دور السريان في الفلسفة
كابي حنا،
شاعر سوري
عند وصول القيح إلى الحنجرة يعجز الصوت عن ممارسة وظيفته الروتينية في
التواصل مع محيطه.
هم الأن في بيوتهم يتلقون رسائل التهديد ويخافون أن الباب مفخخاً عند
الصبح..
هم الأن ينامون بلا نوم..
إنهم أبناء
العراق،
ككل العراقيين شربت الأرض عرقهم وتعبهم وقاسموا العراقيين ظلم الدكتاتور،
و ذاقوا الفقر لكنهم لم يتخيلوا يوماً أن توصلهم الأقدار مرة أخرى إلى
ساحة التصفية بكل أشكالها العرقية والدينية.
بعد أن عانوا الكثير من مجازر المغول والتتر والعثمانيين و الأكراد هاهو
الشعب المسيحي يتعرض للتصفية من جديد.
فأي قيح وصل حنجرة العراق عند وصول العرب إلى مناطق شرق وجنوب شرق البحر
الأبيض المتوسط و بلاد الرافدين.
لم يخطر ببالهم أول الأمر أنهم نزلوا بما يمكن تسميته بلاد الفلسفة.
أما سكان هذه المناطق فكانوا من السريان من الشعب الذي كان كما يصفه
الباحث السوفييتي س .س.افيرنتسيف (جسراً حياً يصل حوض البحر المتوسط
وإيران،
إنهم شعب التجار و المترجمين و المعلمين.
و كان هؤلاء يتكلمون اللغة السريانية التي تمثل مرحلة متطورة من تطور
إحدى الللهجات الأرامية.
و كان السريان يتقنون اليونانية وعملوا على ترجمة كتب الفلسفة لكثير
من العباقرة،
منهم أفلاطون و أرسطو و جالينوس و أبقراط،
بل و تعدوها إلى كتب الزراعة و الفلك.
و كانت معظم أعمال الترجمة تتم في الرها / اورفا حالياً / حيث يعد القديس
الشهير مار
أفرام
السرياني
واحداً من مدرسيها.
و لكن للأسف في عام 489 ميلادي تم إقفال المدرسة بناء على أوامر
الإمبراطور زينون فنزح طلابها إلى مدينة نصيبين في شمال ما بين النهرين
حيث
ازدهرت
مع أواسط القرن السادس الميلادي).
جنباً إلى جنب مع مدينة جنديسابور الطبية شمال غربي فارس و طبعاً حيثما
كان الطب مزهراً كانت الفلسفة رفيقاً
و طرفاً هاماً.
و من أبرز المترجمين من اليونانية إلى السريانية كان برصوما النسطوري في
القرن الخامس حيث
اشتغل
بشرح منطقيات أرسطو و أيسانوجي و فرقريوس.
و من أهم قواعد الشعب السرياني الفكرية كانت مدينتا رأس العين و قنشرين
على ضفة الفرات.
و تكاثرت مدارس الفلسفة إلى أن وصلت إلى خمسين مدرسة حتى
التمع
في أواخر القرن الثامن كوكبة من المترجمين السريان بينهم مار أبا و مار
بختيشوع،
إذ نقلوا أعمال أرسطو مقدمين شروحاً مفصلة لأفكاره.
عندما جاء الخليفة المأمون عام 832 ميلادي و أنشأ بيت الحكمة الذي كان
غرضه جمع مختلف العلوم كان السريان
طبعاً
العنصر الفعال بهذا البيت،
فقدموا الدراسات و الإطروحات و الترجمات و الشروحات،
بل و إن أول من ترأسها كان سريانياً
وهو أبو زكريا يوحنا بن ماسويهعام 777ميلادي -858.
و كثيرة هي أسماء أولئك السريان العباقرة اللذين عملوا من أجل رقي
المجتمع و تقديم العلوم الفلسفية لأفراد المجتمع برمته من سريان وعرب،
نذكر من تلك الأسماء جورجيوس بختيشوع،
يوحنا بن البطريق،
إسطفان بن باسيليو،
اسحق بن
حنين
الذي
ترأس بيت الحكمة،
قسطا بن لوقا حوالي 820- 912 ميلادي
و
كان لديه الكثير من المؤلفات الفلسفية منها
"الفصل
بين النفس والروح"،
ثابت بن قرة،
عبد المسيح بن عبد الله بن ناعمة الحمصي.
وأهم كل هذه الأسماء هما أستاذا الفاربي متى بن يونس،
توفي
940
ميلادي و يوحنا بن حيان،
توفي في عهد الخليفة المعتز906- 932 ميلادي.
ولا نغفل إسم ايحيى بن عدي 893-974 الذي أصبح تلميذا
للفارابي.
ويحكى لنا أن
ابن
خلكان
الذي
عاش في القرن الثالث عشر
كتب مما كتب "وفيات
الأعيان وأبناء الزمان".
أما
الفارابي
فقد
تلقى أصول الفلسفة في حران،
حيث درس على يد الفيلسوفين السريانيين يوحنا بن حيان و متى بن يونس.
و لا ننسى بالطبع
الحسن بن أبي زرعة 952-974
الذي
كانت
له كتب كثيرة
في هذا المجال،
و
أيضاً أبو الخير الحسن بن سوار المعروف بإبن الخمار 942-1018.
لقد
أعطى الشعب السرياني الكثير للعرب و للحضارة العربية و أستفاد
جميع
شعوب البلاد العربية من نتاجهم في صالح خير البشر و المجتمع.
و
ما زال أحفادهم يتكلمون اللغة السريانية و يعيشون في أرض بلادهم،
بلاد النهرين في العراق وسوريا و في كثير من الدول الأوربية.
وفالسريان
قدموا العلم لأبناء وطنهم،
فهل يكون
قصاص أحفادهم اليوم
التهجير القسري و الترهيب
و
مكافأتهم
التعصب الديني و تفجير كنائسهم و تدمير منازلهم و إجبار شبابهم على
السكوت عن الحق و إجبار نسائهم على لبس الحجاب و إرغامهم على تقبل كل
الإهانات؟..
ترفّق
بهم ياعراق كما ترفّق
بك أجدادهم!
|