي (491م)، ومار يعقوب السروجي (421م)، ومار بالاي (342م)، ومار شمعون بار صابوعي (343م)، في ألحانهم الكنسية قبل ظهور نظام النغمات الثمان، حيث استخدموها لبناء نظامهم اللحني الذي يسمّى "إكاديس" بما يناسب وينسجم مع طبيعتهم وبيئتهم ولغتهم وتفكيرهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ووسائل تعبيرهم وسائر مفاصل حضارتهم، وخاصة ما يناسب فهمهم لنصوص الكتاب المقدس وشروحاتها وكيفية تفسيرها.  


وفي الجدول الآتي مقارنة لأنواع أجناس النغمات في النظام الموسيقي السرياني مع مقامات النظام البيزنطي الشرقي:

اسم النغمة        الجنس في النظام السرياني     المقام في النظام البيزنطي
 
النغمة الأولى                                جنس بيات                     مقام بيات - العشاق     
النغمة الثانية                               جنس بيات آخر                مقام الهزام – حجاز النوى
النغمة الثالثة                               جنس سيكاه                     مقام الجهاركاه    
النغمة الرابعة                                جنس راست                    مقام السيكاه
النغمة الخامسة                            جنس مجهول الأسم           مقام نهوند – بيات حسيني
النغمة السادسة                           جنس بيات – نهوند           مقام الحجاز - شهناز  
النغمة السابعة                              جنس الصبا                    مقام العراق – العجم
النغمة الثامنة                                شبيه الحجاز – راست       مقام راست - راست الجهاركاه

ورغم الإتفاق العام حول أنواع المقامات والأجناس الموسيقية وتسمياتها عند أبناء الكنيستين السريانية والبيزنطية الشرقية وكل على حدى، إلا أن هناك آراء مختلقة حول هذه التسميات ونوعية هذه الأجناس ومقادير كوماتها عند الكثيرين من الموسيقيين في هاتين الكنيستين، بل أن بعض الموسيقيين من أبناء كنيسة السريان ذهبوا أبعد من هذا الأمر وأخذوا بالدفاع  عن آرائهم الشخصية المختلفة عن نوعية بعض الأجناس التي أوردناها في الجدول السابق والتي هي من وضع الموسيقار والباحث نوري اسكندر بكل قواهم، وأسبابهم في هذا الأختلاف، أنهم ينتمون الى مناطق لها أسلوبها اللحني الخاص بها، وخاصيّة معينة ومزايا موسيقية تختلف عن أي منطقة أخرى.

   
ولهذا أُفَضِّلُ شخصياً العودة للتسمية السريانية والبيزنطية وعدم الإلتفات إلى التسميات الشرقية مطلقاً، وعدم الإلتفاف عليها بأعذار غير مقبولة، لأنها ستدخلنا في متاهات موسيقية جمّة نحن في غنى عنها

وتحياتنا لكم

 الجزء الحادي عشر

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها