عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

الأدب السرياني  آرامي

السريان الآراميين من أقدم الشعوب في المنطقة. لهم حضارتهم العريقة وتاريخهم الطويل ومساهماتهم المتعددة في بناء الحضارة العالمية القديمة. وهذه المساهمة متعددة الفروع قي مجالات السياسة والاجتماع والقانون والأدب والفلسفة والفن وغيرها. وقد حافظ السريان على لغتهم، لفظًا وكتابةً، منذ آلاف السنين والى الآن. قسم منهم من الآراميين الذي اعتنق الدين المسيحي الجديد وسُمُّوا بـ"السريان".[1][8] اشتهر السريان بحفاظهم على تراثهم ونقله شفهيًّا إلى الأجيال اللاحقة. يقع مركزهم في الشمال الشرقي من سورية. اهتموا بالزراعة، كغيرهم من الشعوب التي عاشت في مناطق ذات مياه وفيرة. وأيضًا، لم تكن مساهمة السريان في بناء سورية قديمة فقط، بل مازالوا يساهمون، جنبًا إلى جنب مع باقي أفراد الشعب السوري، في بناء هذا الوطن الصغير.

ونشير هنا إلى أن النشاط الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي الذي عاشه السريان بعد تعرضهم للقتل والتهجير في بداية هذا القرن ساهم في إنتاج صحافة وأدب امتازا بالغنى والتفرد والارتباط بالجذور. وقد نشر السريان السوريون كافة نتاجهم في سورية آنذاك لتوفر المطابع (توجد حاليًّا ثلاث مطابع في حلب والقامشلي)، مما ساهم في حفظ ونقل هذه اللغة إلى الأجيال اللاحقة.

أما الصحافة السريانية فهي لم تحتل ما احتله الأدب من شهرة وديمومة، نتيجة للتنقلات المستمرة بين المناطق التي يعيش فيها السريان. لكن من أهم الدوريات الصادرة في منتصف هذا القرن النشرة السريانية الحلبية التي بدأت بالصدور في العام 1944 واستمرت حتى 1950؛ وهي تتألف من 100 صفحة ذات قطع صغير، كانت تُصدر أحيانًا أعدادًا مزدوجة أو ثلاثية حسب الظروف. وهي تبحث في مواضيع متنوعة، ثقافية واجتماعية ودينية، وتتابع كلَّ جديد.

وننتقل الآن إلى عامودا، حيث كانت تصدر نشرة غير دورية باسم صوت الجزيرة، باللغتين العربية والسريانية، ويتراوح عدد صفحاتها من 15 إلى 40. وقد كتب في صدر صفحتها الأولى "نشرة عربية سريانية إصلاحية".

أما في القامشلي، فقد صدرت في العام 1949 واستمرت حتى 1951 نشرة يومية غير دورية، حصرًا بالسريانية، عن ثانوية النهضة. وقد شارك في تحريرها نخبة من الطلبة المتفوقين باللغة السريانية منهم: برهان إيليا، اسحق إبراهيم، د. غبرييل دودش، سليم داوود ملكي، أفرام غريب. وهذه النشرة تربوية توجيهية ثقافية، يتراوح عدد صفحاتها بين 2-4. وأيضًا، بالإضافة إلى ما سبق، هناك العديد من النشرات الصادرة عن الطائفة السريانية في المحافظات تبحث في أمور الدين والتراث والاجتماع، كـالمجلة البطريركية الصادرة في دمشق.

أما الأدب السرياني، من خلال المصادر القليلة الشخصية التي استطعت الحصول عليها، فهو أدب ديني أولاً، ومدرسي ثانيًا. وسبب ذلك، ربما، لأن الطقوس الدينية مازالت تمارَس باللغة السريانية. فكانت النتيجة ظهور أدب ديني وأناشيد دينية كثيرة متنوعة، بالإضافة إلى موسيقى سريانية غنية يجري الآن إحياؤها من خلال بعض التسجيلات.

وقد أردت فقط ذكر هذه النقطة، دون التوسع فيها، لأن الأدب السرياني بحر كبير؛ ما يفترض أن نتركه لأصحاب الاختصاص كي يغوصوا فيه. وهذا الأدب هو أدب عريق قديم، فلسفي وحكمي؛ وحديثه في معظمه ديني روحي. ولقد تأثر، كغيره من الآداب، بالزمان وبالمكان. فالقافية، مثلاً، عرفها السريان في القرن التاسع الميلادي، مقتبسينها من جيرانهم العرب. ولشعرهم أوزان، منها الوزن "السروجي" والوزن "الأفرامي".

وقد تنوعت مواضيع الأدب السرياني الحديث وتعددت، كالكتابة عن الطبيعة والحبِّ والجمال والقومية وسواها. وأيضًا، بالإضافة إلى الشعر المقفَّى، هنالك الشعر العامي الذي ظهرتْ بواكيرُه مؤخرًا، ولمعت فيه بعض الأقلام الشابة، مثل ساكه دقرباشي.

ونشير هنا إلى أن مآسي السريان في أثناء الحرب العالمية الأولى (سفر برلك) أنتجت أدبًا يرشح أسًى ودماء؛ عبَّر عنه يوسف شاهين وكلو شابو ونعمات إيدين. ومازال هذا الأدب يتابع نشاطه، حيث تجري سنويًّا في القامشلي مسابقة رسمية أدبية باللغة السريانية، كان شعارها في العام 1999 "الأدب السرياني، ماضيًا وحاضرًا"، وشاركت فيها فرق كورال لإحياء التراث الموسيقي، القديم والحديث، ووُزِّعَتْ فيه الجوائز على الفائزين في الشعر الفصيح للسيدين يونان يونان والياس أفرام، وفي الشعر العامي للسادة حبيب روهام ويعقوب لحدو وسمعان عيسى؛ كما فازت بالدرجة الثانية في الترجمة الأستاذة أحلام كورية. إن استمرار هذه المسابقة السنوية على التوالي دليل، ربما، على صحة المناخ الأدبي في سورية حاليًّا.

لذلك فإني، قبل التوسع قليلاً في عرض هذا الأدب، لا بدَّ من الإشارة إلى أن الكثير من المثقفين والأدباء السريان قد اهتموا، قبل كلِّ شيء، بناحية هامة في مجال اللغة؛ تتعلق بتأليف وطبع الكتب المدرسية لتسهيل تعلم لغتهم والحفاظ عليها، بالإضافة إلى نشر القواميس باللغتين السريانية والعربية. وقد طُبِعَتْ هذه كلها في سورية. لذلك فإني لن أذكر هنا النتاج التعليمي للأدباء السريان في أثناء ذكري لمجمل أعمالهم.

وأبدأ بالرعيل الأول من أدباء هذا القرن:

-       السيد نعوم فائق (1868-1930)، الذي ولد في ديار بكر، وله نشاطاته الصحفية. أصدر جريدة كوكب الشرق حوالى العام 1908، ثم أنشأ في المهجر صحيفة بين النهرين في العام 1916 باللغات السريانية والعربية والتركية. وقد كان شاعرًا رقيقًا؛ له ديوان صغير يغلب على مواضيعه الحنين إلى الوطن والدعوة إلى اليقظة ومحبة الكنيسة والعلم والافتخار بتراث الأجداد. من أشهر أعماله ترجمته رباعيات الخيام إلى السريانية. بلغ عدد مؤلفاته الـ34، موزعة بين قواميس وترجمات وسِيَر. هذا ويذكر في أحد كتبه أن مجموع الألفاظ السريانية في اللغة العربية حوالى 1537 لفظة شائعة.

-       كلو شابو من القامشلي. وقد أجاد السريانية إجادة تامة. له قصيدة طويلة في وصف آلام الشعب السرياني في أثناء الحرب العالمية الأولى؛ وله كتب عديدة في النحو والحسابات والأعياد وكتب دينية.

-       يوحنا دولباني، المتوفى في العام 1969. من آثاره الأناشيد السريانية الحديثة التي طبعت في حلب في العام 1952، ومجموعة مقالات متناثرة.

-       الياس إشعيا، الذي من أهم أعماله ترجمته لقصة جنفياف إلى السريانية، وكتاب عن حروب طهماسب خان الفارس، بالإضافة إلى ديوان شعر صغير صدر في العام 1962.

-       أنطون دبوس، من مواليد قرية فيروزة في حمص في العام 1916. وقد مارس التعليم. ومن اشهر قصائده لامية العجم؛ وهي في الأصل للإمام مؤيد الدين الطغراني. وقد ترجم أيضًا عن الفرنسية السيد لكورنيي وقصائد لطاغور صدرت بعنوان غيوم وأمواج.

-       كبريال أسعد. من سكان القامشلي. تجلَّى نشاطه في تلحين الأناشيد السريانية وكتابة أناشيد جديدة. له كتاب طُبِعَ في حلب في العام 1953، فيه 16 نشيدًا لمجموعة من الشعراء،

كـيشوع صاموئيل، الذي ولد في قرية حلو شمال سوريا في العام 1907. اهتم بتأليف الكتب المدرسية، التي منها سلسلة مرشد المبتدئ إلى اللغة الآرامية؛ وله أيضًا ترجمات عديدة من السريانية إلى الإنكليزية والعربية.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها